صار الاستثمار الأجنبي المباشر أحد أكثر المصطلحات استخدامًا في السنوات الماضية في العديد من الأقطار العربية خصوصًا والدول النامية عمومًا، مع عقد المؤتمرات الاستثمارية الدولية وطرح برامج وسياسات خاصة لجذب المستثمرين الأجانب للقدوم والاستثمار في مجالات الاستثمار المختلفة، وساد اعتقاد أن الاستثمار الأجنبي المباشر هو المسؤول عن التنمية الاقتصادية وفي حال عدم إيجاد طرق لجذب تلك الاستثمارات فإن التنمية الاقتصادية لن تحدث.
الزيادة في حجم التدفقات في الاستثمارات الأجنبية بين دول العالم خلال العقود الماضية سببها التغيرات التي طرأت على هيكل الاقتصاد العالمي والتي تركزت في الاتجاه المتزايد نحو اقتصاد السوق في الدول النامية والعولمة وتحرير نظم التجارة والاستثمار، فضلاً عن زيادة مساهمة هذه الدول في التكامل الاقتصادي العالمي.
الاستثمار الأجنبي المباشر
هو قيام مستثمر بالاستثمار في مشروعات تقع خارج حدود الوطن الأم وذلك بهدف ممارسة قدر من التأثير على عمليات تلك المشروعات، على أن ذلك الاستثمار قد يأخذ أشكالًا عديدة من بينها إنشاء مشروع جديد بالكامل أو الاستحواذ على أصول شركة قائمة أو من خلال عمليات الدمج والتملك، ويجب الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أن المستثمر قد يمثل شركة أو منشأة أو دولة أو صندوق استثماري أو محفظة استثمارية.
وقد حدد صندوق النقد الدولي في نشرته أن الاستثمار الأجنبي يكون مباشرًا حين يمتلك المستثمر 10% أو أكثر من أسهم رأس مال إحدى الشركات، على أن ترتبط هذه الملكية بالقدرة على التأثير في إدارة الشركة.
بلغت تقديرات الاستثمارات الأجنبية المباشرة حول العالم في العام 2016 نحو 1.52 ترليون دولار
ووفق التعريف فإن الاستثمار الأجنبي لا يكون مباشرًا إذا لم يكن للمستثمر أي تأثير على الشركة المستثمر فيها، كتدخله في قرارات الشركة ومجلس الإدارة وما إلى ذلك، أما الاستثمار الأجنبي غير المباشر فهو استثمار في الأوراق المالية عن طريق شراء سندات الخزانة وسندات الشركات أو شراء أسهم في الشركات المدرجة في الأسواق المالية، فاستثمار السعودية في سندات الخزانة الأمريكية يعد استثمارًا أجنبيًا غير مباشر.
يذكر أن هذا النوع من الاستثمار ليس حديثًا في الدول النامية بل يعود إلى القرن التاسع العشر، حيث تركزت في قطاعات معينة منها قطاعات المعادن والزراعة والخدمات العامة كالكهرباء والاتصالات بأنواعها، ويُذكر أيضًا أن الرصيد العالمي المتراكم من الاستثمار الأجنبي المباشر قدر بنحو 15 مليار دولار في العام 1914 وكانت الشركات البريطانية أكبر المستثمرين تليها الأمريكية والألمانية وأكبر المتلقين لذلك الاستثمار هم الولايات المتحدة، وبحلول العام 1938 بلغ الاستثمار الأجنبي 66 مليار دولار.
المؤتمر الاستثماري في تونس
بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت الشركات الأمريكية مصدر ذلك الاستثمار وتحول الاستثمار من قطاعات الزراعة والتعدين والبنية الأساسية إلى الصناعات التحويلية، وخلال الخمسينيات والستينيات كانت أغلب الدول النامية تعتمد الاقتصاد الموجه والمغلق في إدارة الاقتصاد وتحقيق التنمية الاقتصادية، إذ كان هناك خوف من الآثار السلبية للاستثمار الأجنبي المباشر مثل خلق تبعية للاقتصاد وإضعاف الشركات المحلية وتدخل تلك الاستثمارات في سياسات الدول.
وفي السبعينيات اعتمدت الدول النامية على قطاعات الصناعات الاستخراجية كالبترول والغاز مما وفر أموال فائضة في ميزان المدفوعات شكلت مصدرًا مهمًا لرأس المال القابل للاستثمار في تلك الدول دون الحاجة إلى استثمار أجنبي مباشر.
السعودية في المركز الثاني لاستقبال الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2015 بقيمة 8.1 مليارات دولار وبحصة 20.4%
وبعد هبوط أسعار المواد الأولية والكساد الاقتصادي في الدول الصناعية في منتصف الثمانينيات، أصاب الركود الدول النامية وعانت من أزمات أجبرتها على تحرير بيئة الاستثمار وتخفيف القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي المباشر وتنفيذ إصلاحات هيكلية وخصخصة الشركات وتحرير سياسات التجارة الخارجية، فتدفقت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في النصف الثاني من عقد الثمانينيات إلى الدول النامية والدول الاشتراكية كالصين ودول أوروبا الشرقية استجابة لتلك التغيرات، وتركزت على الاستثمار في الصناعات الموجهة للتصدير مستفيدة من رخص اليد العاملة.
