خلال فترة قصيرة من تولي ترامب منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، حاول العمل لتقويض العديد من المؤسسات التي تمثل رمزًا للديمقراطية على غرار القضاء والصحافة المستقلة، كما اعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي على غرار التويتر خلال القيام بأعماله، وفي هذا السياق، يمكن مقارنة ترامب ببوريس يلتسين، وهو أول رئيس يحكم روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، خاصة أنه تمّ وصفه في فترة ما خلال حكمه “بمصدر الرعب” نظرًا لحملات التطهير الواسعة التي قام بها، فضلاً عن موجة الفوضى التي اجتاحت موسكو آنذاك.
وربما يكون وجه التشابه بين ترامب ويلتسين هو حملات الإدانة والسخرية التي وُجهت لكليهما، في المقابل، لطالما أعرب كلاهما عن رغبتهما الكبيرة في الإصلاح والتوجه ببلادهما نحو “عصر جديد”، ففور تولّي ترامب للحكم، أعلن أنه سيسعى إلى استعادة مجد الولايات المتحدة الأمريكية.
يتميز أسلوب ترامب بالاستبدادية، على غرار قادة الاتحاد السوفيتي
في الواقع، يتميز أسلوب ترامب بالاستبدادية، على غرار قادة الاتحاد السوفيتي، بالإضافة إلى ذلك، يؤكد اختفاء السيدة الأولى ميلانيا ترامب، عن الساحة السياسية والإعلامية على التشابه بين ترامب وقادة الاتحاد السوفيتي خلال القرن العشرين، ففي الشهر الماضي، وخلال زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، اضطرت السيدة آبي إلى زيارة بعض الأماكن في العاصمة الأمريكية رفقة زوجة السفير الياباني في ظل غياب تام لميلانيا ترامب، وهو ما يعدّ إخلالاً بالبرتوكول السياسي المتعارف عليه في الولايات المتحدة الأمريكية.
في الآونة الأخيرة، تبدو ميلانيا ترامب عبارة عن “دمية”، إذ بالكاد ترتاد المناسبات المهة، ومن المفارقات، أشار ترامب خلال أحد المؤتمرات الصحفية قبل بضعة أسابيع أن أحد أهم أهداف ميلانيا ترامب هو حماية حقوق المرأة على الرغم من أنه هاجم خلال حملته الانتخابية النساء.
من جهتهم، فسر العديد من الخبراء ذلك بأن ترامب لم يتشاور مع زوجته في هذا الخصوص، وذكر مسألة حمايتها للمرأة لتبرير غيابها، وخلال حضور السيدة الأولى للقاء ترامب في الكونغرس الأمريكي، كان حضورها أشبه “بالديكور” حيث ارتدت فستانًا أسود بقيمة 9600 دولار واتجهت نحو كرسيها في ارتباك وبقيت مثل التمثال حتى انتهى خطاب الرئيس أمام الكونغرس.
في ظلّ الاستبداد، سيكون من السهل تقويض مؤسسة السيدة الأولى، وعلى الرغم من أنها ليست مؤسسة رسمية، فإنها تعدّ فاعلة في الولايات المتحدة الأمريكية، أما في روسيا، فقد كان النظام الملكي بمثابة إعلان عن الديكتاتورية، لتكرّس الشيوعية لاحقًا هذا الدور الاستبدادي، وقد كان الحكم في يد شخصية مركزية واحدة في ظل غياب شبه تام للسيدة الأولى، وهو ما تعاقبت عليه الأنظمة الروسية حتى الساعة.
في الحقيقة، بسبب الحكم الاستبدادي في عهد ستالين فضلاً عن معسكرات الاعتقال والقتل الجماعي، انتحرت زوجة الرئيس السوفيتي جوزيف ستالين، ناديجدا، سنة 1932، ووفقًا لبعض المحللين، فقد انتحرت ناديجدا بعد نقاش دار بينها وبين ستالين عن حملات التطهير والمجاعات التي تجتاح البلاد، إذ واجهها ستالين بوابل من الشتائم المبتذلة تعبيرًا منه عن رفضه لتدخلها، مما يؤكد القيمة التي تحظى بها المرأة في الأنظمة الرئاسية الروسية.
خلال الفترات الأقل قمعًا، أي في عهد نيكيتا خروتشوف أو في فترة “إعادة البناء” التي تُعرف باسم “البيريسترويكا” بقيادة ميخائيل غورباتشوف، أصبح من الممكن ظهور السيدة الأولى للعيان إلى جانب الرئيس، وفي هذا الصدد، اعتُبرت نينا خروتشوف آنذاك بمثابة “أم الشعب”، لكن على الرغم من أنها سافرت مع زوجها وأصبحت جزءًا من رسالته الشيوعية في عدد من دول العالم، فقد بقيت تابعة لزوجها.
من جهة أخرى، تمكنت راسيا غورباتشوف أخيرًا بعد مرور ثلاثة عقود من الزمن، من تغيير وضع السيدة الأولى، إذ أصبحت تتدخل في بعض أمور الدولة وتقوم ببعض النشاطات في مجال التعليم، حينها فقط، أصبح من الممكن الحديث عن شريك مساوٍ للرئيس، خاصة أنها أصبحت وجهًا معروفًا ونشطًا على الصعيد العالمي.
لم تصمد مؤسسة السيدة الأولى الهشة طويلًا في وجه النظام الرئاسي المركزي في روسيا
مع ذلك، لم تصمد مؤسسة السيدة الأولى الهشة طويلاً في وجه النظام الرئاسي المركزي في روسيا، فبعد انهيار الشيوعية وانتقال روسيا إلى الديمقراطية في أوائل سنة 1990 بقيادة يلتسين لفترة قصيرة، سرعان ما تولى فلاديمير بوتين الحكم سنة 2000، وخلال تلك الفترة، حاول كلاهما، دعم دور السيدة الأولى، فكانت زوجاتهما تحضر الاجتماعات الدولية، وفي هذا السياق، اختارت الزوجة السابقة للرئيس بوتين لودميلا العمل على إصلاح السجون، إلا أن نجمها سرعان ما تلاشى.
