عاد المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، إلى التحرك من جديد للعمل على تقارب وجهة نظر الأطراف المتصارعة على السلطة في البلاد، وفي جعبته هذه المرة قرارًا أمميًا يحمل الرقم 2342، يدعو فيه الأطراف إلى عملية الانتقال السياسي ووقف الحرب.
القرار الجديد الذي يناقض سابقه (2216) الصادر في 14 من أبريل، 2015، إضافة إلى التحركات السياسية والضغوط الدولية على الحكومة المدعومة من الرياض وتمسك الإدارة الأمريكية الجديدة بمبادرة جون كيري وزير خارجيتها السابق، كلها عوامل أشعلت الجبهة الشرقية للعاصمة اليمنية صنعاء بغية إثبات عدم صحة ما بات ثابتًا في قناعة الجميع أن الحرب لا يمكن أن تفضي إلى انتصار أي جهة في الحالة اليمنية والخاسر الأوحد فيها هو اليمني وبنيته التحتية.
ونقلت جريدة الشرق الأوسط السعودية عن السفير الأمريكي لدى اليمن ماثيو تولر قوله إن نهج الحكومة الأمريكية لا يزال في سبيل الوصول إلى حل للصراع في اليمن كما هو، من دون تغيير، وما من خيار لحل عسكري متاح أمام أي من أي الأطراف المتنازعة، والحل الوحيد يتأتى من مفاوضات السلام الشامل، وهو ما يتطلب حلولاً وسطًا من جميع الأطراف إن أرادوا حقًا رؤية السلام الدائم يعم اليمن.
مبادرة جديدة
وسط ذلك الحديث، خرجت وسائل إعلام يمنية بما أسمتها “تسريبات” لبنود جديدة أو تعديل لمبادرة جون كيري، تتألف من أربعة بنود رئيسية جلها في صالح الحكومة المعترف بها دوليًا وتحديدًا الرئيس، وهي بقاء الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لمرحلة انتقالية بكامل صلاحياته وإلغاء منصب نائب الرئيس الذي يشغله حاليًا الجنرال علي محسن الأحمر وتشكيل حكومة وطنية بكامل الصلاحيات وتسليم جماعة الحوثي السلاح للألوية العسكرية الموجودة في حضرموت بعد انتقالها للتمركز في صنعاء.
إن تعديل المبادرة الأممية أو ما تسمى مبادرة جون كيري إعلاميًا، كشفت لأول مرة الطرف الثالث فيمن يجب تسليم السلاح الثقيل له، وهو الجيش الموالي للإمارات العربية المتحدة الموجود في حضرموت بعد انتقاله إلى صنعاء للتمركز فيها
وبغض النظر عن صحة من عدم تلك التسريبات التي بدأ الحديث عنها بشكل رسمي والتسويق لها من قبل حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وإعلامه، فإنها ستأخذ وقتًا عبثيًا من حياة اليمنيين ومقدراتهم، ولن تجد طريقها للتنفيذ لأنها لم ترتكز على معالجات حقيقة وإنما جاءت لإرضاء شخص واحد في الحرب، وضد بقية الأطراف سواء من كان معه أو ضده.
فهي قدمت الجنرال القريب من جماعة الإخوان المسلمين علي محسن الأحمر، قربانًا في هذه الحرب، واعتبرت أنه المشكلة الحقيقية في الحرب، على عكس الحقيقة والواقع الذي يعد الرئيس اليمني ذاته سببًا رئيسيًا في هذه الحرب العبثية نتيجة لمواقفه التي تراكمت منذ اجتياح الحوثي منطقة دماج في يناير 2014 تحت إشرافه، ومن ثم محافظة عمران وفقًا لخطة كان شريكًا فيها مع الإمارات العربية المتحدة للقضاء على ما يسمونها القوة العسكرية للإخوان المسلمين في اليمن.
