ترجمة وتحرير:نون بوست
يقول البعض إن الأمر “أشبه بالمشي في حقل ألغام”، ويقول آخرون إنه “مثل حمل قنبلة موقوتة”، وقبل 24 سنة، كانت مهنة الصحافة في إيران تشبه حرب العصابات. على امتداد أكثر من 186 سنة من تاريخ الصحافة الإيرانية – منذ نشر أول صحيفة في البلاد في الأول من شهر أيار/ مايو سنة 1837 – تعرّض مئات الصحفيين للاضطهاد والسجن. قُتل أبرعهم على غرار ميرزا جيهانغير خان، والشيخ أحمد روحي، ومحمد فاروخي يزدي، وخسرو غوليسورخي في عهد سلالتي قاجار (1789-1925) وبهلوي (1925-1979). مع ذلك، شهدت العقود التي تلت الثورة الإسلامية سنة 1979 مستويات جديدة من الاضطهاد.
ما بين 1979 و2009، اعتُقل حوالي 860 صحفيا وتمت محاكمتهم وسجنهم وفي بعض الحالات إعدامهم، وذلك وفقا لتقرير منظمة مراسلون بلا حدود في سنة 2019 بناءً على معلومات في ملف رقمي مسرّب لوزارة العدل الإيرانية.
لكن ما أثار دهشة الدولة هو أن حملة الضغط على الصحفيين لإخضاعهم فشلت في تخويف الصحافة وإجبارها على الصمت. وعندما اندلعت في السنة الماضية أهم الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي شهدتها البلاد منذ عقود من الزمن، كان الصحفيون الإيرانيون متأهّبين. والآن تتأكد المؤسسة من أنهم يدفعون الثمن.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، وفي تطوّر مثير للقلق طرح وزير الثقافة الإيراني محمد مهدي إسماعيلي فكرة فرض شهادة عمل على جميع الصحفيين النشطين، الأمر الذي قد يؤدي إلى إلغاء تصاريحهم. ولكن هذا الاقتراح ليس سوى أحدث خطوة في حملة الحكومة الطويلة والوحشية على نحو متزايد لتكميم الصحافة الحرة في إيران.
الحرب على الصحافة
في أحد أيام شباط/ فبراير الباردة من سنة 1999، في قبو قسم الصحافة بوزارة الثقافة الإيرانية، قدّم أحمد بورغاني استقالته من منصبه سكرتير صحفي لوزير الثقافة آنذاك عطاء الله مهاجراني. وفي خطاب استقالته في ذلك اليوم – فيما سيصبح تصريحا أيقونيا في صفوف الصحفيين الإيرانيين – قارن بورغاني بين العمر المتوقع لمن يشغل منصبه وعمر أحد مقاتلي حرب العصابات ليخلص إلى أنه يقدر بـ “حوالي ستة أشهر”.
كان يشير إلى الحركة اليسارية المسلحة التي قاتلت ضد النظام الملكي الديكتاتوري للشاه قبل ثورة 1979. ففي ذلك الوقت، تم إخبار الصحفيين الذين أرادوا الانضمام إلى حركة حرب العصابات أنه بعد ستة أشهر، إما سيتم قتلهم أو اعتقالهم، مما يعني عادةً تعرّضهم للتعذيب حتى الموت.
“في حرب العصابات، يكون لدى المقاتلين فرصة لشن هجمات مرتدة، لكن الصحافة في إيران تشبه حرب الخنادق في الحرب العالمية الأولى، إنها نوع من حرب الاستنزاف”.
وبعد أن قضى 16 شهرًا في منصبه، استقال بورغاني في المقام الأول احتجاجًا على الإغلاق المتكرر للصحف اليومية الإصلاحية من قبل النظام القضائي المحافظ للغاية وقرار البرلمان سن قانون أكثر تقييدا للإعلام، وأيضًا بسبب الإحباط من الدعم الفاتر للمهاجراني.
