ترجمة حفصة جودة
مع غير المرجح أن تتجه إندونسيا لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل” في وقت قريب، نظرًا لالتزام جاكرتا منذ عقود بدعم القضية الفلسطينية، والخوف من اندلاع غضب شديد بين الشعب، حتى لو واصلت المملكة العربية السعودية خطتها المثيرة للجدل.
مع انتهاء رئاسة ترامب، بدا أن التوجه نحو التطبيع فقد الزخم وذلك بعد تطبيع الإمارات والمغرب والبحرين والسودان رسميًا مع “إسرائيل”، لكن في الأسابيع الأخيرة، تشير التقارير إلى اقتراب السعودية بشكل كبير من التطبيع رسميًا، ما يثير تساؤلات بشأن الدولة التي ستليها في ذلك.
لاحت احتمالية توقيع اتفاق في الأفق في بداية شهر مايو/أيار عندما أعلن مستشار الأمن القومي في إدارة بايدن جيك سوليفان أن تطبيع السعودية مع “إسرائيل” يصب في مصلحة أمريكا، ويوم الخميس الماضي ألمح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى وصول السعودية و”إسرائيل” إلى اتفاق تاريخي، حين قال في مقابلته مع فوكس نيوز “إننا نتقارب أكثر كل يوم”.
ومع ذلك، يرى الخبراء والمحللون أنه رغم توسع العلاقات بين “إسرائيل” والمملكة، فمن غير المرجح أن تتبع إندونيسيا – أكبر دولة في العالم ذات أغلبية مسلمة – هذا التوجه.
شدد باغوس هيندرانينغ كوبارسيه – مدير شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإندونيسية – على الأمر، وقال إن بلاده لا تنوي تأسيس أي علاقات مع “إسرائيل”، وأضاف “لن نفعل ذلك حتى تحصل فلسطين على استقلالها”.
وبينما تخلى الرئيس الأمريكي بادين عن معظم سياسات سلفه في الشرق الأوسط – التي كانت مفضلة لدى “إسرائيل” – إلا أن التطبيع لم يكن من بينهم، كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد أثار احتمالية تأسيس علاقات دبلوماسية بين “إسرائيل” وإندونيسيا في أثناء لقائه في ديسمبر/كانون الأول 2021 مع وزير الخارجية الإندونيسي رينتو مارسودي في جاكرتا.
كدولة تعرضت للاستعمار، تتعاطف إندونيسيا مع الشعب الفلسطيني، ولن تقبل الأغلبية المسلمة للشعب الإندونيسي أي مبادرة لتأسيس علاقة دبلوماسية مع “إسرائيل”
في نفس الشهر، أكد المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإندونيسية تيوكو فايزاسيا لصحيفة “Nikkei Asia” أن بلينكن قام بذلك فعلًا، وعند سؤال المتحدث باسم نائب وزير الخارجية الإسرائيلي يوسف زيلبرمان عن احتمالية إقامة علاقات دبلوماسية، قال “إن “إسرائيل” تمد يدها بالسلام والصداقة لكل دول العالم بما فيهم إندونيسيا”.
كما قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: “بشكل عام، إننا نواصل دعم “إسرائيل” للاندماج بشكل كامل داخل المنطقة وخارجها، لكنني لن أستطيع مشاركة ما تحدثنا بشأنه في المحادثات الدبلوماسية الخاصة بيننا”.
الدعم الإندونيسي لفلسطين
قال المحللون إن أهم ما يعرقل أي احتمالية تطبيع بين البلدين، تلك المشاعر المناصرة للفلسطينيين التي تجري عميقًا في دماء سكان الجزيرة ويعود تاريخها إلى أول مؤتمر إفريقي آسيوي عام 1955 الذي ناقش القضية الفلسطينية، وذلك عندما رفض سوكارنو – الأب المؤسس لإندونيسيا – دعوة “إسرائيل” للمؤتمر.
رفضت إندونيسيا كذلك مشاركة “إسرائيل” في دورة الألعاب الآسيوية الرابعة التي أُقيمت في جاكرتا عام 1962، وقالت سيتي سيتياويتي، محاضرة العلاقات الدولية بجامعة “Gadjah Mada University” في يوجياكرتا بجزيرة جاوة الإندونيسية إن البلاد تدعم القضية الفلسطينية بسبب مبادئ سياستها الخارجية.
وأضافت “إننا كدولة تعرضت للاستعمار، نتعاطف مع الشعب الفلسطيني، ولن تقبل الأغلبية المسلمة للشعب الإندونيسي أي مبادرة لتأسيس علاقة دبلوماسية مع “إسرائيل”، مشيرة إلى مبدأ الأخوة الإسلامية.
