ترجمة وتحرير نون بوست
عندما أطاحت الثورة المصرية بحسني مبارك، اختفى عن المشهد رجال مثل أحمد سيف الذين ساعدوا في تشغيل شبكة من المصالح المعتمدة على الوساطة والمحسوبية.
بعد ثلاث سنوات، سيف وأعضاء آخرين في حزب مبارك عادوا للعمل في الريف حيث الكثافة السكانية العالية، يقدمون كل شيء من الثلاجات للمقبلين على الزواج، إلى رواتب تشبه الرعاية الاجتماعية للفقراء، في مقابل أصواتهم في الانتخابات المقبلة.
هذه المرة، الماكينة السياسية الماهرة تحشد التأييد لقائد الجيش عبدالفتاح السيسي الذي أطاح بأول رئيس جاء بانتخابات حرة محمد مرسي، ويتوقع الآن أن يصبح رئيسا. عودة هذه الوجوه وهذه الماكينة تثير شكوكا عديدة حول التحول السياسي المتعثر في أكبر دولة عربية.
على الرغم من أن المتوقع هو أن يفوز السيسي بالرئاسة بأغلبية ساحقة، دعم كبار العائلات وشبكات المصالح المحلية المؤيدين له يقدم إشارة إلى أنه يمكن للسيسي أن يرسخ حكمه بنفس طريقة حكم نظام مبارك.
كان من المفترض ان تكون ثورة يناير معنية بتطهير المشهد السياسي من المتحكمين مثل أحمد سيف الذي كان عضوا في البرلمان في عصر مبارك، أمواله واتصالاته تعطيه هيمنه هائله في الريف المصري حيث يعطي الناس عادة أصواتهم لمن يوفر وظائف و اعانات مالية، لكن هذا لم يحدث!
بيت أحمد سيف مفتوح لأي شخص في مدينة شبين الكوم (شمال القاهرة، محافظة المنوفية)، وهو مبنى سكني مسقوف على احد روافد النيل المار حول الأراضي الزراعية الأكثر إنتاجا في البلاد.
“تفضل بالجلوس” قائلا وهو يدير مسبحته وهو يرتشف الشاي في الصالون اعلى شركة السياحة التي يمتلكها التي تغطي انحاء البلاد، بينما يستقبل مرحّبا رجلين يريدان أموالا كتبرعات لإصلاح المسجد الذي يرتادونه.
“اذا كان هناك أحد يعد العدة لخوض الانتخابات، يجب عليه أن يوفر الخدمات للناس”
في الغرب، السياسيون يتحولون الى شركة علاقات عامة معقدة أثناء الحملات الانتخابية، أما هنا فيظهرون كلاعبين مثل أحمد سيف الذي يجلس في مكتبه ليستمع للناخبين ويقدم حلولا نابعة من أصوات النقود في جيبه.
يقول محللون ان طبيعة السياسة في مصر تعني أن نفوذ الأعيان (الوجهاء) المحليين يفوق عادات التصويت خصوصا في البلدات والقرى الريفيه، حيث تتركز الكثافة السكانية، ومن المرجح أن تظل كذلك على نطاق واسع لسنوات قادمة. ومع وجود العديد من أنصار مرسي في المعتقلات او هاربين من الملاحقه، ومع العلم أن كل الأحزاب الليبرالية غير قادرة على منافسة السيسي، فإن هناك عدد قليل من القوى في وضع يمكنها من استعادة النظام والحفاظ عليه.
حزب مبارك (الحزب الوطني) المنحل عقب ثورة يناير لم يكن أبدا مؤدلج مثل الأحزاب الشيوعية في أوروبا الشرقية. بدلا من ذلك، كان الحزب مطيه فعالة لتوزيع المحسوبية. السيسي الذي تملأ صوره شبين الكوم قد يضطر الى الاعتماد على المدى الطويل على السياسيين المحليين الذين يستطيعون تأمين مستوى ما من الموافقة من الناخبين، تلك الموافقة التي لا يمكن تحقيقها بالقوة وحدها.
لكي يحفاظ السيسي على شعبيته عليه ان يعمل على استراتيجية تحتوي سكان الريف، تماما مثلما فعل مبارك.