في ذلك اليوم، عندما جاء دور الوزير مهاجراني للتحدث، الذي أُجبر على الاستقالة بعد سنة من نجاته من تصويت العزل، رفض رفضًا قاطعًا ما أقرّ به سكرتيره قائلاً إنه لا مجال في الثقافة والصحافة لحرب العصابات. لكن في ذلك الوقت، صُدم هؤلاء الصحافيون المقربون من الإصلاحيين الموجودين في السلطة – إلى جانب عدد من المسؤولين أيضا – من كلام بورغاني، الذي ترك انطباعا استمر حتى يومنا هذا.
“أنت تعاني حتى الموت”
اليوم، استحضر صحفي إيراني مخضرم كان محررًا اجتماعيًا للعديد من الصحف اليومية المؤيدة للإصلاح ما بين 1997 و2005 خطاب بورغاني. ولكنه يعتقد أن الاستعارة الشهيرة – التي قالها أحد أعضاء النخبة السياسية – لا تصور بشكل كامل حقيقة كانت في الواقع أسوأ بكثير بالنسبة للصحفيين العاديين.
أخبر موقع “ميدل إيست آي” أنه “في حرب العصابات، يكون لدى المقاتلين فرصة لشن هجمات مرتدة، لكن الصحافة في إيران تشبه حرب الخنادق في الحرب العالمية الأولى، إنها نوع من حرب الاستنزاف”.
وأضاف الصحفي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته خوفا من الانتقام، أن الصحفي “لا يموت على الفور، وإنما يعاني حتى الموت. علاوة على ذلك، كان بورغاني عضوا في الدائرة المقربة للجمهورية الإسلامية. فكيف يمكن أن يعرف عن المعاناة الشديدة للصحفيين المستقلين؟ وإذا اشتكى من وضعه، فتخيل ما مر به الصحفيون”.
منذ أيلول/ سبتمبر الماضي، اعتُقل أكثر من 100 صحفي في إيران
قبل تعيينه سكرتيرا صحفيًا، كان بورغاني مديرًا لمكتب الصحافة الحربية خلال الحرب الإيرانية العراقية، ورئيس تحرير الأخبار في وكالة الأنباء الرسمية “إرنا”، ومراسل الأمم المتحدة لوكالة “إرنا”. وفي أعقاب استقالته من وزارة الثقافة، بقي في الدائرة المقربة للسلطة وتم انتخابه لتمثيل طهران في البرلمان.
وبينما قام السياسيون بتبديل المقاعد والمناصب، وانتقلت السلطة بين الأصوليين والإصلاحيين على امتداد العقدين الماضيين، تمكن هذا الصحفي المخضرم من النجاة في بيئة معادية بشكل متزايد للصحافة.
صرّح الصحفي قائلا “خلال هذه السنوات، شهدت اعتقال وسجن العديد من زملائي الصحفيين. وقد غيّر العديد من الصحفيين الآخرين وظائفهم بسبب الحظر والاعتقالات المستمرة أو غادروا البلاد وبدأوا حياتهم في المنفى”. وأضاف أن “العمل والعيش تحت هذه الضغوط ليس بالأمر الهيّن. تتغير الخطوط الحمراء للسلطات بين عشية وضحاها عندما تواجه اضطرابات سياسية أو اقتصادية. لذلك، فأنت لا تعرف أبدًا متى ستطرق قوات الأمن باب منزلك في منتصف الليل”.
“قنبلة موقوتة في جيبك”
على امتداد العقدين الماضيين، غطى مهدي أفروزمانيش، وهو صحفي يبلغ من العمر 45 سنة، انتفاضة الطلاب سنة 1999، والحركة الخضراء سنة 2009، والاحتجاجات المناهضة للحكومة في 2017 و2019. لكن، على حد تعبيره، أصبح وضع الصحفيين أسوأ بكثير خلال تغطية الاحتجاجات التي اجتاحت إيران في أعقاب وفاة مهسا أميني في حجز الشرطة في 16 أيلول/ سبتمبر 2022، والقمع العنيف للمتظاهرين الذي أعقب ذلك.
