ترجمة وتحرير نون بوست
ينتظر أن يتوجه حوالي 13 مليون هولندي لصناديق الاقتراع يوم الأربعاء لانتخاب برلمان جديد. كما تبدو حظوظ أغلب الأحزاب متقاربة في استطلاعات الرأي، حيث أن الموضوع الذي سيطر على النقاش في الفترة الماضية كان الانقسام الكبير في هولندا الذي سببه كاره الإسلام خيرت فيلدرز.
يُعرف خيرت فيلدرز بأسلوبه الاستفزازي والمتطرف. وقد صرّح، هذا الرجل الذي يرتدي دائما بدلة فخمة زرقاء داكنة ويعتمد تسريحة غريبة لشعره الرمادي، مؤخرا إثر وصول ترامب للبيت الأبيض قائلا: “البارحة أمريكا جديدة، وغدا أوروبا جديدة”. والجدير بالذكر أن هذا السياسي الذي يقود حزب الحرية الهولندي المعادي للإسلام، حظي بترحاب حار في اجتماع الأحزاب اليمينية الشعبوية الأوروبية الذي انعقد قبل سبعة أسابيع. فقد وجد فيلدرز نفسه وسط أشباهه من الشعبويين الذين يؤمنون بأفكاره، وبشرهم بما اعتبره “بداية ربيع الوطنيين”.
طرح علماء النفس في هولندا عديد الأسئلة حول توجهات خيرت فيلدرز، وما إذا كانت عدائيته موجهة لكل الأجانب لأنه هو نفسه ينحدر من أصول أجنبية، خاصة وأن أمه جاءت من إندونيسيا
ما الذي يريده فيلدرز؟
لن يبدأ ربيع هذا العام في هولندا في 20 آذار/مارس، بل سيبدأ في 16 من هذا الشهر، حيث سينتخب حينها الهولنديون برلمانهم الجديد. في الحقيقة، يملك السياسي المستفز والشعبوي الكاره للإسلام خيرت فيلدرز، حظوظا وافرة للفوز والتقدم على الأحزاب الأخرى التي ستدخل معه للبرلمان. فحزب الحرية الهولندي يأتي في المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي بفارق ضئيل عن حزب الشعب للحرية والديمقراطية الذي ينتمي له رئيس الحكومة الحالية مارك روته، والذي يحظى لحد الآن بدعم حوالي 17 بالمائة من الناخبين.
لكن ما الذي يريده فيلدرز بالضبط؟ إنه يطالب بغلق المساجد ويعتبر أنها منتشرة بشكل لا يمكن تقبّله. كما يريد فيلدرز منع كتب القرآن في هولندا، وغلق الحدود أمام المهاجرين، وحظر دخول اللاجئين. وتأتي هذه المطالب ضمن برنامجه السياسي، حيث أنه قدم خلال هذه الانتخابات برنامجا مقتضبا وغريبا لا يتجاوز طوله صفحة واحدة يتضمّن، إلى جانب هذه المطالب الإيديولوجية، أفكار أخرى على غرار خفض الضريبة على الدخل، وخفض معاليم كراء المنازل، والخروج من الاتحاد الأوروبي.
فيلدرز يعشق عالم الأقزام والجان
ما هي اهتمامات فيلدرز؟ خلال الأسابيع السابقة للموعد الانتخابي، اضطر العديد من المحللين السياسيين الهولنديين للتوجه لمكان غريب لفهم فيلدرز، وهو مدينة ملاهي “إفتيلنغ” أو “عالم العجائب” كما تسمى، الموجودة في مدينة كاتشوفل. فقد تحدث فيلدرز في عدة مناسبات عن افتتانه بهذا المكان، ورغبته في زيارته دائما وركوب لعبة “رحلة الأحلام”، التي تمكنه من مقابلة الأقزام والجان والغابات السحرية.
يملك السياسي المستفز والشعبوي الكاره للإسلام خيرت فيلدرز، حظوظا وافرة للفوز والتقدم على الأحزاب الأخرى التي ستدخل معه للبرلمان
وقد سئل الفيلسوف الهولندي دان أوستيفين من جامعة أمستردام مؤخرا عن رأيه في شخصية يتجاوز عمرها الخمسين سنة وتتحدث بهذا الشكل عن مدينة الملاهي، فقال إن “فيلدرز شخص تحركه الإيديولوجيا والخيال”.
