“إن أكسير الاستحمار الصفوي المشؤوم استطاع أن يصنع من الدم ترياقًا ومن ثقافة الاستشهاد ترنيمة نوم” شريعتي، من كتابه “التشيّع العلويّ والتشيّع الصفوي”.
الكاتب والمفكر الإيراني علي شريعتي، هو نموذج فريد من مفكري إيران في العصر الحديث، وقد اختلفت فيه الآراء إلى حد كبير، ويعد أحد أهم المصلحين في إيران الذي وقفوا أمام التشيع الصفوي.
شريعتي الفارسي العرق والشيعي المذهب، لم يتوقف عن نقد النزعة الشعوبية لدى رجال التشيع الصفوي
شريعتي الفارسي العرق والشيعي المذهب، لم يتوقف عن نقد النزعة الشعوبية لدى رجال التشيع الصفوي، وقد ناقش وحلل بشكل جذري ذلك التشيع الذي وضع أركانه المتطرفة إسماعيل الصفوي، وحاول أن يوضح أن ما أسماه التشيع العلوي يختلف تمام الاختلاف عن التشيع الصفوي.
وكان من أهم مؤلفاته “التشيع العلوي والتشيُّع الصفوي”، “دين ضد الدين”، “العودة إلى الذات”، “الفريضة الخامسة”، “النباهة والاستحمار”.
أفكار شريعتي أحدثت هزة في الفكر الشيعي الإمامي، الذي غلب عليه في القرون السابقة الفكر الصفوي الإقصائي المشبع بالخرافات والدجل وحب سفك دماء المخالفين.
نشأته وحياته العلمية
علي شريعتي ولد عام 1933م، قرب مدينة سبزوار في خراسان، انضوى في شبابه في حركة محمد مصدِّق (رئيس الوزراء الإيراني الذي أمم ثروات بلاده وانقلبت عليه الدول الكبرى)، في عام 1952 أصبح مدرسًا في الثانوية وأسس في نفس العام اتحاد الطلبة المسلمين، في عام 1953 بعد الإطاحة بمصدق كان أول اعتقال له من قبل سلطات الشاه وذلك على إثر إحدى المظاهرات، بعد الإفراج عنه أصبح عضوًا في الجبهة الوطنية، حصل على درجة البكالوريوس من جامعة مشهد في عام 1955، وفي عام 1957 تم اعتقاله مرة أخرى من قبل سلطات الشاه جنبًا إلى جنب مع 16 من أعضاء حركة المقاومة الوطنية.
تخرج في كلية الآداب، ثم غادر إلى فرنسا على إثر المنحة الدراسة حيث واصل دراسته العليا في جامعة السوربون للحصول على شهادة الدكتوراة في علم الاجتماع، وخلال وجوده في باريس تعاون مع جبهة التحرير الوطني الجزائرية عام 1959، وفي عام 1960 بدأ القراءة لفرانتز فانون حيث قام بترجمة بعض من مختاراته إلى الفارسية واعتقل في باريس عام 1961 بتهمة المشاركة في تظاهرة تضامنية مع باتريس لومومبا أول رئيس وزراء منتخب للكونغو والذي اغتالته الاستخبارات البلجيكية.
في نفس العام أسس مع إبراهيم يزدي ومصطفى جمران وصادق قطب زاده حركة حرية إيران في الخارج، وفي عام 1962 تابع دراسة علم الاجتماع وتاريخ الأديان، وتابع دورات المستشرق لويس ماسينيون وجاك بيرك وعالم الاجتماع جورج جورفتش، وتعرف أيضًا على الفيلسوف جان بول سارتر، وحصل على الدكتوراة عام 1964.