كتب أفروزمانيش في افتتاحية صحيفة هاميهان المؤيدة للإصلاح في السادس من شهر شباط/ فبراير، عندما تم اعتقال الصحفية إلناز محمدي “في هذه الأيام، كونك صحفيًا أسوأ من السير في حقل ألغام، لأنه في حقل الألغام، هناك طرق لاكتشاف الألغام وتفكيكها”. وأضاف أن “ما يحدث للصحفيين اليوم يشبه زرع قنابل موقوتة في جيوبهم يمكن أن تنفجر في أي لحظة. إنها ليست مجرد مقارنة بلاغية، بل هي تهديد حقيقي. بالأمس انفجرت القنبلة في جيب إلناز”.
منذ أيلول/ سبتمبر الماضي، اعتُقل أكثر من 100 صحفي في إيران وذلك حسب ما أفادت به نقابة الصحفيين في مقاطعة طهران في آذار/ مارس، وحُكم على العديد منهم بالسجن لفترات طويلة مثل الصحفي الرياضي إحسان بيربورناش.
في كانون الثاني/ يناير، أصدرت محكمة ابتدائية حكما بالسجن لمدة 18 سنة ضد بيربورناش بتهم “الدعاية المناهضة للمؤسسة” و”تحريض الجمهور على سفك الدماء” و”الكفر”. وقبل بضعة أسابيع فقط، صدر حكم قاسٍ على صحافية أخرى تدعى آريا جعفري، هذه المرة من قبل أحد فروع المحكمة الثورية الإسلامية. وحُكم على المصورة الصحفية الحائزة على جائزة بالسجن سبع سنوات و72 جلدة والمنع من مغادرة البلاد لمدة سنتين.
وقد مارست السلطات هذا الضغط المدمر على الصحفيين تماما كما فعلت مع المتظاهرين في الشوارع. وقد أسفرت حملة القمع الوحشية ضد المتظاهرين من قبل قوات الأمن والشرطة والحرس الثوري الإسلامي عن مقتل ما لا يقل عن 500 شخص، وإصابة الآلاف، واعتقال أكثر من 20 ألف شخص.
حملة السلطات لتقييد وسائل الإعلام الناقدة جعلت البلاد في أسفل المؤشر العالمي لحرية الصحافة، حيث احتلت إيران المرتبة 177 من بين 180 دولة في أيار/مايو 2023. وقد أكد العديد من الصحفيين الذين تحدثوا إلى موقع “ميدل إيست آي” أن الضغوط التي تمارسها قوات الأمن والاعتقالات والسجون ليست سوى جزء من الصعوبات التي يواجهونها في ظل نظام قمعي.
المسمار الأخير في نعش الصحافة
وقف صحفي يبلغ من العمر 62 سنة، وله خبرة 26 سنة من العمل في صحف مختلفة، يتأمل على الشرفة وهو يُدخّن سيجارة في آذار/ أغسطس من السنة الماضية وذلك قبل شهر من اندلاع الاحتجاجات في البلاد. وقال وهو يسحب نفسا طويلاً من سيجارته: “لقد اكتسبت ما يكفي من الخبرة، حيث كنت أتنقل داخل الصحف اليومية الإصلاحية وخارجها، والآن أتطلع إلى التقاعد”. وأضاف قائلا “أسناني في حالة سيئة للغاية، والعلاج مكلف للغاية، ولكن إذا تقاعدت، فإن التأمين الصحي الخاص بي سيغطي النفقات”.
لقد عانى العديد من الصحفيين الإيرانيين من انعدام الأمن الوظيفي بسبب السلطة القضائية التي يسيطر عليها آيات الله اليمينيين المتطرفين والحظر المستمر لوسائل الإعلام الناقدة. وفي الوقت نفسه، اضطر الصحفيون العاملون في مثل هذه المنافذ الإعلامية إلى العمل مقابل رواتب تكون، في بعض الأحيان، أقل من الحد الأدنى للأجور – فضلاً عن التعامل مع المدفوعات المتأخرة بعد أن فرضت الحكومة قوانين ضريبية جديدة أدت إلى قطع الدعم المالي عن وسائل الإعلام الناقدة.
