يعد حدث اجتماع البنك الفيدرالي الأمريكي حدثًا مهمًا ليس في أسواق المال الأمريكية فحسب بل في الأسواق العالمية أيضًا، فرفع أو خفض سعر الفائدة على الدولار في الولايات المتحدة الأمريكية يؤثر بشكل إيجابي أو سلبي على دول العالم ككل، فبينما تتحسب بعض الدول من رفع الفائدة وتحسب لذلك ألف حساب هناك دول أخرى تكسب من رفع الفائدة الأمريكية.
أثر قوة الدولار على دول العالم
يجتمع البنك المركزي الفيدرالي في الولايات المتحدة منتصف شهر مارس/آذار الحالي، ليقرر سعر الفائدة على الدولار فيما إذا سيرفعها أو يبقيها كما هي أو يقوم بخفضها، وبينما يحبس الجميع أنفاسه بانتظار ذلك اليوم خرجت “جانيت يلين” رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي وقالت “ربما تكون هناك زيادة مناسبة في سعر الفائدة في اجتماع مجلس الاحتياطي منتصف الشهر، إذا أظهرت إحصائيات البطالة والتضخم أن انتعاش الاقتصاد يتواصل”.
ويعد البنك الفيدرالي الأمريكي قبلة المستثمرين وأسواق المال حول العالم بسبب ما يعكسه من تحسن أو ركود الاقتصاد الأمريكي، بالرغم أن صعود ترامب ومفاجآته أثر سلبيًا على تلك النظرة إلا أن المركزي لا يزال يحظى بهالة كبيرة تطغى على ترامب وقراراته الغريبة مؤخرًا.
يعد البنك الفيدرالي الأمريكي قبلة المستثمرين وأسواق المال حول العالم بسبب ما يعكسه من تحسن أو ركود الاقتصاد الأمريكي
يتوقع العديد من المحللين أن يقوم المركزي الأمريكي برفع سعر الفائدة بنسب قليلة تتراوح بين 0.25 و 0.50% وعلى الرغم من انخفاض هذه النسبة إلا أن لها أثر كبير على الاقتصاد الأمريكي صاحب أكبر اقتصاد عالمي بواقع 18 ترليون دولار وتمتد إلى دول العالم الذي يعتمد على الدولار بنسبة تقارب 88%.
زيادة سعر الفائدة على أي عملة سيعطيها قوة ولكن ليس أية فائدة وليست أية عملة، فلو كانت الفائدة على عملة محلية لا تتمتع بقبول عالمي تقدر بنحو 9% فلن يكون لها أثر يُذكر، أما بالنسبة للدولار فالأمر مختلف تمامًا فاللدولار أهمية كبيرة فى التجارة العالمية إذ يمثل عملة أكبر اقتصادات العالم، كما تربط العديد من الدول عملاتها بالدولار أو بسلة عملات يمثل الدولار فيها وزنًا نسبيًا كبيرًا.
يُستخدم الدولار في نحو 90% من العقود التجارية على مستوى العالم، أي ما يقدر بنحو 5 تريليونات دولار يوميًا
كما أن الدولار يقوم بدور عملة الاحتياطى العالمى حيث يستحوذ على ثلثى احتياطيات النقد الأجنبى فى العالم، ويتميز بكثافة التداول إذ يعد على رأس العملات المستخدمة في التجارة العالمية، ويتم سداد قيمة أكثر من نصف قيمة صادرات العالم بالدولار الأمريكى، إذ تسعر كل دول منظمة أوبك نفطها بالدولار، ولذلك فإن أى اضطراب فى سعر الدولار يؤثر على أسعار تلك السلع، وعلى تقييم العملات الأخرى مقابل الدولار.
ويُستخدم الدولار في نحو 90% من العقود التجارية على مستوى العالم، أي ما يقدر بنحو 5 تريليونات دولار يوميًا، ويستخدم 2 ترليون دولار في معاملات أسواق الصرف الأجنبى يوميًا كما يدخل في تعاملات البورصات المالية العالمية بكثافة قدرها 87% من التعاملات لذا تتميز التعاملات الدولارية بسهولة التحويل من وإلى العملات الأخرى أو الذهب، فيما يستخدم اليورو في التعاملات المالية العالمية بنحو 33% من التعاملات. أما المعاملات المالية بالين الياباني فلا تتجاوز نحو 23% ونحو 12% من التعاملات المالية تتم بالجنيه الإسترليني.
