هل لديك 30 دقيقة اليوم وتبحث عن شيء جيد لتشاهده؟ إذًا فيلم “غبار” ربما يكون ما تبحث عنه، الفيلم باللغة الإنجليزية على الرغم من أنه إنتاج ياباني، أستطيع أن أضمن لك أنك لن تندم وأنت تستمتع بنصف ساعة تقريبًا من الإبداع الفني والبصري دون ملل أو مشاهد معقدة ومركبة ترهق عقلك بالتفكير.
منذ ما يقرب من 10 أعوام اقتنع 3 من صانعي الأفلام بفكرة فيلم خيال علمي يتم تصويره في اليابان، ليصنعوا لنا فيلم “غبار” والذي يثبت أن العمل الفني العظيم في بعض الأحيان يستحق الانتظار الطويل.
تريلر الفيلم
لن تتوقع وأنت تشاهد فيلم مدته 25 دقيقة أنه سيكون بهذا العمق والمزج بين التمثيل والحكمة والمرض والموت والخذلان والتضحية والشجاعة والانهيار في صورة تخيلية لمجتمع على شفا الانهيار.
الفيلم كاملًا
في عام 2007 اتفق جاسون جالتي وجوش جرير ومايك جرير على صناعة فيلم ستستغرق عملية تصويره وإنتاجه تسع سنوات كاملة! تكلفت الرحلة 100 ألف دولار أمريكي كتمويل جماعي لإنشاء شركة إنتاج فني ومؤثرات بصرية وترويج للفيلم لوضعه على خارطة المهرجانات قبل ميعاد إصداره بصوره نهائية في 2016.
المؤثرات البصرية في الفيلم مذهلة والمزج بين الواقع والخيال العلمي تم باحترافية عالية، تم تصوير الفيلم بجميع أنحاء اليابان عام 2012، “الغبار” في الفيلم يرمز للغبار الذي كاد أن يقضي على جميع سكان الريف الفقير وبدأ في الدخول للمدينة ذات الأسوار العالية التي يسكنها الأغنياء والذين يحيطون أنفسهم بسور عالٍ ظنًا منهم أن هذا السور هو درع الحماية الذي سيمنع عنهم أي خطر، ولكنهم لم يتصوروا أن الشيء الوحيد المشترك بينهم وبين الفقراء وهو الهواء الذي يتنفسه الجميع سيكون العامل المشترك لهلاكهم جميعًا وأن أسوارهم العالية وأموالهم وعزلهم للفقراء لن تكون أسبابًا كافية لحمايتهم.
قام بدور البطولة بالفيلم الممثل الياباني المخضرم ماساشي آوديت الذي لعب دور الطبيب الذي يعيش وحيدًا بعد موت ابنته بسبب المرض والفقر، يأتي له طبيب آخر من المدينة يدفع له الأموال لكي يجدوا حلاً للمرض الغامض الذي سيدمر كل شيء.
على الرغم من أن الحبكة الدرامية تبدو بسيطة، فتنفيذها وإخراج صورة نقية وعالية الجودة ومزج الواقع مع الخيال باستخدام تقنية GCI والتمثيل المحترف الدقيق أنتج فيلمًا مدهشًا وساحرًا وله قصة إنسانية مؤثرة.
تخيل أن تفكر بفكرة تعلم أنها ستستغرق الكثير من الوقت، تقتنع بها أنت وشخصين آخرين وتطلب دعم الجمهور في التمويل ويتحقق لك كل ذلك بالفعل! وتبدأ في العمل على فكرتك لمدة 9 سنوات لتخرج بها إلى النور وتغير شكل الفيلم القصير ذي طابع الخيال العلمي وتبهر بها جميع المتخصصين في هذا المجال.