رد وسائل الإعلام على حملة القمع ضد احتجاجات 2022 هو نتيجة لأكثر من عقدين من اكتساب الخبرة في “حرب الخنادق”
وفي كانون الثاني/ يناير، عندما قدم الرئيس إبراهيم رئيسي مشروع قانون الميزانية السنوية إلى البرلمان، أدرك الصحفيون أن الحكومة قررت إلغاء قانون يعفي وسائل الإعلام من الضرائب. وفي مشروع القانون نفسه، تم إقرار زيادة سخية في ميزانية الشرطة وقوات الأمن وقوات الباسيج شبه العسكرية وأجهزة المخابرات. وانتقد الصحفيون اللائحة الجديدة، قائلين إنها ستقضي على وسائل الإعلام المستقلة التي كانت تكافح بالفعل من أجل البقاء.
ردًا على ذلك – في بادرة واضحة لدعم حرية التعبير – أعلن البرلمان أن المشرّعين رفضوا المذكرة الواردة في مشروع قانون الميزانية. ومع ذلك، في الأول من شهر أيار/ مايو، كشفت صحيفة “خراسان” اليومية أن الجهات الإعلامية في الصحف والمواقع الإخبارية لن يتم إعفاؤها من الضرائب، وهي خطوة من شأنها أن تخفّض تدفقات إيرادات المنافذ الإعلامية.
كتبت صحيفة “خراسان” اليومية – إحدى المؤيدين الرئيسيين لرئيسي حتى قبل فوزه في الانتخابات الرئاسية لسنة 2021 دون منازع – أنه “في العام الإيراني الجديد، تعرضت الصحافة لصدمة مفاجئة كبيرة ستنضاف إلى مشاكلها الاقتصادية الأخيرة وتدفع العديد من المنافذ الإعلامية إلى حافة الإغلاق”.
حرب الخندق
وصف محرّر إخباري يعمل لدى إحدى وسائل الإعلام المؤيّدة للإصلاح في طهران هذه الخطوة بأنها “إعلان واضح للحرب على الصحفيين الذين تحدّوا رئيسي وحكومته وقوات الأمن خلال الأشهر التي اشتعلت فيها النيران في البلاد بأكملها بسبب المظاهرات المناهضة للمؤسسة”.
ووفقًا للمحرّر، على الرغم من سنوات القمع، أظهرت وسائل الإعلام غير الحكومية دورًا بارزًا ومؤثرًا في إعلام الإيرانيين بما حدث لمهسا أميني، وإعدام أربعة متظاهرين، ومداهمات حرم الجامعات، واعتقال الناشطين والصحفيين والمحامين. وأوضح قائلا: “أعتقد أن المؤسسة لم تتوقع مثل هذا الرد الشجاع والمدروس من قبل الصحافة الإيرانية. لقد كانت السلطات متأكدة إلى حد ما من أنها نجحت في قمع وسائل الإعلام المحلية، بعد سنوات من الرقابة، وزج الصحفيين في السجون، وإسكات المعارضين”.
الضغوط المالية المفروضة على وسائل الإعلام في إيران يجب أن يُنظر إليها على أنها شكل من أشكال الرقابة
أشار المحرر إلى أن رد وسائل الإعلام على حملة القمع ضد احتجاجات 2022 هو نتيجة لأكثر من عقدين من اكتساب الخبرة فيما أسماه الصحفي المخضرم “حرب الخنادق”. وأضاف أن النجاة من الصعوبات الاقتصادية الجديدة سيكون تحديًا كبيرًا للصحفيين بعد سنوات من الإجراءات القمعية من قبل القضاء وقوات الأمن، مشيرا إلى أنه “ما يمكن أن يخنق وسائل الإعلام الناقدة حاليًا هو أزمة اقتصادية مصطنعة من قبل الحكومة”.
“للرقابة وجوه مختلفة”
تمتلك إيران تاريخا طويلا في فرض أعباء مالية على وسائل الإعلام وقمع الأصوات التي تتحدى حكامها. وحدثت إحدى أصعب اللحظات في هذه الحملة الطويلة في آذار/ مارس 2019 في عهد الرئيس السابق حسن روحاني، عندما ألغت حكومته الدعم للصحف الورقية.