“من دون المناطق الريفيه والكثافة السكانية خارج المدن الكبرى لا يمكن لحكومة أن تأمل في اقامة كتلة سياسية داعمة لها” حسب قول هـ.أ.هيللير الخبير بشؤون مصر و الباحث في معهد بروكينغز.
“اذا كنت تسيطر على القاهرة فقط ، لا تأمل في احكام قبضتك للأبد”
العودة
حسنا، قبل انتخاب أحمد سيف في برلمان 2005 ، كان يوزع المال السياسي على ابناء بلدته، خدمة المجتمع ساعدت أحمد سيف على إقامة مركزه السياسي أو كما يسميها طارق مسعود الأستاذ في جامعة هارفارد، جعله المال السياسي “أحد الوجهاء المحليين”.
المصطلح يصف “شخص يمتلك ماكينة تصويتية جاهزه : شخص يملك عدد لا يستهان به من الناس الذين يعطونه صوتهم في الانتخابات بغض النظر عن أي شيء” كما يقول طارق مسعود.
بعد الإطاحة بمبارك، اتخذ أحمد سيف المقعد الخلفي سياسيا يرقب مرسي وجماعة الإخوان يهمنوا على الانتخابات.
رأى سيف فرصته للعودة إلى اللعبة السياسية في الربيع الماضي، في ظل تصاعد الغضب ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين
أولا، موّل طبع استمارات محليا لحملة توقيعات “تمرد” التي تطالب بانتخابات مبكرة.
النشطاء المعارضين لحكم الإخوان المسلمين أخبروا رويترز أن أحمد سيف بدأ بالتبرع لهم دعما للتظاهرات التي بدأت في الثلاثين من يونيو، الموعد الذي حدد لتظاهرات في انحاء البلد. كان أحمد سيف لديه منصة نصبت، أنظمة صوتية، وعشرات ممن ينظمون توزيع وجبات مجانية (إعاشه ) ليتم تسليمها يوميا للمتظاهرين والمعتصمين الذين اعتصموا ليومين.
بعد أيام، أطاح السيسي بمرسي وكشف النقاب عن خارطة طريق سياسية وعد انها ستجرى انتخابات حره ونزيهه. كما بدأت الدولة حملة أمنية على جماعة الإخوان المسلمين، وحينها عاد أحمد سيف لدوره الذي برع فيه خلال حكم مبارك.
قدم أحمد سيف عشرة آلاف وجبة خلال خلال شهر رمضان الى المواطنين المعارضين لحكم الاخوان المسلمين واشترى لعبا للأطفال. كما بقي على اتصال وثيق مع الحكومة الجديدة المؤقتة المدعومة من الجيش.
وبعد أن حضر اجتماعا مع الرئيس المؤقت عدلى منصور بخصوص الدستور الجديد، عقد أحمد سيف ما أسماه “المؤتمرات” حيث صدحت الأغاني القومية، و أُعطي الأشخاص الذين حضروا المشروبات والمواد الغذائية.
لاحقا، مهدت الموافقة على الدستور بنسبة 98 في المئة من الناخبين هذا الشهر الطريق للسيسي ليعلن ترشحه للرئاسة و أحمد سيف -بالطبع- كان على استعداد للمساعدة. “السيسي رجل وطني. أنقذ البلاد”، كما يقول.
الحكومة في القاهرة حريصة على التصريح بأن كلا من الموالين لجماعة الإخوان ومبارك أعداء الأمة .
”لن تكون هناك عودة إلى ممارسات ما قبل 25 يناير لأن المصريين لن يسمحوا بعودة أولئك الذين كان لهم دور في وصول الأمور التي أدت إلى الثورة “ قال ذلك مصطفى حجازى، مستشار الرئيس المؤقت عدلي منصور.
ما يزال المتابعون يقولون أن عودة شبكات المصالح هذه في الظهور مجددا لدعم السيسي لن تؤدي إلى فصل النخبة السياسية عن النخبة الاقتصادية وهي أهم سمات السنين الأخيرة من حكم مبارك التي يقول النقاد انها خنقت الاقتصاد المصري.
ولكن عودة ظهور الناس المرفوضين من قبل الأقلية الليبرالية (فلول وبقايا نظام مبارك) ، يشير إلى أن السيسي ومن أجل بناء حكم طويل الأمد سيعتمد على دعم هؤلاء الذين دعموا مبارك من قبل.
