ربما لا يخطر على بالنا كيف يمكن للملحد أن يكوّن روابط اجتماعية عادية في مجتمعات محافظة دينيًا، لا يرتبط هذا بمقدار تسامح تلك المجتمعات وتقبلها للآخر، بل لأن الإلحاد ببساطة هو الكُفر بعينه للمجتمعات الملتزمة دينيًا، فيمكن للمرء هنا أن يتعايش مع كثير من العادات السيئة الموجودة في شريكه ويحاول التأقلم معها، ولكن هل يمكننا إدراج الإلحاد ضمن “العادات السيئة”؟
لا يعتبر توصيف الإلحاد بالعادة السيئة توصيفًا صحيحًا، فبدلًا من توصيفه ذلك التوصيف التقليدي الخاص بالقواميس، يمكننا أن نسأل السؤال الصحيح، كيف يمكن تعريف الإلحاد؟ حيث لا تبدو هنا إجابة المجتمعات المتدينة أو الملتزمة مفاجأة على هذا السؤال، فقد يتم تعريف الإلحاد هنا بالكفر، وأحيانًا بالشر والخطيئة، إلا أنه انطلاقاً من مبدأ تعريف الأشياء بما يحب أصحابها التعريف بها، فإن الإلحاد من وجهة نظر الملحدين لا يعني الكفر بالإله، ولا يعني أنه دين جديد، بل هو من وجهة نظرهم ضعف في الإيمان بوجود إله، وخلل في الإيمان الغيبي بالروحانيات، ولهذا يعد تقدير أعدادهم حول العالم عملية شبه مستحيلة، ذلك لأنهم يختلفون على كثير من الأفكار والمعتقدات، يشككون ببعضها، ويؤمنون ببعضها الآخر، حتى سنجد الكثير منهم بين المسلمين والمسيحين واليهود، ولكن هل لكل هذه التفاصيل أهمية لدى النساء المصريات؟
تبدو الإجابة على السؤال السابق أنها “لا”، وذلك بعد إعلان محكمة الأسرة عن تلقيها 6500 دعوى طلاق قضائية، والسبب، “إلحاد الزوج أو تغيير العقيدة”، لترتفع قضايا “الخُلع” في مصر بسبب الإلحاد إلى ما يقرب من 30٪ بحلول نهاية عام 2016، بعدما ظهرت مؤخرًا في محاكم الأسرة والقضايا الاجتماعية في مصر، حيث لم تكن هناك مثل تلك الدعوات منذ خمس سنوات فحسب.
ارتفعت نسبة الزواج في المجتمع المصري بمعدل 1.7٪، تقابلها على النقيض الآخر ارتفاع في معدلات الطلاق وصلت إلى 11.8٪ في عام 2015
بحسب القانون المصري، تغيير الديانة يبطل الزواج، كما أن للزوجة الحق في طلب “الخُلع”، وهو القرار بالطلاق من الزوج بحُكم من المحكمة المُختصة، إذا تضررت الزوجة أدبيًا من معتقدات زوجها، إلا أنه على الرغم من نص القانون على ذلك، لم تشهد محكمة الأسرة هذا الكم الهائل من دعاوي الطلاق بسبب إلحاد الزوج، حتى قامت الكثير من الجهات بتحليله من مناظير مختلفة.
طبقًا لأحدث إحصائيات مركز التعبئة العامة والإحصاء، كانت نسبة الزواج في المجتمع المصري قد ارتفعت بمعدل 1.7٪، تقابلها على النقيض الآخر ارتفاع في معدلات الطلاق وصلت إلى 11.8٪ لعام 2015، 6500 قضية من بين تلك النسبة تندرج تحت سبب إلحاد الزوج، ولكن يبقى السؤال، كيف يتم اثبات إلحاد الزوج؟
اختلف الشارع المصري بين مؤيد ومعارض، فكان جانب المعارضة لا يجد في عذر إلحاد الزوج أي سبب مقنع للطلاق، لاسيما أن اثبات إلحاد الزوج أمر شديد التعقيد وليس بتلك البساطة التي تدعي بها زوجاتهم، حيث ذكر البعض لجوء الكثير من الزوجات لتلك الحجة للطلاق السريع من أزواجهن والتخلص من العلاقات المسيئة لهن، ذلك لعدم مرونة قانون الطلاق المصري، وتعنته في إثبات الطلاق الشفهي، وذلك بسبب كثرة إنكار الكثير من الأزواج حدوث الطلاق لعدم رغبتهم في إعطاء المرأة حقوقها المالية بعد الطلاق.