في المقابل، يبدو هذا الرجل أكثر خطورة من ذلك. فقد أثبت قدرته على تحريك مشاعر الناس وتحريضهم من خلال خطاباته النارية، كالذي ألقاه في مدينة لاهاي في سنة 2014، حيث حرّض الحاضرين على التفاعل معه وترديد أغنية تقول كلماتها “نريد التقليل منهم”، في معرض موضوعه عن أعداد المهاجرين المغاربة. وعلى الرغم من هذا التمييز العنصري الواضح مرت الحادثة دون أن يحاسب فيلدرز على ما ارتكبه.
فيلدرز مهووس بأفكاره
من جهة أخرى، يعاني فيلدرز من هوس كبير بالأفكار التي يتحدث عنها، ولكن خطاباته المستفزة والمتطرفة جعلته يدفع ثمنا غاليا، فهو يتحرك برفقة حماية أمنية مشددة على مدار الساعة وكامل أيام الأسبوع، تؤمنها له مجموعة من الحراس الشخصيين لا يقل عددهم في أي وقت عن ستة.
قبل بضعة أسابيع، قام أحد هؤلاء الحراس الشخصيين بتسريب معلومات حول هذه الإجراءات الأمنية إلى مصادر بهولندا، وهو ما اشتكى منه فيلدرز في كل الاجتماعات الانتخابية التي حضرها. ومنذ سنة 2004، يتمتع هذا السياسي غريب الأطوار، الذي ينحدر من بلدة فيلو الحدودية، بحماية على مدار الساعة، كما أن عنوانه غير معروف بالتحديد. وقد صرّح فيلدرز للتلفزيون الهولندي قبل أيام بأنه سعيد مع زوجته نظرا لأن ليس لهما أطفال.
في الأثناء، تعد مخاوف السلطات الهولندية على سلامة فيلدرز أمرا مفهوما، إذ أن هناك سياسيين آخرين مستفزين لقوْا مصيرا مشؤوما، وهم السياسي بيم فورتين الذي كان يتبنى مواقف معادية للإسلام، ومخرج الأفلام تيو فان غوخ، بعد أن قتلا خلال حادثتي اغتيال. فقد تم إطلاق النار على بيم فورتين في سنة 2002 من قبل ناشط مدافع عن حقوق الحيوان. أما فان غوخ، فقد تعرض لإطلاق النار في الطريق في سنة 2004، ثم تم قطع عنقه في مدينة أمستردام.
يعاني فيلدرز من هوس كبير بالأفكار التي يتحدث عنها، ولكن خطاباته المستفزة والمتطرفة جعلته يدفع ثمنا غاليا، فهو يتحرك برفقة حماية أمنية مشددة على مدار الساعة وكامل أيام الأسبوع
بالتالي، تحولت هولندا التي كانت في يوم ما نموذجا للعيش في رفاهية وانسجام وتسامح، إلى بلد منقسم يشهد تجاذبات سياسية حادة، فقد انتهت حقبة الهدوء مع اغتيال بيم فورتين.
هولندا منقسمة
أصبحت ميزة الليبرالية والحرية التي لطالما افتخرت بها هولندا على المحك في الفترة الحالية، إذ أنها تعاني من حالة استقطاب حادة. وهذا الصدد، قال عالم الاجتماع كوين دامهوس، الذي درس ظاهرة خيرت فيلدرز في كتاب أصدره يحمل عنوان “تشخيص أزمة الثقة السياسية في هولندا”، إن “الأجانب في هذا الوضع سرعان ما يتم تحويلهم إلى تهديد”.
من جانب آخر، طرح علماء النفس في هولندا عديد الأسئلة حول توجهات خيرت فيلدرز، وما إذا كانت عدائيته موجهة لكل الأجانب لأنه هو نفسه ينحدر من أصول أجنبية، خاصة وأن أمه جاءت من إندونيسيا.
تحولت هولندا التي كانت في يوم ما نموذجا للعيش في رفاهية وانسجام وتسامح، إلى بلد منقسم يشهد تجاذبات سياسية حادة، فقد انتهت حقبة الهدوء مع اغتيال بيم فورتين
الشعور السائد هو الغضب
يعد النجاح الذي حققه خيرت فيلدرز في الفترة الأخيرة مذهلا. فقد استفاد من الأجواء السائدة، إذ أنه على الرغم من تحسن الأوضاع الاقتصادية في هولندا بعد سنوات من المشاكل، إلا أن الأجواء العامة في البلاد يغلب عليها الغضب وليس الفرح، في صفوف هذا الشعب الذي يمثل فيه المنحدرون من دول إسلامية حوالي 5 بالمائة.