في محافظة المنوفية ، موطن أحمد سيف و مسقط رأس مبارك ، كان بعض السكان الذين قابلتهم رويترز يشعرون بعدم الارتياح إزاء عودة سياسيين عهد مبارك. امرأة تبلغ من العمر 28 عاما قالت أنها فقدت الأمل في السياسة منذ ثورة يناير و لا تخطط للتصويت في الانتخابات المقبلة . وقالت ”لا أعتقد أنه سيكون أمرا جيدا إذا عاد هؤلاء الى المشهد السياسي” .
ورغم ذلك لا يزال كثيرون غيرها ينجذبون مرة أخرى إلى ”الفلول” مثل أحمد سيف الذين يضمنون تدفق الأموال من الحكومة في القاهرة.
الأسماء المألوفة
وكلما مشيت في المدينة الصغيرة، ستجد أدلة أخرى على أن أركان نظام المحسوبية قد استعادوا الهيمنة مرة أخرى على السياسة في مصر.
في عام 2010، سامر التلاوي ، الذي ورث أحد المصانع التي تنتج أحد العلامات التجارية للتبغ الأكثر استخداما في جميع أنحاء مصر، فاز بمقعد في البرلمان في انتخابات اعتبرت انها زورت بشكل فج وعلى نطاق واسع وأحد أسباب ثورة يناير.
انخرط مبكرا كقيادة شبابية في الفرع المحلي لحزب مبارك الحاكم، وضع التلاوي كسليل ثري لعائلة لها نفوذ وعلاقات واسعة صنعت منه المرشح الطبيعي للمنصب.
مزرعة الماشية التي يمتلكها، والخيول العربية التي يمتلكها أخوه في اسطبلات بالقرب من أهرامات الجيزة تتحدث عن حجم الثروة التي جمعها أنصار مبارك .
مصنع التلاوي يعمل به نحو 2600 نسمة، وهو واقع يجعل له شعبية كبيرة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في مصر فقد أُغلقت آلاف المصانع منذ ثورة يناير 2011، وانضم مئات الآلاف إلى صفوف العاطلين عن العمل في البلاد حيث يعيش خمسي الشعب تحت أو حول خط الفقر .
عندما جاء الإخوان المسلمين إلى الحكم، فاز مرشح من التيار الاسلامي بمقعد التلاوي في انتخابات 2011.
نجوميته السياسية أخذت في الارتفاع مرة أخرى. مثل أحمد سيف ، ويقول الآن انه يرى في السيسي الحل لمواجهة عدد ضخم من مشاكل مصر.
“30 يونيو كانت ثورة شعبية والناس جعلت السيسي قائدا لها، لهذا السبب كانت ناجحة” تابع التلاوي ، في اشارة الى المظاهرات التي حثت قائد الجيش على الاطاحة بمرسي والقيام بانقلاب عسكري دموي.
رجل الأعمال حسن الهندام يقدم الخدمات للمواطنين الفقراء عبر المؤسسة الخيرية التي تديرها عائلته التي تعطي اعانات مالية شهرية ل حوالي 350 عائلة ، تساعد المكفوفين، و تزود المقبلين على الزواج بأجهزه مثل الغسالات.
بالرغم من أن التلاوي لم يكشف عن خططه السياسية، الكثيرون يتوقعون له أن يترشح للبرلمان.
“لديه فرصة كبيرة للفوز ” قالها طالب في مدرسة ثانوية عن التلاوي، مما يعكس المزاج المحلي.
وبدافع من الإحساس بوصمة العار كعضو في الحزب الوضني، أمضى التلاوي السنوات الثلاث الماضية في تشغيل وادارة مصنعه والأنشطة الخيرية التي يقوم بها والتي تزيد من رصيده بين الناخبين .
“الآن في مصر لدينا طريق طويل حتى نصل الى المثالية، ما نريده هو أن يقبل المتنافسون بشرعية الانتخابات كوسيلة للحصول على السلطة” يقول طارق مسعود .
“إن أقصى ما نأمله لمصر أن تُجرى فيها انتخابات حرة ونزيهة، وألا يتم إلغاءها لاحقا” بانقلاب عسكري ربما!
المصدر: رويترز