تلجأ بعض الزوجات لذكر مسألة الإلحاد لسهولة الحكم بالطلاق بسبب عدم مرونة قانون الطلاق المصري
ولكن كان الجانب الآخر من المؤيدين يرغب في تسليط الضوء على تلك الأزمة، لا سيما أن هناك حالة من السخط على بعض رجال الدين أولئك من بيدهم الأمر في مصر، متجاهلين حالة الفقر والظلم التي وصلت إليها البلاد، والتي قد تتسب فيما يتعدى الإلحاد من قضايا ستثير المجتمع المصري قريبًا، معللين أن مسألة الإلحاد ليست مقبولة مجتمعيًا على الإطلاق، فتظل الكثير من الزوجات دون علم بإلحاد أزواجهن والعكس صحيح، ولكن بظهور 6500 قضية طلاق تتمحور حول تلك المسألة، هذا يعني وجود أضعاف ذلك الرقم دون الكشف عنهم بسبب الوصمة المجتمعية للكشف عن مواضيع كتلك.
وما بين مؤيد ومعارض، خرج البعض بدعوات من أجل العلمانية في مصر في عهد “عبدالفتاح السيسي”، وإلغاء الهوية الإسلامية لمصر عن طريق ثورته الدينية المزعومة في حربه على الإسلاميين، إلى أن كانت تلك الدعوات بمثابة تأكيد على حالة التغيّر الاجتماعي بين طيات المجتمع المصري وما تؤول إليه من تفكك بعدما تمر بحالات من الفقر والزهد المدقع ولا يجد الناس غير دعوات الشيوخ بالصبر والاحتساب في المساجد.
إقرار تشريعات قانونية تضمن توقيع عقوبة جنائية على الممتنعين عن توثيق الطلاق قد يسهل من مهمة الزوجة في المطالبة بالانفصال
وكيل النيابة المصرية “محمد العيسوي” قال لموقع “الحرة” إن “إلحاد الزوج” أو تغييره لعقيدته قد يعود على الزوجة بالضرر في مناحي الحياة الاجتماعية، وهو ما يعني أنها تمتلك سببًا لرفع دعوى قضائية تطالب بانفصالها، موضحًا أن معيار تحديد هذا الضرر يكون من سلطة قاضي محكمة الأسرة، حيث أن إقرار تشريعات قانونية تضمن توقيع عقوبة جنائية على الممتنعين عن توثيق الطلاق قد يسهل من مهمة الزوجة في المطالبة بالانفصال إذا ارتأت أن توجه زوجها الديني يجلب عليها الضرر.
دعوة السيسي لإلغاء الاعتراف بالطلاق الشفوي
كان “السيسي” أيضًا على علم بنسب الطلاق المرتفعة، وارتأى أنه من الممكن الحد منها عن طريق “إلغاء قانون يوثق الطلاق الشفهي”، ولا يتم اعتبار الطلاق طلاقًا إلا أمام مأذون، وذلك في كلمة ألقاها في 24 يناير/كانون الثاني الماضي بمناسبة الاحتفال السنوي بعيد الشرطة، إلا أن أثار قرار هيئة كبار العلماء بالأزهر رفض دعوة الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” لمنع الطلاق الشفوي، جدلاً واسعًا حول مصير العلاقة بين السيسي والأزهر، حيث كانت هيئة كبار العلماء قد ردّت على دعوة الرئيس المصري بالقول إنها “تخالف ما استقرت عليه الأمة منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم”.
اختلف السيسي والأزهر في علاج أسباب المشكلة، فكانت سهولة الطلاق الشفهي السبب في النسب المرتفعة لدعوات الطلاق من جهة، وكانت مشاكل الشباب الاجتماعية في المجتمع المصري هي حجر الأساس، وبينها الفقر والبطالة و ركاكة الخطاب الديني، إلا أنه يبدو أن ذلك لن يزيد من حالات الطلاق فحسب، بل يزيد أيضًا من حالات الإلحاد، فكيف سيكون مستقبل العلاقات الاجتماعية في عهد “السيسي”؟