مواقف إيجابية
يرى الكاتب والمفكر الأردني هيثم الكسواني أن من أهم ما قام به شريعتي الانتقادات الشديدة التي وجهها إلى التشيع وما فيه من خرافات، وإلى رجال الدين الشيعة وما هم عليه من انحراف واستغلال للدين، وكذلك السخط الذي كان يبديه تجاه الصفويين الذين جعلوا من إيران دولة شيعية في بدايات القرن العاشر الهجري (16م)، والدعوة إلى إزالة ما أضافوه على التشيع من أفكار ضالة ومتطرفة، وأيضًا بعض العبارات الإيجابية التي كان يقولها بحق بعض الصحابة أو الدول الإسلامية أو علماء أهل السنة وقادتهم بخلاف ما عليه معتقد الشيعة.
على الرغم من هجومه على الكثير من الصحابة الكرام – رضوان الله عليهم – وتطاوله على الدولة الأموية بشدة، وبشكل أقل على الدولة العباسية، كان يثني على الدولة العثمانية أنها تمكنت من توحيد مختلف الأقوام والأجناس تحت راية الإسلام
وعلى الرغم من هجومه على الكثير من الصحابة الكرام – رضوان الله عليهم – وتطاوله على الدولة الأموية بشدة، وبشكل أقل على الدولة العباسية، كان يثني على الدولة العثمانية أنها تمكنت من توحيد مختلف الأقوام والأجناس تحت راية الإسلام (بالتأكيد لا يعتقد شريعتي هنا أنه الإسلام الصحيح) وشكلت منها كيانًا سياسيًا عسكريًا منسجمًا، لمواجهة الخطر الأوروبي وحماية أراضي المسلمين.
قال شريعتي في كتابه “التشيع العلوي والتشيع الصفوي”: “فقد كان (القزلباشية) في مطلع العهد الصفوي يجوبون شوارع وأزقة المدن وهم يصيحون بصوت واحد: اللعنة على أبي بكر، اللعنة على عمر، وكان يتعيّن على المارة أن يرددوا هذا الشعار معهم، وكل من يتردد في ذلك سيغرز الحراس حرابهم في صدره لإخراجه من حالة الشك والتردد”.
صراعه مع نظام الشاه
قدم علي شريعتي إرثًا مهمًا من الأفكار التي أسهمت في التمهيد لإسقاط نظام الشاه، حيث إن هناك أكثر من 150 دراسة عنه حتى عام 1997 ومجموع ما طبع لشريعتي في السبعينيات وصل إلى 15 مليون نسخة كما يؤكد الباحث محمد إسفندياري، وقد ذكر شريعتي نفسه أن عدد الطلاب الجامعيين الذين سجلوا في دروسه تجاوز الـ50 ألف طالب ووزع من كتاب “الولاية” أكثر من مليون نسخة.
انضوى في شبابه في حركة محمد مصدِّق الاستقلالية وعمل بالتدريس واعتقل مرتين كما أسلفنا في أثناء دراسته بالكلية ثم بعد عودته من فرنسا، أسس عام 1969م حسينية (مسجد لدى الشيعة) الإرشاد، ومن هنا كان يلقي محاضراته التي ما لبثت أن انتشرت في صفوف طلابه وحتى بين قطاعات مختلفة من المجتمع بما فيها الطبقات الوسطى والعليا من المجتمع الإيراني، وكانت أفكاره تنمو بشكل كبير وسريع، لذا كان من الطبيعي أن يثير هذا النجاح والانتشار حفيظة نظام الشاه، حتى إنهم اغلقوا الحسينية عام 1973 واعتقلوه مع بعض من طلابه لمدة عام ونصف، إلا أن الضغط الداخلي والشجب العالمي الكبير أدى إلى الإفراج عنه في 20 من مارس 1975.
بعض رجال الدين الشيعة نشروا في قُم عام 1972 بمساعدة شرطة الشاه كتابًا بعنوان: “هرج ومرج: قطرة من محيط أخطاء د. على شريعتي”
وقد تعرف شريعتى على أعضاء حركة “مجاهدي خلق” وهي مجموعة مسلحة مناهضة للشاه تبنَّت منهجًا عرفته أنه “ماركسي إسلامي”، وكذلك كان صراعه مع رجال الدين الشيعة حيث اعتبرهم طبقة اجتماعية تدافع بتفسيراتها للدين عن مصالحها الاقتصادية والاجتماعية، حتى إن بعض رجال الدين الشيعة نشروا في قُم عام 1972 بمساعدة شرطة الشاه كتابًا بعنوان: “هرج ومرج: قطرة من محيط أخطاء د. على شريعتي” وصفوه فيه بالمتغرب والجاهل بعلوم الدين والشريعة واتهموه بسبهم.