وبعد عطلة عيد النوروز التي استمرت أسبوعين، اضطرت صحيفتا “اعتماد” و”الشرق” الرائدتان المؤيدة للإصلاح إلى خفض عدد صفحاتهما إلى النصف بسبب ارتفاع أسعار الورق المستورد. وفي السنة نفسها، تأثرت الصحف الحكومية مثل صحيفة “إيران” و”همشهري”، بهذا الضغط الاقتصادي، وتم تسريح 70 صحفيًا من غرفة التحرير التابعة لصحيفة “همشهري” و70 عاملاً من دار النشر التابعة لها. كما قامت صحيفة “إيران” اليومية بتسريح 23 موظفًا.
منذ بدء مظاهرات 2022، مورست ضغوط اقتصادية مختلفة على الصحفيين. إذ فقد العديد من الصحفيين الذين دعموا الاحتجاجات وظائفهم
يعتقد الصحفي المؤيد للإصلاح، الذي توقف عن العمل في إيران بعد حملة قمع الحركة الخضراء سنة 2009 وإغلاق العديد من الصحف، أن الضغوط المالية المفروضة على وسائل الإعلام في إيران يجب أن يُنظر إليها على أنها شكل من أشكال الرقابة.
وقال الصحفي السابق الذي يعمل حاليا في شركة نقل في أستراليا، إن “للرقابة وجوها مختلفة، ويتم عرض أحدها من خلال الوسائل الاقتصادية” مضيفا أن “اعتقال الصحفيين وحظر الصحف اليومية يمنح السلطات سمعة سيئة، فما هي الطريقة الأخرى لقمع المنافذ الإعلامية الناقدة؟ ما هي الوسيلة التي تعمل بشكل أفضل من الضغط الاقتصادي؟ وبهذه الاستراتيجية، لن يلوم أحد السلطات على إغلاق وسائل الإعلام المستقلة”.
طلبت عدم العودة
حققت هذه السياسة نجاحًا ملحوظا في السنوات الأخيرة ومنذ بدء مظاهرات 2022، مورست ضغوط اقتصادية مختلفة على الصحفيين. لقد فقد العديد من الصحفيين الذين دعموا الاحتجاجات – حتى في وسائل الإعلام التابعة للدولة – وظائفهم أو تم إيقافهم عن العمل.
قال صحفي يعمل في موقع إلكتروني تديره الدولة لموقع “ميدل إيست آي”: “حيث أعمل، لم أتمكن من كتابة أي شيء عن المظاهرات أو اعتقال المتظاهرين وقتلهم، لذلك نشرت الأخبار التي كانت لدي على منصات التواصل الاجتماعي. وفي أحد أيام شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، طُلب مني الذهاب إلى مكتب الموارد البشرية وأخبروني أنه تم إيقافي عن العمل لمدة شهر بسبب منشوراتي على منصات التواصل الاجتماعي”.
تابع حديثه قائلا “بعد شهر، عندما عدت إلى العمل، اضطررت إلى التوقيع على خطاب التزام ينص على أن منشوراتي على منصات التواصل الاجتماعي ستتوافق مع قوانين الجمهورية”.
لكن آخرين كانوا أقل حظا، وتم فصل عدد من الصحفيين بسبب ما كتبوه على منصات التواصل الاجتماعي الفارسية. وكان محمد أجورلو، الصحفي الرياضي الذي عمل في وكالة الأنباء الرسمية “إرنا” لمدة 13 سنة، واحدا منهم. وألقي القبض على زوجة أجورلو، نيلوفر حميدي، وهي صحفية في صحيفة “شرق” التي كانت أول من نشر خبر دخول مهسا أميني إلى المستشفى ووفاتها في 21 أيلول/ سبتمبر.
منذ ذلك الحين، شارك أجورلو على تويتر أحدث المعلومات حول اعتقال زوجته، واعتقال صحفيين ومعارضين آخرين. وفي كانون الثاني/ يناير، طُلب من أجورلو عدم العودة إلى المكتب والعمل عن بعد بدلاً من ذلك. وبعد شهر، أبلغته وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية “إرنا” أنه لن يتم تمديد عقده السنوي بعد شهر آذار/مارس، وهكذا فقد وظيفته.
