ما إن تتحسن الأوضاع الأمنية في تونس ويتحسن معها القطاع السياحي الذي يعاني من مشكلات عديدة، حتى يطل شبح الإرهاب على البلاد ويربك الأوضاع أكثر، هذه المرة اختار الإرهاب أن يضرب منطقة آمنة كانت وستظل مقصدًا للسياح الباحثين عن راحة البال وجمال الطبيعة وطيبة الأهل.
استهداف السياحة
بعد أشهر من الاستقرار النسبي، عاد الإرهاب ليضرب القطاع السياحي في تونس الذي يُعتبر أحد أبرز الركائز الأساسية والعمود الفقري لاقتصاد البلاد، بعد أن شنّ أربعة مسلحين هجومًا مسلحًا على دورية أمنية قارة في منطقة جنعورة التابعة لمحافظة قبلي جنوب تونس في الساعات الأولى لأمس الأحد، قضى على إثره شرطيًا وجرح آخر، فيما قتل مهاجمان وأصيب ثالث نُقل إلى المستشفى ولاذ رابع بالفرار قبل أن تتمكن عناصر الأمن التونسي من إلقاء القبض عليه إثر حملة مداهمات لمنازل المشتبه بهم، عشيّة أمس.
هجوم إرهابي قد يُؤثر سلبًا، حسب عديد من الخبراء، على السياحة في تونس خاصة الصحراوية منها، بعد أن راهنت تونس على دعمها في السنوات الأخيرة، في ظل انخفاض إقبال الأجانب على المناطق الساحلية من البلاد في فصل الشتاء، وتغطّي السياحة التونسية 60% من عجز الميزان التجاري للبلاد، وتمثل 6.5% من الناتج الداخلي، إضافة إلى كونها قطاعًا مشغلاً يوفر 400 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، حسب إحصائيات الديوان الوطني للسياحة التونسية.
تأهب أمني كبير تحسبًا لأي طارئ
وتُعد محافظة قبلي أحد أهم المواقع السياحية في الجنوب التونسي، لما تحتويه من مناطق طبيعية خلابة وواحات نخيل وصحاري تؤمن رزق الساكنين وتوفر مكانًا آمنًا للسائحين، كما أن بها دوز بوابة الصحراء وقصر غيلان والنويل والفوار، إلى جانب ما ذكرنا تشتهر المناطق الصحراوية وقراها البربرية المشيدة على قمم الجبال وقصورها ذات الطابع الفريد ومنازله المنحوتة في الصخر تحت الأرض بصناعة المنسوجات ذات الجودة العالية والرموز الخاصة، ويعتبر المرقوم والكليم من أشهر أنواع السجاد في المنطقة إلى جانب عدد من المنتجات التقليدية الأخرى كالجلود والملابس الصحراوية والحلي والمصوغات والسعف وغيرها من المنتجات الصحراوية المميزة.
ورغم كون هذه العملية الإرهابية كانت تستهدف في مقام أوّل زعزعة أمن البلاد وبث الفوضى فيه، فإنّ تداعياتها ستكون كبيرة على السياحة الصحراوية، التي عادت بفضلها الأنوار لتضيء من جديد في الوحدات الفندقية بالجنوب التونسي، وتعدّ الظروف المناخية في الجنوب الأكثر ملاءمة في هذه الفترة من العام للاستمتاع بزيارة الصحراء والواحات والمعالم التاريخية، فالسياحة الصحراوية من أبرز المنتجات السياحية الشتوية نظرًا لما تتوفر عليه مناطق الجنوب من ثراء ثقافي ومخزون تراثي وتعدد المهرجانات.
تسعى تونس إلى مزيد من دعم سياحة الصحراء واستقطاب السياح الأجانب
وتستعدّ محافظة توزر المحاذية لقبلي، نهاية هذا الشهر لاحتضان الدورة الثانية لمهرجان “أصوات الصحراء” الذي يتضمن فقرات موسيقية من شأنها أن تساهم في تنشيط الحركة السياحية بالجهة، وتقوم فعاليات هذه التظاهرة التي يساهم في تنظيمها كل من الديوان الوطني للسياحة ووزارة الداخلية، على الموسيقى الإلكترونية حيث تم تنظيم ركح لإقامة العروض بمختلف واحات توزر تماشيًا مع الخصوصيات الطبيعية للمنطقة.