إضافة إلى ذلك، فإن تعديل المبادرة الأممية أو ما تسمى مبادرة جون كيري إعلاميًا، كشفت لأول مرة الطرف الثالث فيمن يجب تسليم السلاح الثقيل له، وهو الجيش الموالي للإمارات العربية المتحدة الموجود في حضرموت بعد انتقاله إلى صنعاء للتمركز فيها.
لن تنته الحرب ولن يقبل الحوثيون مبادرة كهذه، ليس بها بوادر نية على إنهاء الحرب ومعاناة ملايين اليمنيين منها، فلن يقبل الحوثيون أن تحل الإمارات أو من ينوب عنها مكان مليشياتهم، ولن يقبل هادي نفسه وجود الإمارات في اليمن نتيجة لما يعانيه منهم في عدن ولمواقفها المريبة من وجودها في البلاد.
حتى لحظة كتابة هذا الموضوع، وإن كان هناك تحركًا دوليًا على مضض، فلا أفق لحل الصراع اليمني على الأقل في الأفق المنظور، نتيجة لأن الظروف لم تتهيأ للسلام بعد
إضافة إلى ذلك، لن يقبل الحوثيون أي حل سياسي ما لم يكن لهم هناك ضمانات من عدم ملاحقتهم أمنيًا أو قضائيًا، ويكون لهم أذرع في الجيش والأمن والدولة لتخوفهم من الانتقام الشعبي والقبلي لهم.
هذا التخوف له أسبابه، فالجماعة أوغلت في العنف ضد كل من يخالفها أو حتى من يقف على الحياد، لذلك تعي جيدًا أن هذه التجاوزات التي قامت بها ستكون تبعاتها كبيرة، خصوصًا في مجتمع قبلي كالمجتمع اليمني الذي لن ينسى ثأره الذي سينتقل عبر الأجيال.
لهذا ترى الجماعة أن أي تسوية تُعيد الأمن والاستقرار إلى البلاد في ظل حكومة لا تخضع لسيطرتها سيكون لها مآلاتها السيئة عليها وعلى من والاها وصار على نهجها في استخدام العنف، فخضوع المجتمع حاليًّا لهذه الجماعة ناتج عن العنف الشديد المستخدم ضده، وعن عدم وجود رادع للأفعال التي يقوم بها أفراد الجماعة وإفراطهم في القتل دون مساءلة أو عقاب.
الأحمر استشعر خطر إقالته من منصبه كنائب للرئيس وأشعل جبهات نهم
احتدام الصراع في الجبهات
من الملاحظ أن مع أي حديث جديد عن تحركات للمبعوث الأممي لمحاولة تقريب وجهات نظر الأطراف المتخاصمة في اليمن، تشتعل جبهات عدة في اليمن، يرافقها أخبار إعلامية وبغزارة عن تقدم حوثي في الحدود السعودية، وكذلك تقدم حكومي في جبال نهم شرقي العاصمة اليمنية صنعاء، بينما الواقع يقول إن من يذهب إلى الحدود السعودية من الحوثيين لا يعود وكذلك الحال بالنسبة لقوات الحكومة المعترف بها في جبال نهم، إلا جثث هامدة، نتيجة لشراسة القتال في تلك الجبهات، ومن الصعب أن تسجل القوات الحكومية اختراقًا في جدار تحصين صنعاء، وإن كانت الحكومة أعلنت أكثر من مرة منذ عام أن مطار صنعاء بات تحت السيطرة النارية.
وعودة الحديث عن الحرب في جبال نهم يبدو أنها متعلقة بالتسريبات الإعلامية عن تعديلات في مبادرة جون كيري، وإلغاء منصب نائب الرئيس الذي يتقلده الجنرال علي محسن الأحمر، وهو ذاته من يقود جبهة نهم (شمال شرق العاصمة صنعاء)، واحتدام الصراع في هذه الجبهة هو محاولة منه لفرض واقع جديد، ومعادلة ثلاثية يحاول من خلالها البقاء في المشهد السياسي وعدم السماح للخسارة الثانية على التوالي من قبل جماعة الحوثيين وضمان مستقبل سياسي في الحكومة المقبلة إن وجدت.