المؤثرات البصرية في الفيلم مذهلة والمزج بين الواقع والخيال العلمي تم باحترافية عالية
البعد الإنساني في الفيلم يتمثل في صراع البطل الداخلي بعد موت ابنته، فيقرر العزلة والابتعاد والاستسلام لحزنه وترك المرض الذي تسبب في موت ابنته يتطور لكي يقضي على باقي القرية وبدأ يقتل أصدقائه وأهله، وعندما يدرك أن يأسه كان سببًا في خسائر كبيرة في الأرواح يقرر العودة لمواجهة مخاوفه المتمثلة في المرض الذي تجسد في شكل كائن مرعب والقضاء عليه ومعالجة صديقه وإنقاذ حياته ووقف المرض عن التطور وتنقية الهواء من الغبار القاتل الذي سيقضي على الجميع.
يجسد الفيلم في أقل من نصف ساعة معاناة الكثير منا الداخلية في لحظة اختيار القرار إما بالمواجهة واستكمال الحياة بعد الصدمات أو الاستسلام واليأس وترك العالم كله وانتظار الموت حتى ولو كنت تملك العلاج.
في المقالات التي كتبت عن الفيلم والتي أشادت جميعها بالفيلم جاءت التعليقات من المهتمين والمتخصصين في المؤثرات البصرية كلهم مبهورين بالنتيجة النهائية للفيلم بتكاليف تعتبر قليلة جدًا في هذا المجال لإنتاج عمل فني كهذا والذي أطلق عليه بعضهم بالتحفة الفنية، بينما لمح بعض المختصين أن الفيلم مجرد استعراض مواهب صناع الفيلم وترويج لأنفسهم وقدراتهم الإبداعية وهو الشيء الذي لن يعيبهم على الإطلاق.
الفيلم يستحق المشاهدة في كل الأحوال، إن كنت مشاهد أو مبتدئ في عالم صناعة المؤثرات البصرية وحتى إن كنت خبيرًا بالأمر.
تكلفت الرحلة 100 ألف دولار أمريكي كتمويل جماعي لإنشاء شركة إنتاج فني ومؤثرات بصرية وترويج للفيلم لوضعه على خارطة المهرجانات قبل ميعاد إصداره بصوره نهائية في 2016
تصوير مشاهد الفيلم التمثيلية تمت في عام 2012 لمدة 11 يومًا فقط، وباقي التسع سنوات هي مدة العمل على برامج المؤثرات البصرية ودمجها بالمشاهد التمثيلية الحقيقية وعملية المونتاج.
حصد الفيلم العديد من الجوائز كأحسن فيلم قصير في العديد من المهرجانات الدولية للفيلم القصير مثل جائزة أحسن فيلم قصير في مهرجان دراجون كون، جائزة أحسن فيلم خيال علمي في مهرجان هولي للأفلام القصيرة، جوائز أحسن فيلم وأحسن مؤثرات بصرية وأحسن إخراج وأحسن تصوير سينمائي في مهرجان فيلم كويست.
يمكنكم بعد مشاهدة الفيلم متابعة قناة شركة الإنتاج على قناتهم في موقع يوتيوب، فقد قاموا بوضع فيديوهات قصيرة لمراحل صناعة الفيلم وابتكار أشكال المخلوقات الخيالية والفرق بين تصوير المشاهد كتصوير عادي ثم تعديلها بإضافة المؤثرات البصرية المتطورة.
عالم صناعة الأفلام المعتمدة على المؤثرات البصرية ودمج الواقع بالخيال مصحوبًا بفكرة إنسانية عالم ممتع جدًا ولا بد أن يهتم شبابنا من مبدعي الوطن العربي بهذا المجال أكثر ويمكنهم طرح أفكارهم للتمويل والمساهمات الجماعية مثلما فعل صانعو هذا الفيلم عن طريق مواقع التبرعات والتمويل.
“إذا استمر الغبار بالتطور، لن ينعم أي شخص بالأمان، صراع البقاء مقسم على الجميع، لا يوجد مفر لأحد”
هذه الجملة موجودة بإعلان الفيلم وأعتقد أنها الرسالة التي يود صانعو الفيلم إرسالها للجميع، يفهمها كل مشاهد على حسب نوعية الغبار القاتل الموجود بحياته.