ترجمة وتحرير نون بوست
خلال الأسبوع الماضي، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على أحد أكبر مصنّع لأجهزة الاتصالات في الصين، شركة “زد تي إي”. فضلا عن ذلك، قامت واشنطن بفتح تحقيق بخصوص منافستها الصينية،”هواوي”، علما وأن هذه الأحداث قد وقعت في وقت حساس للغاية مما قد يصبّ تبعا في مصلحة المملكة العربية السعودية .
في واقع الأمر، تزامنت قرارات واشنطن مع زيارة الملك، سلمان بن عبد العزيز، للصين، أين حطّ الرحال في ثالث محطة له خلال جولته الآسيوية التي ستدوم شهرا كاملا. وفي الأثناء، مثّلت تحركات السلطات الأمريكية تُجاه الشركتين الصينيتين، دفعة إيجابية وقوية لمساعي الرياض التي تطمح لأن تعزز علاقاتها مع بكين.
يعمل ملك السعودية بخطى حثيثة على التّقرب من الصين، التي تربطها علاقات عسكرية وثيقة وطويلة الأمد مع إيران، في ظل موافقة بكين على تعزيز التعاون مع المملكة في السنة الماضية
الولايات المتحدة: بين الحذر من إيران ودعمها للسعودية
في الواقع، يهدف الملك سلمان من خلال زيارته إلى الصين لتعزيز العلاقات بين البلدين على المستوى الاقتصادي والعسكري. ومن جهة أخرى، يسعى الملك لإقناع بكين باتخاذ المملكة العربية السعودية حليفا إقليميا لها بدلا من إيران نظرا للفائدة التي ستعود عليها من وراء ذلك. والجدير بالذكر أن العقوبات والتحقيقات بحقّ الشركتين الصينيتين، ترتبط بالأساس بدعوى انتهاكها للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران (وكوريا الشمالية أيضا)، علما وأن الغرض من هذا القرار يتمثل بالأساس في إبراز توجهات ومواقف إدارة ترامب المتشددة تجاه طهران.
الصين تتلقّى صفعة بسبب إيران
في الحقيقة، أقرّت شركة “زد تي إي” الصينية أن اتهامات واشنطن الموجهة لها وردت على خلفية بيعها لأجهزة الكترونية أمريكية الصنع لإيران. نتيجة لذاك، وافقت الشركة على دفع غرامة قُدّرت بحوالي 1.19 مليار دولار. وفي هذا الصدد، حذّر وزير التجارة الأمريكي، ويلبر روس، من مغبّة التهاون بقرارات واشنطن، حيث أفاد “نحن نوجه هذا الإشعار إلى العالم أجمع، لقد ولّى زمن ممارسة الألاعيب. أولئك الذين ينتهكون العقوبات الاقتصادية والقوانين التي نفرضها على الصادرات سينالون أقسى العقوبات”.
يهدف الملك سلمان من خلال زيارته إلى الصين إلى تعزيز العلاقات بين البلدين على المستوى الاقتصادي والعسكري
وفي الوقت ذاته، حاول وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، تلمّس سبل دبلوماسية للخروج من هذه الأزمة، حيث صرّح أن بلاده تُعدّ صديقة للمملكة العربية السعودية وإيران على حد سواء. تأتي هذه التصريحات مباشرة بعد فرض واشنطن لجملة من العقوبات على “زد تي إي”، وقبل وصول الملك سلمان للعاصمة بكين بعدة أيام.
الصين ليست في ورطة بل تبحث عن حل وسط
من الملفت للنظر أن وانغ يي قد اقترح أن تلعب بلاده دور الوسيط بين كل من إيران والمملكة العربية السعودية، وذلك من خلال حثّ كلا البلدين على “حلّ الخلافات القائمة بينهما عبر مشاورات ودية ومتساوية”. وعلى الرغم من طموحات الصين الدبلوماسية، إلا أن احتمال نجاح دورها كوسيط بين البلدين يعد ضئيلا للغاية. في الحقيقة، ترى كل من إيران والمملكة أن حصيلة تنافسهما العالمي بمثابة “مجموع صفري”.
من جهتها، تأمل المملكة العربية السعودية أن تعود سياسة واشنطن، الصارمة تجاه إيران، بالنفع عليها، مما سيزيد من حظوظها في معركتها الشرسة ضد طهران. من ناحية أخرى، يرى بعض السعوديين في العقوبات المفروضة على شركة “زد تي إي”، رسالة مفادها أن الولايات المتحدة لم تعد تجيز المعاملات التجارية مع إيران كالمعتاد، الأمر الذي سيلقي بظلاله على المفاوضات التجارية بين بكين وواشنطن في المستقبل.
يسعى الملك لإقناع بكين باتخاذ السعودية حليفا إقليميا لها بدلا من إيران نظرا للفائدة التي ستعود عليها من وراء ذلك
الصين في ميدان المعركة السعودية-الإيرانية
في الحقيقة، يعمل ملك السعودية بخطى حثيثة على التّقرب من الصين، التي تربطها علاقات عسكرية وثيقة وطويلة الأمد مع إيران، في ظل موافقة بكين على تعزيز التعاون مع المملكة في السنة الماضية. من جهة أخرى، أوضح وزير الدفاع الصيني، خلال زيارة أداها نظيره السعودي، محمد بن سلمان، إلى الصين في آب/أغسطس سنة 2016، أن “بكين مستعدة لتطوير علاقاتها العسكرية مع السعودية إلى مستوى جديد”.
في أعقاب هذه الزيارة، أجرت قوات مكافحة الإرهاب السعودية والصينية أول تدريبات مشتركة على الإطلاق بين الجيش الصيني وقوات مسلحة عربية. بالإضافة إلى توثيق العلاقات العسكرية، تأمل السعودية أن تفضي العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة إلى تأزم الوضع بين طهران والصين. وخلافا لكل التوقعات، ساهمت زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، التي أداها إلى الشرق الأوسط في أوائل سنة 2016، توطيد العلاقات بين بكين وطهران.
هل يُعدّ تغيير الإدارات بمثابة فرصة؟
في الوقت الراهن، تلقى مهمة الملك سلمان في بكين عدة تسهيلات خاصة في ظل إعلان ترامب بأن عودة إيران إلى الاتفاق النووي العالمي لا تزال بين أخذ ورد. علاوة على ذلك، يعوّل ملك السعودية على معركة الانتخابات الضارية التي سيخوضها الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في أيار/مايو المقبل، نظرا لأن رفع العقوبات الدولية المفروضة على طهران، لم يساهم فعلا في تنشيط الاقتصاد ولم يكن له أي نتائج إيجابية بالنسبة للشعب الإيراني.
في أعقاب هذه الزيارة، أجرت قوات مكافحة الإرهاب السعودية والصينية أول تدريبات مشتركة على الإطلاق بين الجيش الصيني وقوات مسلحة عربية.
على العموم، يؤمن الملك السعودي بأن هناك عائق من شأنه أن يقف حاجزا أمام تحقيق أهدافه ألا وهو حقيقة أن الخبراء الصينيين يرون أن العقبات التي تتخلل المعاملات التجارية مع إيران هي مجرد مشكلة قصيرة الأمد. في المقابل، تدرك الصين أن لإيران ثقل إقليميا لا يمكن تجاهله على المدى المتوسط والطويل.
المصدر: الغلوباليست