الأزمة الدبلوماسية بين تركيا وهولندا من منظور اقتصادي

الأزمة الدبلوماسية بين تركيا وهولندا تتسع بين البلدين وصار هناك إمكانية أن تأخذ منحى مختلف وتنتقل الأزمة إلى اقتصادي البلدين، فهل تتسبب الأزمة بضرر على اقتصاد أي من الاقتصاد الهولندي أو التركي، خصوصًا أن الاقتصاد التركي سبق أن تضرر بعد الأزمة مع روسيا التي اندلعت جراء إسقاط طائرة السوخوي في نهاية عام 2015.
فهل يستخدم أي من البلدين الأوراق الاقتصادية التي بحوزته للضغط على البلد الآخر؟ كوضع حظر على سفر السياح، وقطع العلاقات التجارية والتضييق على الاستثمارات ورجال الأعمال في كلا البلدين، وإجراءات أخرى تتعلق بالعلاقات الاقتصادية بينهما.
عقوبات تركية ضد هولندا
صرح وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو على خلفية منع طائرته من الهبوط في مطار روتردام، أن الهولنديين “لا يتقنون السياسة والدبلوماسية” وهدد بعقوبات قاسية، ومن ثم تم إيقاف وزيرة الأسرة التركية فاطمة كايا من قبل الشرطة الهولندية بعدما أعلنت عزمها التوجه نحو هولندا من خلال الحدود الألمانية للدخول إلى قنصلية بلادها في روتردام، ولكن تم منعها وإرغامها على العودة، وقد دعت بلدان أوروبية للتهدئة في ظل تصاعد وتيرة التصريحات من قبل الطرفين.
دخل 1.2 مليون سائح هولندي إلى تركيا في العام 2015
حسبما أشارت مصادر محلية تركية فإن الحكومة التركية تنوي فرض حزمة من العقوبات السياسية على الحكومة الهولندية ومن بين تلك العقوبات التي أشارت إليها صحيفة “ملييت” التركية؛ قطع العلاقات الاستخباراتية بين البلدين والتي توصف بأنها قوية للغاية، وتعليق زايارات القادة العسكريين إلى القاعدة العسكرية في “أضنة” وكذلك إغلاق الأجواء التركية أمام كافة الطائرات العسكرية وطائرات الـ”في ي بي”.
تنوي تركيا فرض عقوبات على هولندا من بينها قطع العلاقات الاستخباراتية معها والتي توصف بأنها قوية للغاية
لم يلوح أيًا من الطرفين بفرض عقوبات اقتصادية على البلد الآخر، إذ تتمتع العلاقات الاقتصادية بينهما بالاستقرار وشهدت نموًا في السنوات الماضية حيث وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 6.1 مليار دولار في العام 2015، صدرت تركيا إلى هولندا في ذلك العام سلع بما يقدر بنحو 3.2 مليار دولار واستوردت منها 2.9 مليار دولار.
ويعمل في تركيا الكثير من الشركات الهولندية في مختلف المجالات الاستثمارية يقدر عددها بنحو 2560 شركة ولدى تلك الشركات الحصة الأكبر من تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى تركيا بين 2002 – 2015 بما يقدر بـ21 مليار دولار.
وصل حجم التبادل التجاري بين هولندا وتركيا إلى 6.1 مليار دولار في العام 2015
بينما يتواجد على الأراضي الهولندية نحو 23 ألف رجل أعمال تركي يعملون في هولندا في مختلف القطاعات الاستثمارية، وبلغ إجمالي قيمة الشركات التركية في هولندا بين عامي 2002 – 2015 نحو 9.2 مليار دولار، واحتلت هولندا بالنسبة للشركات التركية المرتبة الأولى من حيث الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال الفترة المذكورة، أما بالنسبة للسياحة فقد دخل 1.2 مليون سائح هولندي إلى تركيا في العام 2015.
في العام 2012 صدرت هولندا لتركيا سلع وخدمات بقيمة 4.7 مليار دولار ومن بين الأشياء التي تصدرها هولندا لتركيا الأجهزة الكهربائية والأسمدة الصناعية والحواسيب بينما تصدر تركيا إلى هولندا سلع غذائية كالفواكه والخضراوات وتصدر أيضًا ملابس ومشتقات نفطية وآلات.
ويشكل حجم البضائع المستوردة والمصدرة من وإلى تركيا لما يقرب من 1% من إجمالي حجم التجارة الهولندية، ومن أبرز وأكبر الشركات الهولندية المشهورة على مستوى العالم كشركة الطيران KLM وشركة شل للمنتجات البترولية وشركة فيلبس للإلكترونيات وشركة TNT للبريد.
يقدر عدد الشركات الهولندية العاملة في تركيا بنحو 2560 شركة
مقارنة بين اقتصادي البلدين
يتميز الاقتصاد الهولندي بالاستقرار مقارنة مع باقي الدول الأوروبية ويبلغ حجم الناتج المحلي له بـ752 مليار دولار (من حيث القيمة الإسمية) في العام 2015 ويقع في المرتبة 17 بين اقتصاديات العالم ويقدر متوسط معدل النمو فيها 2.1% حيث يشكل قطاع الخدمات 80% من ذلك الناتج ويأتي قطاع الصناعة بنسبة 18% والزراعة بنسبة 2%.
وبالنسبة لمستوى المعيشة فإن المستوى المعيشي للمواطن الهولندي يقع في أعلى مستويات المعيشة في العالم إذ يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 50 ألف دولار، ويقدر معدل البطالة في البلاد بنحو 5.3%.
يبلغ حجم الناتج المحلي لهولندا بـ752 مليار دولار
أما باالنسبة للاقتصاد التركي فيقترب ناتج تركيا من الناتج الهولندي بشكل كبير (من حيث القيمة الإسمية) إذ يبلغ الناتج المحلي التركي نحو 861 مليار دولار في العام 2015 ويقع في المرتبة 17 بين اقتصادات العالم، ويُقسم الناتج في تركيا إلى 64% لقطاع الخدمات و 27% لقطاع الصناعة و 8.6% لقطاع الزراعة، ويعد معدل النمو في تركيا من بين أعلى معدلات النمو في العالم حيث بلغ متوسط النمو فيها من 2011 – 2015 نحو 7.1% ويبلغ نصيب الفرد من الناتج الإجمالي نحو 11 ألف دولار.
لا تعد العلاقات الاقتصادية ركيزة أساسية بين البلدين ليصاب أي من اقتصاديهما بأزمة أو تأثير سلبي كبير في حال فرض عقوبات ضد بعضهما البعض كما حصل في الأزمة بين روسيا وتركيا، فالأشياء التي يعتمد كل منهما على الآخر تعد ثانوية ومتوفرة في بلدان أخرى وبأسعار مقاربة أو منافسة، ومن جهة أخرى فإن الميزان التجاري بين البلدين متوزان نوعًا ما ولا يشكل أداة ضغط على الآخر كما في حالة روسيا وتركيا – فالميزان التجاري بين روسيا وتركيا مائل لصالح روسيا بشكل كبير بسبب واردات الطاقة منها – ولهذا السبب فإنه من المستبعد أن يقوم أي من تركيا أو هولندا بفرض عقوبات اقتصادية على الآخر.
مع الإشارة أن الاقتصاد التركي لا يتحمل أي عقوبات اقتصادية الآن بسبب الظروف التي يمر فيها، لذا سيكون فرض عقوبات اقتصادية على هولندا بمثابة عقوبة للاقتصاد التركي نفسه، وهو تأكيد آخر على إمكانية عدم اتخاذ هكذا إجراءات من قبل الإدارة التركية.