تقول أيضًا: “هناك تضامن إسلامي يجب أن تتوافق معه الدولة لأن الأغلبية تفكر بتلك الطريقة”، هذه الآراء تمثل شريحة كبيرة من السكان، حيث يرفض الكثير من الإندونيسيين احتمالية التطبيع صراحة.
يقول فتريان زمزمي الذي يعيش في مدينة ديبوك قرب جاكرتا: “بحكومتها اليمينية المتطرفة وتأسيسها المستمر للمستوطنات غير الشرعية والهجوم الدائم على الضفة الغربية واقتحام المسجد الأقصى واستمرار حصار غزة، سيصبح من المستحيل تبرير أي علاقة دبلوماسية بين حكومتنا والإدارة الإسرائيلية الحاليّة”.
رغم أن إندونيسيا تنكر علانية أي خطط لتأسيس علاقات مع “إسرائيل”، فإنها وفقًا لإحصاءات وزارة التجارة صدرّت ما قيمته 185.2 مليون دولار من الغاز والمنتجات غير النفطية إلى “إسرائيل” عام 2022
وأضاف “أي فتوى يصدرها علماء السعودية لن يكون لها أي وزن، طالما أننا كأفراد نشعر في داخلنا أنها تخالف تعاليم الرسول”، في إشارة إلى دعم رجال الدين السعوديين تطبيع العلاقات بين المملكة و”إسرائيل”.
يتفق أكنولت باكبهان – المحاضر الدولي بجامعة “Parahyangan Catholic” في باندونغ بمقاطعة جاوة الغربية – مع ذلك قائلًا إن إندونيسيا كدولة متوسطة القوة تدعم فلسطين بشكل إستراتيجي.
وأضاف “إندونسيا الآن تخطط لتصبح دولة مؤثرة جديدة في المجتمع الدولي”، في إشارة إلى استضافة البلاد العام الماضي قمة العشرين “G20” في بالي.
ماذا بعد؟
بعيدًا عن دعم الحكومة الإندونيسية الدائم للشعب الفلسطيني، فإن الكثير من الإندونيسيين يملكون وجهات نظر سلبية ضد “إسرائيل”، تقول ممتازة من جاكرتا إنها تعارض بشدة فكرة التطبيع، وتضيف “كيف ندعم التطبيع مع دولة ترتكب جرائم ضد الإنسانية بشكل واضح على مستوى الاحتلال والاستعمار والفصل العنصري”.
وفقًا لبحث وطني أجرته مؤسسة “Saiful Mujani” للأبحاث والاستشارات في مايو/أيار 2022، فإن 69% من الإندونيسيين يكرهون “إسرائيل”، بينما يحمل 20% فقط انطباعات جيدة عن البلاد.
هذه المشاعر المعادية لـ”إسرائيل” تجري عميقًا في البلاد، حتى إن الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” حرم إندونيسيا من استضافة كأس العالم عام 2023 تحت سن الـ20، بعد أن عارض الكثير من السياسيين والمواطنين مشاركة “إسرائيل”.
أما مونيك ريجكيرس مؤسسة منظمة “Hadassah” غير الربحية، فتقول إن الوقت قد حان لانضمام إندونيسيا إلى اتفاقيات أبراهام، وتضيف “يجب أن تركز إندونيسيا على رفاهية إندونيسيا نفسها، ولحل القضية الفلسطينية يجب أن تمتلك إندونيسيا علاقات دبلوماسية، فلن يمكننا أن نقوم بأي شيء من بعيد”.
“تحتاج إندونيسيا إلى التكنولوجيا الإسرائيلية والابتكارات في مجالات الإنترنت والدفاع والصحة والطاقة الخضراء وإدارة المياه والزراعة ووسائل الاتصالات”.
ورغم أن إندونيسيا تنكر علانية أي خطط لتأسيس علاقات مع “إسرائيل”، فإنها وفقًا لإحصاءات وزارة التجارة صدرّت ما قيمته 185.2 مليون دولار من الغاز والمنتجات غير النفطية إلى “إسرائيل” عام 2022، بينما استوردت ما قيمته 47.8 مليون دولار من البضائع من “إسرائيل” هذا العام.
يقول باكبهان: “ما زالت هناك علاقات غير دبلوماسية بين إندونيسيا و”إسرائيل” وإندونيسيا ليست بعيدة تمامًا عن إقامة علاقات معها، فهناك أشياء يمكن القيام بها خارج السياق الدبلوماسي مثل نقل المعرفة”.
“ففي عصر التطور العلمي وزيادة النشاط التجاري الدولي، يبدو أن إندونيسيا ستحافظ على علاقاتها غير الدبلوماسية مع “إسرائيل””.
المصدر: ميدل إيست آي