في الوقت الذي تشهد فيه مناطق موريتانية عدة أزمة مياه حادة تهدد حياة سكان البلاد، توجه الحكومة نظرها وتركز عملها وجهودها لتمرير تعديلات دستورية تعارضها عديد من القوى، في إشارة لعدم اكتراثها بمشاكل الشعب الحقيقية.
تحذير من تفاقم الأزمة
مع انطلاق موجة الحر واقتراب موسم الصيف، تتجدد معاناة الموريتانيين من نقص المياه أو انعدامها في بعض المناطق، حيث تشهد الآن مناطق عديدة من البلاد أزمة مياه كبيرة سببت العطش لآلاف السكان خاصة في المناطق الشرقية للبلاد، وقال حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل”، أمس الإثنين، إن خطر العطش يهدد تجمعات سكانية كبيرة في أغلب مدن وقرى ولاية الحوض الشرقي.
وتشهد مناطق واسعة بالشرق الموريتاني، أزمة مياه خانقة نتيجة نقص مياه الشرب الذي رافقه ارتفاع في درجات الحرارة، مما زاد من مخاوف تفاقم الأزمة، خصوصًا في المناطق الصحراوية البعيدة عن المراكز الحضرية، حيث تنعدم شبكات مياه الشرب وتنضب الآبار التقليدية، وأصبح عديد من السكان عاجزين عن توفير احتياجاتهم اليومية من مياه الشرب، ويخشى سكان المنطقة من تواصل هذه الأزمة المتكررة منذ سنوات في ظل عدم تدخل الدولة لحلها، محذرين من حدوث الكارثة في حال تواصلها.
نقص الأمطار يهدد الطبقة المائية للبلاد
ويعتمد السكان على خزانات المياه التي تشرف عليها البلديات التي تبيع براميل الماء لباعة الماء بسعر 200 أوقية للبرميل، فيما تقدم للمواطنين المياه مجانًا الذين باستطاعتهم نقلها، بشرط ألا تتجاوز سعة البرميل 50 لترًا، فيما يشتري الأغنياء صهاريج المياه ويضعونها في خزانات كبيرة ملحقة بمنازلهم .
وتعاني غالبية القرى والأرياف في موريتانيا من مشكلة العطش وندرة المياه وقلة الآبار الارتوازية، وتبقى الآبار التقليدية ذات المياه الضحلة والقليلة جدًا هي الوسيلة الوحيدة أمام سكان تلك القرى للحصول على مياه الشرب والسقي في آن واحد، رغم ملوحتها الزائدة وعدم صلاحيتها للشرب وفق المعايير الصحية.
في وقت سابق، نظم عدد من شباب “النعمة” وقفة احتجاجية أمام مبنى محافظة الحوض الشرقي مطالبين بحل مشكلة العطش في مدينتهم وتوفير المياه الصالحة للشرب قبل دخول فصل الصيف، خوفًا من تفاقم الأزمة، ويحذر الخبراء من خطورة إهمال المشكلة، خاصة أن بعض المناطق القروية أضحت في عداد المناطق المنكوبة، بعد تقلص مستوى المياه الصالحة للشرب.
تتميز طبيعة موريتانيا الصحراوية بقلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة والتصحر
ولا تقتصر الأزمة على السكان وحدهم، فالحيوانات أيضًا تواجه أوضاعًا صعبة بسبب النقص الحاد في المياه، وهو ما بات يهدد الثروة الحيوانية في الأرياف، التي تمثل أحد أهم الموارد الاقتصادية لموريتانيا ومصدر رزق للعائلات، حسب عديد من المراقبين، وتتميز طبيعة موريتانيا الصحراوية بقلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة والتصحر، وهو ما يجعل مواردها المائية مهددة بالنضوب، خاصة مع التوسع العمراني وتزايد عدد السكان.
غياب الدولة
رغم شدة هذه الأزمة، لم تلتفت إليها الحكومة الموريتانية التي ركزت كل عملها وجهدها لتمرير التعديلات الدستورية التي ترفضها العديد من القوى في البلاد، وما فتئت الحكومة الموريتانية تتجاهل مشاكل الشعب الحقيقة وتتوجه نحو خلق مشاكل أخرى قصد إلهائه عن القضايا المهمة التي تواجهه، وأصبح الاحتجاج بحمل قوارير الماء أمرًا اعتياديًا في موريتانيا حيث يلاحق المحتجون المسؤولين وحتى الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز خلال أنشطته وزياراته المختلفة.
وعادة ما تلقي الحكومة باللائمة في هذه المشكلة على ما تسميه بـ”التقري العشوائي” (الانتشار العشوائي للقرى)، وتردد أن موارد الدولة لا يمكن أن تفي بمتطلبات كل القرى الصغيرة، وتدعو إلى تجميع القرى.
البرلمان الموريتاني يصادق على التعديلات الدستورية
وسبق أن أعلنت الحكومة الحالية أنها بصدد الانتهاء قريبًا من مشروع تقول إنه سيحد من تفاقم أزمة مياه الشرب في البلاد، وهو مشروع “آفطوط الساحلي”، من خلال ربط العاصمة نواكشوط ومناطق أخرى بنهر السنغال، عن طريق أنابيب ضخ عملاقة على طول نحو 200 كلم، إلا أن هذا الإعلان دائمًا ما يتكرر دون أن ينفذ، الأمر الذي زاد من قلق السكان وعدم رضاهم عن الحكومة، حسب عديد من الخبراء.
ولم تستطع الحكومات المتعاقبة حل مشكلة نقص المياه التي تشهدها مناطق عدة من البلاد، وظلت الخطط التي وضعت لمعالجة هذه الأزمة غير قادرة على مواجهة الطلب المتزايد للسكان، وكثيرًا ما تسبب العطش في هلاك أسر وسط الصحراء أو في الأرياف وحتى المناطق القريبة من المدن، لتنضاف أزمة العطش إلى أزمات أخرى كارتفاع الأسعار والفقر وضعف الخدمات الصحية والتعليمية.
رغم ما حققته الحكومة من إنجازات فيما يخص قطاع المياه، إلا أنها لم تف بالحاجة
وكشفت دراسات محلية ودولية أن موريتانيا تعد من الدول الأكثر هشاشة في مجال المياه بالعالم، حيث صنفت ضمن الدول الأقل استقرارًا بفعل قلة مصادر المياه، وتقول الحكومة إنها حققت عدة إنجازات فيما يخص قطاع المياه خلال الفترة ما بين 2009 و2015، حيث تم حفر 368 بئرًا ارتوازية، و494 شبكة مياه منها 200 شبكة مجهزة بالطاقة الشمسية في الوسط الريفي، إلا أن هذه المشاريع لم تف بالحاجة.