تقدر نسبة الاحتياطي النقدي بالدولار في البنوك المركزية العالمية بما يزيد عن 62%
وتقدر نسبة الاحتياطي النقدي بالدولار في البنوك المركزية العالمية بما يزيد عن 62%، ويعد الدولار العملة الأكثر قبولاً في التعاملات التجارية والمالية العالمية، مقارنةً بأي عملة أخرى أو حتى الذهب والمعادن الثمينة.
ويرجع ذلك إلى ديناميات استقرار التعاملات بالدولار على مدار فترة زمنية طويلة، ومحدودية الأزمات النقدية العالمية التي ترتبت على التعامل بالدولار مقارنة مع غيره من العملات، فضلاً عن ثبات قيمته نسبيًا، وعدم تعرضها للتذبذب الناتج عن التغيرات المستمرة في العرض والطلب، مقارنة مع العملات الأخرى. ومن ثم استناد الدولار إلى اقتصاد قوي ومتماسك يحتل صدارة الاقتصادات العالمية في مختلف المؤشرات الكلية، مثل الناتج المحلي الإجمالي، وحجم الصادرات والواردات، والميزان التجاري، مقارنةً باقتصاد دول أخرى لا تتمتع بالاستقرار والانتشار العالمي ذاته.
ما تأثير رفع سعر الفائدة على دول العالم؟
زيادة سعر الفائدة يعني ارتفاع في سعر الدولار وهذا سيؤثرعلى الدولة التي اقترضت أو التي ستقترض؛ يعني أن الشخص/المؤسسة/الدولة الذي سيقترض بالدولار سترتفع تكلفة اقتراضه بشكل دراماتيكي.، ومن جهة أخرى فإنه سيؤثر على فاتورة الواردات بالنسبة للدولة التي تستورد حاجياتها من الخارج بالدولار،
بالنسبة للدول التي لديها ثروات طبيعية كالنفط والغاز كدول الخليج العربي وغيرها فإن مبيعاتها تتم بالدولار، وستكون الفوائد في هذه الحالة أكثر من المضار، خصوصًا بالنسبة للدول التي تستورد معظم وارداتها باليورو واليوان والين من دول آسيا وأوروبا وليس من أمريكا. لذا ستنخفض قيمة الواردات ويتحسن ميزانها التجاري لأن قوة الدولار سيقابلها ضعف اليورو واليوان والعملات الآسيوية. فضلًا أن الدول النفطية وبالأخص الخليجية لها استثمارات كبيرة في سندات الخزانة الأميركية، وبالتالي ستحقق عوائد مرتفعة مع ارتفاع الفائدة على الدولار.
جانيت يلين رئيسة البنك الفيدرالي الأمريكي
أما بالنسبة للدول العربية غير النفطية، فإن قوة الدولار ستنعكس سلبًا على اقتصاداتها، بسبب حاجتها الماسة للدولار الرخيص لاستيراد السلع والخدمات من الخارج بالدولار فتزيد بالتالي فاتورة وارداتها، كما هو حاصل في مصر والسودان والمغرب والأردن والعديد من الدول العربية الفقيرة. ويعني أيضًا بالنسبة للدول التي اقترضت بالدولار أن قيمة تلك القروض ارتفعت عمّا كان عليه سابقًا.
زيادة الفائدة عليه تعد هاجسًا مخيفًا لكثير من الاقتصادات العالمية.
وبالنسبة للدول النامية كتركيا والبرازيل والتي تعتمد على الاستثمارات الأجنبية وتواجد الدولار فيها فإن ارتفاع سعر الفائدة يعني ارتفاع ريع سندات الخزانة الأميركية وزيادة جاذبيتها بالنسبة للمستثمرين الأجانب، وبالتالي نزوح المستثمرين الأجانب من تلك الدول إلى أمريكا للاستثمار في سندات الخزانة الأمريكية.
وعلى صعيد الاقتصادات المتطورة كما في الاتحاد الأوروبي، يُلاحظ أن رفع الفائدة الأميركية زاد من الفارق على العوائد المتحققة من الاستثمارات بسبب انخفاض قيمة سعر صرف العملات الرئيسية مقابل الدولار، وبالتالي هناك مخاوف على تحسن النمو الاقتصادي في تلك الدول، في الوقت الذي تحتاج إلى استثمارات جديدة لرفع مستويات المعيشة وتقليل معدلات البطالة.