في سنة 1975 ألقي القبض على شريعتي بتهمة نشر “الماركسية الإسلامية” و”التواصل مع المجاهدين الإرهابيين” حتى أُفرج عنه بتوسط الحكومة الجزائرية لدى الشاه، لكن في يونيه 1977 عُثر عليه ميتًا ببيته في لندن وأعلنت السلطات البريطانية أنه توفي إثر سكتة قلبية، ودفن في دمشق بجانب ضريح السيدة زينب كما تمنى، وحتى الآن يعتقد الكثيرون أن شريعتي قُتل على يد المخابرات الإيرانية.
نقده للصفوية
اتهم علي شريعتي، حكام الدولة الصفوية، بأنهم اقتبسوا الشعائر والطقوس الحسينية من المحافل المسيحية في أوروبا الشرقية التي كانت تحيي فيها ذكرى شهدائها، وبأنهم حولوا الإمام الحسين إلى صورة عن آلام Passion المسيح، وشدد على أنه حتى يتم صبغ هذه الطقوس والشعائر بالصبغة الإيرانية، أدخل الملالي عليها بعض التعديلات لتوافق الذوق الشعبي الإيراني وجعلوها موائمة للأعراف والتقاليد الوطنية والمذهبية في إيران، أما لغة هذه الطقوس فهي لغة التصوف وأعمال الدراويش ومبالغات خطباء المنابر وشعراء العامة.
إن حذاقة ودهاء الحركة الصفوية تتجلّى أكثر شيء في أنها أرست دعائم حكومتها على أساسين محكمين: 1- المذهب الشيعي. 2- القومية الإيرانية
يقول شريعتي: “كيف استطاعت الصفوية أن تنتج تشيعًا يشبه التشيع في كل شيء وليس فيه منه شيء؟! وإن أكسير الاستحمار الصفوي المشؤوم استطاع أن يصنع من الدم ترياقًا ومن ثقافة الاستشهاد ترنيمة نوم !”، ويقول أيضًا: “إن حذاقة ودهاء الحركة الصفوية تتجلّى أكثر شيء في أنها أرست دعائم حكومتها على أساسين محكمين: 1- المذهب الشيعي. 2- القومية الإيرانية”، ويضيف “توظيف المشاعر والشعائر الخاصة بالشيعة واستثمار الحالة الوطنية والأعراف القومية الإيرانية، أسهما معًا في عزل إيران عزلًا تامًا عن جسد الأمة الإسلامية الكبير وإخراجها بشكل كامل عن إطار هيمنة الدولة العثمانية التي كانت تتوشح بوشاح الإسلام والتي أصبحت الدولة الصفوية فيما بعد عدوّها اللدود”.
ويقول المفكر الإيراني: “ولكن بعد فترة تحولت الحركة الشعوبية تدريجيًّا من حركة (تسوية) إلى حركة (تفضيل) تدعو إلى تفضيل العجم على العرب، وعملت عبر ترويج المشاعر القومية وإشاعة اليأس من الإسلام إلى ضرب سلطة الخلافة وفصل الإيرانيين عن تيار النهضة الإسلامية المندفع إلى الأمام بقوة، حيث انصهرت في بوتقة هذا التيار ثقافات شتى لأُمم شتى باستثناء إيران التي حاولت أن تنأى بنفسها وتتخذ منحى آخر”.
