“الفنكوش” كان فكرة إبداعية رائعة في فيلم “واحدة بواحدة” للفنان القدير عادل إمام، واُستخدم هذا المصطلح لسلعة لا أصل لها، لا في الواقع ولا في الوهم والخيال، وصار لتلك السلعة اسم يردده الجميع، وباتت إعلاناته تملأ الشاشات، وصدّق المجتمع الخدعة الكبرى.
ورغم أنه مصطلح سنيمائي إلا أنّه حمل بين طياته كثيرًا من الواقع، فتُرجمت به مشروعات وأعمال وإنجازات عديدة في أغلب البلدان العربية، ومنذ احتلال العراق عام 2003، أضحى سلعة رائجة فيه، وصُرفت عشرات – وربما مئات – المليارات من الدولارات من خزينة البلد على “الفنكوش”.
الفنكوش الجديد خرج حديثًا وغزا العراق من أقصاه إلى أقصاه، وكان تحت مسمّى “مطار الناصرية الدولي” الذي افتتحه وزير النقل العراقي كاظم فنجان الحمامي يوم الجمعة، بحضور عدد كبير من مسؤولي الوزارة ومسؤولي حكومة محافظة ذي قار المحلية، وحظي الافتتاح بتغطية إعلامية واسعة، فيما اعتبرته كتل سياسية “إنجازًا مبهرًا”.
لم يُنشَأ مطار ولم تُبذَل جهود مضنية فيه، ولم ترصد الحكومة العراقية أموالًا له بالأساس، وإنما هو مجرد محاولة صنع إنجاز وهمي وتقديمه للمواطن لتضليله وخداعه
في الواقع لم يُنشَأ مطار ولم تُبذَل جهود مضنية فيه، ولم ترصد الحكومة العراقية أموالًا له بالأساس، وإنما هو مجرد محاولة صنع إنجاز وهمي وتقديمه للمواطن لتضليله وخداعه، كوننا مقبلين على انتخابات جديدة، وهذه المرحلة تستلزم وجود مشاريع “فنكوشية” مع إطلاق الوعود الإصلاحية التي تعد بالنهوض بالبلد إلى مصاف الدول المتقدمة، تمامًا ككل فترة انتخابية سابقة.
ما جرى هو تغيير أسماء فقط، إذ تم تغيير اسم “قاعدة الإمام علي الجوية العسكرية” إلى “مطار الناصرية الدولي”
ما جرى هو تغيير أسماء فقط، إذ تم تغيير اسم “قاعدة الإمام علي الجوية العسكرية” إلى “مطار الناصرية الدولي”، مع عمليات ترميم بسيطة كغسل مدرج المطار وطلاء قاعة الاستقبال الصغيرة جدًا وتقديمه كإنجاز كبير، كما هو الحال في كثير من المرافق التي قامت الحكومات المتعاقبة منذ 2003 بتغيير أسمائها وإعادة افتتاحها وتقديمها على أنها مشاريع جديدة، وما المطار الجديد إلا حلقة من سلسلة طويلة، التضليل والوهم عنوانها الأبرز.
مدخل مطار الناصرية الدولي بعد حفلة الإفتتاح
تقع قاعدة الإمام علي الجوية بالقرب من مدينة الناصرية جنوب العراق، وهي مقر لسرب طائرات مقاتلة من طراز ميج سوفيتية الصنع، فضلًا عن العديد من طائرات الهليكوبتر من طراز M-24D، الطائرات مي-24 يمكن تخزينها في حظائر محصنة تقع على طرفي المدرج الرئيسي، وبُنيت ملاجئ للطائرات من قبل مقاولين يوغسلافيين في ثمانينيات القرن الماضي.
رغم نفي وزارة الصحة، فإن وسائل إعلام كثيرة تداولت أخبارًا عن وجود تلوث إشعاعي في القاعدة
كما أن المنطقة المحيطة بالقاعدة هي منطقة عسكرية، ومخلفات القصف الأمريكي لها في عامي 1990 و2003 لا زالت شاخصة للعيان حتى يومنا هذا، ورغم نفي وزارة الصحة، فإن وسائل إعلام كثيرة تداولت أخبارًا عن وجود تلوث إشعاعي في القاعدة.
خلاصة الأمر أن افتتاح المطار عبارة عن دعاية انتخابية مستفزة وتدعو للسخرية، فهو يفتقد لكل المقومات التي تجعل منه مطارًا مدنيًا فضلًا عن كونه “دوليًا”، كما أنه مليء بالخنادق والمخلفات العسكرية والخيام والكرفانات المخصصة للجنود، بالإضافة إلى الكتل الكونكريتية التي تحيط به، ناهيك عن افتقاده للطرق الصالحة لنقل المسافرين منه وإليه.