في الحقيقة، هذا ما يعكس الطابع التقليدي للمفهوم “الذكوري” الذي يميز شخصية بوتين، حيث يرى أنه من المنطقي بقاء الزوجة في المنزل والاهتمام بأمور أقل أهمية من أمور الدولة، وعلى الأرجح، هذا ما يفسر انتهاء زواج بوتين ولودميلا سنة 2013 رغم علاقة الحب التي أعلنتها زوجته السابقة، كما يبدو أنها لم تتمكن من مجاراة نسق الحياة التي أصبحت مفروضة عليها.
من جانب آخر، على الرغم من قيم الديمقراطية التي تنادي بها روسيا، فإن روسيا “الذكورية” لطالما تخلّت عن دور السيدة الأولى، فخلال سنوات حكم ميدفيديف وبوتين، كان العمل يرتكز على تعزيز تأثير شخصية “الرجل القوي”، وهو بالفعل ما نجح فيه بوتين حيث فرض هذه الصورة، وكان يعمل على خلق مظاهر التحديث وتعزيز الإصلاحات الاقتصادية، وفي الواقع، يتميز سلوك كل من بوتين وميدفيدف وترامب بحرصهم على تطبيق الطابع “الذكوري” في الحكم، فعلى ما يبدو، يلتقي ترامب بنائبه مايك بوني أكثر من لقائه بزوجته.
وبطبيعة الحال، ليس من الضروري أن تكون السيدة الأولى هي زوجة الرئيس، فمن الممكن أن تلعب دور السيدة الأولى في البيت الأبيض، ابنته، أو إحدى قريباته، ففي عهد الرئيس الخامس عشر للولايات المتحدة الأمريكية جيمس بيوكانان، الذي حكم الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر لم تكن هناك سيدة أولى، نظرًا لأنه كان أعزبًا خلال فترة حكمه.
في المقابل، أصبح التجسيد الحديث للديمقراطية الأمريكية يتطلب مشاركة الزوجة، وفي العقود الأخيرة، أصبحت السيدة الأولى تحظى بدور مهم وأصبح عيشها في البيت الأبيض من أهم القواعد التي يجب احترامها.
ميلانيا ترامب لا تلعب دورًا في البيت الأبيض
من جهة أخرى، تفوقت صورة وشخصية الابنة الكبرى لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية إيفانكا ترامب، على ميلانيا حيث اعتبر الخبراء أن ترامب يتصرف تصرفات أبوية ويعدّ من “ذوي النظرة التقليدية”، فحتى عند ظهوره مع زوجته في الأماكن العامة، يمتنع عن إظهار بعض المودة لها، إذ إنه نادرًا ما يمسك يدها أو يُظهر بعض الاهتمام بها.
ونظرًا لمظاهر البرود التي تميز تعامل ترامب مع زوجته، اعتبر البعض أن ترامب ينقل نموذج أوروبا الشرقية المحافظ والخجول، في حين أشار البعض الآخر إلى أنه لا يريد الوجود معها، ومن الواضح أن دور ميلانيا ترامب في البيت الأبيض، يقتصر فقط على اتباع الخطة الرئيسية المفروضة عليها التي تمكنها من الاقتراب من صورة المرأة المثالية التي تصلح لأن تكون على أغلفة المجلات العالمية.
وصف الخبراء أزياء ميلانيا ترامب بالتقليدية، إذ إن جميعها أحادية اللون وتشبه أزياء الثمانينيات
في هذا السياق، لطالما وصف الخبراء أزياء ميلانيا ترامب بالتقليدية، إذ إن جميعها أحادية اللون وتشبه أزياء الثمانينيات، وتجدر الإشارة إلى أن ميلانيا التي تنحدر من إحدى المقاطعات الشيوعية في سلوفينيا، هاجرت في سن صغيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتعمل كعارضة أزياء، مما يؤكد أن الطابع الذي يميز أزياءها ليس هو نفسه الذي يعكس شخصيتها.
من ناحية أخرى، يعكس السلوك تجاه السيدة الأولى شخصية القادة والقيم التي يتمتعون بها، فكما هو الحال للسيدة الأولى الحالية للولايات المتحدة، فإن الدور الذي تتحلى به ومكانتها في البيت الأبيض يعكس بالضرورة طبيعة الرئيس الأمريكي وطريقة تفكيره ونظرته تجاه المرأة.
وخلافًا لذلك، كان للسيدة الأولى السابقة دور فعال إذ حظيت بإعجاب الأمريكيين، ومن جهتها، عبرت هيلاري كلينتون عن طموحاتها السياسية في عهد زوجها، في حين مثّلت جاكلين كينيدي رمزًا للموضة والأزياء خاصة أنها تعد زوجة الرجل الأكثر جاذبية في العالم، كما كان لروزالين كارتر دورًا بارزًا في الحياة السياسية إلى جانب زوجها.
وفقًا لما ذكر آنفًا، فإن الدور الضئيل الملحوظ لميلانيا ترامب يمثل خروجًا غير مسبوق عن قواعد المؤسسة الديمقراطية الأمريكية في ظل تعدد المخالفات التي شهدتها الإدارة الحالية للولايات المتحدة الأمريكية برئاسة ترامب، وقد وصف البعض ميلانيا بأنها “رجعية”، وأشاروا إلى أنها لا تمثل النموذج الصحيح للسيدة الأولى للبيت الأبيض.
المصدر: أبوستروف