في الحقيقة، إن الشيء الوحيد المؤكد هو أن هذا السياسي الهزيل ذو الملامح الشقراء ينظر إليه الكثيرون على أنه مرآة تعكس الوضع السياسي في هولندا. وقد أظهر رئيس الوزراء مارك روته، المنتمي لحزب الشعب للحرية والديمقراطية اليميني، ترددا كبيرا حول إمكانية مشاركته في حكومة مقبلة يقودها فيلدرز. ويفضل روته دائما الإشارة إلى فيلدرز بعبارة “صديقنا الأشقر”. كما لا يعارض روته الأسلوب الاستفزازي والتحريضي الذي يستعمله فيلدرز ضد الأقليات فقط، بل أيضا برنامجه الاقتصادي.
مارك روته هو المرشح الذي تفضله ميركل
يقدم روته نفسه على أنه رجل سلام، حيث نجح في الواقع في دفع عجلة الاقتصاد في بلاده بعد سنوات من الانكماش والتعثر. في المقابل، يعارض هذا السياسي فكرة التنوع الثقافي، ويشدد على أهمية فرض قواعد صارمة للاندماج. وفي هذا السياق، صرح روته مؤخرا قائلا: “أنا أكره التعددية الثقافية”. وقبل أشهر قليلة، وجّه روته خطابا استفزازيا للشباب التركي في هولندا قائلا: “اغربوا عن وجهي”. وتجدر الإشارة إلى أن هذا السياسي الذي يختص في مجال التاريخ، يعدّ من بين المرشحين المفضلين لدى أنجيلا ميركل. فهي تعبر عن إعجابها بأسلوبه الواعي والمنظم، وتحب التحاور معه.
أصبحت ميزة الليبرالية والحرية التي لطالما افتخرت بها هولندا على المحك في الفترة الحالية، إذ أنها تعاني من حالة استقطاب حادة
رئيس الوزراء أيضا يستعمل الأسلوب العدائي
قبل أسابيع قليلة، اعتمد روته أسلوبا سياسيا انتهازيا واستغل الفرصة لشنّ هجوم ضد المهاجرين وذلك خلال رسالة حملت عنوان “إلى كل الهولنديين”، حيث استنكر فيها ما اعتبرها “السلوك المنحرف لأبناء المهاجرين الذين يبصقون في الشارع ويرمون القمامة في الطريق ويهددون الناس ويتهجمون على النساء اللواتي يرتدين تنانيرا قصيرة”. كما قال روته أيضا: “يجب إما أن تكونوا طبيعيين أو تذهبوا بعيدا”. وقد اعتبر كثيرون حينها هذا الخطاب تهديدا للمهاجرين، إلا أن رئيس الوزراء حاول التهرب من هذا التفسير عوض نفيه تماما.
من ناحية أخرى، تنتظر هولندا يوم الأربعاء أحداثا مثيرة، حيث سيتوجه 13 مليون ناخب نحو صناديق الاقتراع. وقد حقق الحزب الذي يقوده مارك روته تقدما طفيفا في استطلاعات الرأي في الأيام القليلة الماضية، وهو يتصدر الآن الترتيب بحوالي 17 بالمائة.
بعد الأزمة التي اندلعت بين أنقرة وروتردام على خلفية منع الوزراء الأتراك من حضور الاجتماعات الانتخابية، فقد أظهرت عديد الأحزاب الهولندية تضامنا كبيرا مع موقف حكومتها
لكن في المقابل، لا يمكنه توقع النتائج وهو يتوقع منافسة قوية من حزب الحرية الهولندي الذي يقوده خيرت فيلدرز. كما أن لا أحد يمكنه توقع ما ستكون عليه الحكومة التي ستشكل على ضوء هذه الانتخابات. فخلال فترة سابقة كان روته قد عبّر عن استعداده للعمل مع الشعبويين، إلا أنه تراجع في الفترة الأخيرة عن ذلك وتعهد بعدم التعاون مع فيلدرز في كل الأحوال.
أما بعد الأزمة التي اندلعت بين أنقرة وروتردام على خلفية منع الوزراء الأتراك من حضور الاجتماعات الانتخابية، فقد أظهرت عديد الأحزاب الهولندية تضامنا كبيرا مع موقف حكومتها. في المقابل، هاجم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو هولندا معتبرا أن “خيرت فيلدرز سيكون سعيدا بهذا القرار الذي اتخذته حكومة بلاده”.
كما اعتبر أوغلو أيضا أنه “لا فرق بين فيلدرز المتطرف والشعبوي وأصحاب القرار في هولندا”. كما يذكر أن كل الأحزاب، باستثناء حزب “دينك” (تعني التفكير) الذي يمثل المهاجرين في هولندا، ساندت قرار الحكومة الألمانية بمنع السياسيين الأتراك من دخول البلاد في الفترة الحالية.
المصدر: موقع فوكاس