وتسعى تونس التي يمثل فيها قطاع السياحة أول مصدر للعملة الصعبة وثاني أكبر قطاع مشغل بعد القطاع الزراعي إلى مزيد من دعم سياحة الصحراء واستقطاب السياح من ذوي الدخول المرتفعة.
هل يتواصل الانتعاش؟
مثلت سنة 2016 بداية انتعاش السياحة في تونس مع تسجيل زيارة 4 ملايين و520 ألف سائح أجنبي للبلاد، وكانت البلاد شهدت تراجعًا في عدد الزوار إلى 4 ملايين و200 ألف في 2015 الذي شهد اعتداءات عدة استهدفت مواقع سياحية، واستقبلت تونس 231.3 ألف سائح في يناير الماضي بزيادة 19.8% عن الشهر ذاته من 2016، وفق بيانات رسمية.
ارتفاع عدد السياح سنة 2016 مقارنة بـ 2015
هدوم قبلّي جاء في وقت تعمل فيه الحكومة التونسية على إقناع الدول الأوروبية برفع قيود على السفر إلى بلادها، فرضتها هذه الدول بعد هجمات إرهابية سقط ضحيتها سياح أجانب أمنيين وعسكريين، وكانت عديد من الدول قد أكّدت أنها في طريقها نحو رفع حجر السفر عن مواطنيها إلى تونس، وتراهن تونس على تواصل هذه الموجة من المؤشرات الإيجابية في ظل بوادر انتعاشة للسوق الأوروبية، التي تعد السوق التقليدية للوجهة السياحية التونسية، حيث بلغ عدد السياح الأوروبيين أكثر من 39 ألف سائح.
ومطلع الشهر الحاليّ حذرت وزارة الشؤون الخارجية والتجارة الأسترالية على موقعها الرسمي من “عملية إرهابية وشيكة تستهدف مواقع يرتادها سياح أجانب في تونس يتم الإعداد لها في مراحل متقدمة“، كما دعت إلى توخي أعلى درجات الحذر أو إعادة النظر في قراراتهم بالسفر باتجاه تونس”.
وزارة الداخلية التونسية أكّدت تسجيل استقرار في الأوضاع الأمنية خاصة في العلاقة بمكافحة الإرهاب
وطالبت الوزارة مواطنيها بعدم السفر إلى جنوب تونس بما في ذلك مدن نفطة ودوز ومدنين وتطاوين وجرجيس، وعدم الاقتراب من الحدود مع الجزائر وليبيا، بسبب التهديد من وقوع هجوم إرهابي أو حالات خطف، الأمر الذي استغربه وزير الدّاخلية التونسي الهادي المجدوب على هامش افتتاحه معرض وسط العاصمة تونس يوثق للهجوم الذي شهدته مدينة بنقردان الحدودية مع ليبيا العام الماضي، قائلاً: “أستراليا لا تملك معلومات أمنية أفضل منا (..) فالوضع الأمني في تونس مستقر (..) لكن لا بد من مزيد من الحذر واستمرار اليقظة استعدادًا للموسم السياحي وشهر رمضان وموعد الامتحانات الوطنية“، وفقًا لوكالة الأناضول للأنباء.
وسبق أن أكدت وزارة الداخلية التونسية، خلال اللقاء الإعلامي الشهري الذي نظمته الوزارة الجمعة الماضية، تسجيل استقرار في الأوضاع الأمنية خاصة في العلاقة بمكافحة الإرهاب، وتسعى وزارة السياحة التونسية إلى تطوير واقع القطاع السياحي، بعد أزمة عاشها خلال السنوات الأخيرة بسبب العمليات الإرهابية.