وتابع في موضع آخر من كتاباته: “وبدلًا من الانشغال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واحترام مبدأ الجماعة، عكفت الصفوية على إيجاد منهج انعزالي صوفي يميل إلى تجاهل الواقع والغياب عن مسرح الأحداث بنحو ينهمك فيه كل إنسان بمشاكله وهمومه الذاتية وتكون رسالته في الحياة هي العمل على إنقاذ نفسه من سجن الدنيا والفرار بها من جهنم الحياة! ولا ريب في أن هذه الحالة تعد مثالية لمثلث التحكم بالناس والمؤلفة أضلاعه الثلاث من الاستبداد والاستثمار والاستحمار”.
موقفه من الصحابة
أما موقفه من صحابة النبي – صلى الله عليه وسلم – فلا يكاد يختلف عن بقية الشيعة، فهو لا يرى في الصحابة – الذين رضي الله عنهم وأثنى عليهم وارتضاهم لصحبة نبيه – إلا ما يراه غالب الشيعة، وعلى الرغم من موقفه هذا تجاه الصحابة، فإنه ينكر على الشيعة سبّ الصحابة ولعنهم، لأن عليًا كره لأصحابه أن يكونوا لعّانين، ونجد شريعتي في بعض كتبه يورد ثناء علي على الفاروق عمر رضي الله عنهما (مع خلط ذلك بالمعتقد الشيعي إزاء الصحابة والإمامة)، يقول شريعتي: “إن منطق عليّ لم يسوغ له الإساءة إلى عمر والتقليل من شأنه، على الرغم من إهدار حقوقه بل إنه لم يتنكّر للخدمات التي قدمها عمر للدولة الإسلامية لأنه لا يريد أن يغمط حق الرجل”.
اغتياله
بعد عودته من فرنسا، أسس عام 1969م حسينية الإرشاد لتربية الشباب، وبعد إغلاقها عام 1973 اعتقل هو ووالده لمدة عام ونصف، ثم اعتقل مرة أخرى بتهمة نشر “الماركسية الإسلامية” في عام 1975م وأدى الضغط الداخلي والشجب العالمي إلى الإفراج عنه عام 1977م، وسمح لشريعتي أن يغادر إلى بريطانيا، ولكنه لم ينعم بالحرية فقد وجد مقتولاً بشقته في لندن بعد ثلاثه أسابيع من وصوله إليها عام 1977م أي قبل الثورة الإيرانية بعامين عن 43 سنة، إلا أن تقرير مستشفى ساوثهامبتون ذكر أن سبب الوفاة نوبة قلبية قاتلة، أما الرأي السائد أنه قتل على يد مخابرات الشاه.
الشيعة الصفوية أساءت كثيرًا للعلاقة الوطيدة بين الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب رضوان الله عليهما حتى وصل بها المطاف إلى اغتيال المرجع الشيعي علي شريعتي لأنه تبنى نظرية الشراكة بين عليّ وعمر
قال المفكر البارز حسن العلوي والذي ينتمي لأسرة شيعية معروفة في العراق: “الشيعة الصفوية أساءت كثيرًا للعلاقة الوطيدة بين الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب رضوان الله عليهما حتى وصل بها المطاف إلى اغتيال المرجع الشيعي علي شريعتي لأنه تبنى نظرية الشراكة بين عليّ وعمر”.
شريعتي أثر تأثيرًا كبيرًا في مئات الآلاف من الشباب الإيراني، وخرجت مئات الكتابات التي تحاول إصلاح ما أفسده تعصب “التشيع الصفوي” الذي بنى الأحقاد عبر قرون، بعدما أباد سكان وسط إيران من أهل السنة عبر مجازر لم يسبق لها مثيل عبر التاريخ.
من أقواله
– “إن شئت التمرد على الديكتاتورية وعدم الرضوخ للظلم، ما عليك سوى أن تقرأ وتقرأ وتقرأ”.
– “الحروب عبارة عن اشتباك بين فريقين لا يعرف أحدهم الآخر”.
– “إذا كنت لا تستطيع رفع الظلم، فأخبر عنه الجميع على الأقل”.
– “إن الدرايتين النفسية والاجتماعية هما الشيء الوحيد الذي باستطاعته أن ينجي الإنسان من هذه البلاهة المتطورة الحديثة المغرية”.