اعتُقلت صحفية أخرى تدعى إلهة محمدي كانت تعمل في صحيفة “هاميهان” بعد تغطيتها لجنازة مهسا أميني. ولا يزال حامدي ومحمدي في السجن، على الرغم من الحملة التي استمرت سنة من قبل المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية. وفي الثالث من شهر أيار/ مايو، تم اختيارهم إلى جانب الناشطة الحقوقية نرجس محمدي للفوز بجائزة “غييرمو كانو” العالمية لحرية الصحافة لسنة 2023 التي تقدمها اليونسكو.
“الرصاص والمشنقة”
خلال السنة الماضية، تقدمت هيئات دولية مثل لجنة حماية الصحفيين، والاتحاد الدولي للصحفيين، ومنظمة مراسلون بلا حدود، بعدة مطالب للإفراج عن حامدي ومحمدي من الحبس الاحتياطي.
قال أعضاء في هذه المنظمات لموقع “ميدل إيست آي” إن السلطات الإيرانية جعلت من المستحيل على المنظمات غير الحكومية الدولية دعم الصحفيين في السجون. وأضافوا أن السلطات الإيرانية لا تستجيب لطلباتهم ومراسلاتهم.
أوضحت يجانيه رضائيان، الباحثة البارزة في لجنة حماية الصحفيين في الولايات المتحدة، “نريد بشدّة أن نساعد بقدر ما نستطيع بأكثر مما نفعله الآن، ولكن في حالة إيران، ما يمكننا القيام به محدود للغاية. أولا، لا تمتلك إيران سفارة في الولايات المتحدة، لذلك لا يمكننا مقابلة المسؤولين الإيرانيين شخصيًا وإثارة القضايا المتعلقة بالصحفيين. علاوة على ذلك، لا يصدر المسؤولون الإيرانيون أبدًا تأشيرات لفريق الدفاع لدينا لزيارة الصحفيين الإيرانيين والتحدث عن قضاياهم وجهًا لوجه”.
المنظمات الدولية لا تستطيع مساعدة الصحفيين الإيرانيين في معركتهم ضد السجن والاعترافات القسرية ورقابة الدولة
قالت رضائيان، التي احتُجزت في سجن إيفين سيئ السمعة في طهران لمدة 72 يومًا في سنة 2014 أثناء عملها كصحفية في إيران، إن الحكومات القمعية الأخرى، مثل روسيا والصين، أو حتى طالبان في أفغانستان، عقدت على الأقل اجتماعات مع ممثلي لجنة حماية الصحفيين للحديث عن هذه القضايا.
وأضافت أنه “بغض النظر عن عدد رسائل البريد الإلكتروني أو الفاكس التي ترسلها أو المكالمات الهاتفية التي تجريها، فلن تتلقى أبدًا ردًا من المسؤولين الإيرانيين. إن الوضع صعب للغاية، وفي كل مرة يصل الأصوليون إلى السلطة في البلاد، يتدهور الوضع”.
وأوضحت رضائيان أن وفد إيران لدى الأمم المتحدة هو الكيان الرسمي الوحيد الذي يمكن للجنة حماية الصحفيين التواصل معه للإفراج عن الصحفيين المحتجزين والمطالبة باحترام حرية التعبير في البلاد. وأضافت أنهم “غير متعاونين على الإطلاق، مما يجعلهم أصعب المسؤولين في التعامل معهم”.
أخبر الصحفيون في إيران موقع “ميدل إيست آي” أن المنظمات الدولية لا تستطيع مساعدتهم في معركتهم ضد السجن والاعترافات القسرية ورقابة الدولة. وتساءل صحفي إيراني في طهران عما يمكنهم فعله ردا على نظام حكم يستخدم الرصاص والمشنقة للرد على أي انتقاد؟”. وأوضح قائلا “كل ما يمكنهم فعله هو جعل العالم يسمع بما يحدث لنا، ولا شيء أكثر من ذلك. لو تم اعتقالي، لرغبت في ذلك. على الأقل سيعرف العالم اسمي”.
المصدر: ميدل إيست آي