صالح يعتبر أن الخسارة في هذا الموقع قد تكون جزءًا من سلسلة مترابطة إن سقطت يسهل تفكيك الحلقات الأخرى، والوصول إلى صنعاء عبرها مسألة وقت
وعلى الرغم من احتدام الصراع في هذه الجبهة لمحاولة تغيير موازين القوى على الأرض، هناك تراجع ملحوظ للقوات الإماراتية والانفصالية (يعتبرها الإعلام موالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي)، في المخا الساحل الغربي في اليمن وسط تقدم مستمر للقوات الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، ولهذا التراجع تفسيرين.
الأول، إما أن صالح يعتبر أن الخسارة في هذا الموقع قد تكون جزءًا من سلسلة مترابطة إن سقطت يسهل تفكيك الحلقات الأخرى، والوصول إلى صنعاء عبرها مسألة وقت، وبالتالي فإنه رمى بقوات نخبة متدربة تستطيع تفادي ضربات الطيران وقناصة ماهرة، إلى هذه الجبهة، وهو ما يلاحظ من خلال حديثه في اجتماع مع زعماء قبليين، أنه أعد مصيدة لقوات التحالف في المخا.
الثاني، أن الإمارات العربية المتحدة خفت الضغط في هذه الجبهة بسبب الخسائر الفادحة التي تتلقاها يوميًا، هذا من جانب، ومن جانب آخر بسبب الخلافات البينية مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والمملكة العربية السعودية نتيجة لأهدافها المريبة في اليمن، والتي تعمل على تثبيت واقع مخالف لأهداف عاصفة الحزم في اليمن من خلال دعمها انفصال الجنوب عن اليمن.
لكن هناك احتمال ضعيف لتوقف وتراجع القوات الإماراتية والانفصالية في الساحل الغربي لليمن لا سيما مدينة المخا، نتيجة لضغوط أمريكية من أجل إعطاء فرصة للتحركات الأممية الحالية لإيجاد تسوية سياسية، حتى لا يتمسك الرئيس هادي بشروطه التي تعيق التسوية السياسية، وكذلك يكون التوقف هناك بمثابة الضغط على الحوثيين والقوات الموالية لصالح، مفادها إن لم يكن السلام فبديله التقدم على الأرض لفرض واقع آخر وهو الهزيمة مهما كلف الثمن.
عودة الحديث عن الحرب في جبال نهم يبدو أنها متعلقة بالتسريبات الإعلامية عن تعديلات في مبادرة جون كيري، وإلغاء منصب نائب الرئيس الذي يتقلده الجنرال علي محسن الأحمر
هل هناك أمل للسلام؟
حتى لحظة كتابة هذا الموضوع، وإن كان هناك تحركًا دوليًا على مضض، فلا أفق لحل الصراع اليمني على الأقل في الأفق المنظور، نتيجة لأن الظروف لم تتهيأ للسلام بعد، كما أن الوضع الداخلي ما زال يُشير إلى زيادة التمترس والاحتقان، في حين أن البعض قد أصابه الإحباط وفقدان الأمل في الوصول إلى حل، كون كل اللقاءات التي جرت لإيجاد تسوية تنتهي من حيث بدأت.
ويدل ذلك على عدم وجود نوايا حقيقية لكل من الرئيس اليمني الذي يرفض تقديم تنازلات حقيقية ويتمسك بالمرجعيات الثلاثة (قرار مجلس الأمن الدولي 2216، المبادرة الخليجية، مخرجات الحوار الوطني في صنعاء) وكذلك رفض جماعة الحوثي العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل 21 من سبتمبر 2014، حتى بعد اتفاقهم مع علي عبد الله صالح.