أما في التسعينيات صار المال أكثر تحركًا بين دول العالم وتطورت أشكال الاستثمارات الأجنبية المباشرة ووقعت اتفاقيات ومعاهدات ثنائية لتنظيمها.
أنواع الاستثمار الأجنبي المباشر
تصنف أنواع الاستثمار الأجنبي المباشر وفق عدة محددات، فهناك استثمارات تبحث عن مصادر المواد الأولية كالنفط والغاز والمنتجات الزراعية، بالإضافة إلى البحث عن اليد العاملة الماهرة والمدربة والرخيصة، ويوجد من الاستثمارات ما يبحث عن الأسواق لتلبية الطلبات الاستهلاكية في تلك الأسواق.
وهناك من يصنف الاستثمار الأجنبي المباشر من حيث الدولة المصدرة للاستثمار إلى 3 أنواع هي الأفقي والعمودي والمختلط، حيث يهدف النوع الأول إلى التوسع الاستثماري في الدول المتلقية بغرض إنتاج سلع مشابهة للسلع المنتجة محليًا، ويهدف النوع الثاني إلى استغلال المواد الأولى للاقتراب أكثر من المستهليكن من خلال التملك أو منافذ التوزيع، ويشمل المختلط كلا النوعين السابقين.
تصدرت الولايات المتحدة قائمة الدول التي تلقت أكبر استثمارات أجنبية مباشرة بنحو 385 مليار دولار
ومن حيث الدول المتلقية للاستثمار يمكن أن يقسم الاستثمار الأجنبي المباشر إلى استثمارات هادفة إلى إحلال الواردات أو إلى زيادة الصادرات، وأخيرًا استثمارات أجنبية بمبادرة حكومية.
عوامل جذب الاستثمار الأجنبي المباشر
تختلف عوامل جذب الاستثمار الأجنبي المباشر بين بلد وآخر وذلك وفقًا لسياسات تلك الدول ورغبتها في فتح أسواقها للاستثمار الأجنبي المباشر ومدى ملاءمتها للبنية الاقتصادية لقيام تلك الاستثمارات.
وتهتم الاستثمارات الأجنبية المباشرة بعدة عوامل أبرزها السياسات التي تعتمدها الحكومة للاستثمار داخل البلد كقوانين العمل والدخول ومعايير معاملة فروع الشركات الأجنبية وسياسات برامج الخصخصة والسياسة الضريبية والتعريفات الجمركية بالإضافة إلى الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في البلاد.
تصدرت الإمارات قائمة تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة باستحواذها على 27.5% بقيمة 11 مليار دولار في العام 2015
وهناك معايير تتعلق بدعم وتعزيز الاستثمار وتتضمن تحسين المناخ الاستثماري وسمعة الدول وتوفير الخدمات التمويلية اللازمة والحوافز الاستثمارية وخدمات ما بعد الاستثمار بالإضافة إلى الفساد وسوء الإدارة الموجود في البلد وأثره على التكلفة.
هناك أيضًا عوامل اقتصادية تتعلق بالسوق والموارد والكلف، فالاستثمار الأجنبي سيلتفت للبلدان ذات الأسواق الكبيرة ومعدلات الدخل العالية ومعدلات نمو الأسواق وقدرة الوصول إلى الأسواق العالمية، فالاستثمار الأجبني مهتم بتوفر المواد الخام والعمالة الرخيصة وكفاءتها وتوفر التكنولوجيا والابتكارات كذلك، وبالطبع لا يمكن إغفال عوامل الكلف التي تتعلق بكلفة الأصول والموارد وكلفة المدخلات الإنتاجية والنقل والاتصالات.
أهمية الاستثمار الأجنبي المباشر
تحقيق التنمية الاقتصادية في أي دولة يعتمد إما على تسخير المدخرات الوطنية سواء لدى الأفراد أو المؤسسات داخل البلد نحو زيادة المقدرة الإنتاجية من خلال الإنفاق على إنتاج السلع الإنتاجية، وفي حال عدم وجود المدخرات الوطنية أو عدم كفايتها في تمويل الحاجات المختلفة، تلجأ الدولة للاستعانة بالاستثمارات الأجنية المباشرة وغير المباشرة.
وتأتي أهمية هذه الاستثمارات في زيادة الإنتاجية وبالتالي زيادة الدخل القومي ومتوسط دخل الفرد وتحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص عمل للسكان وبالتالي تخفيض نسبة البطالة وحصول البلد على العملات الأجنبية الصعبة من خلال السلع التصديرية وبالتالي تأثيره الإيجابي على ميزان المدفوعات.
جاءت بريطانيا في المرتبة الثانية باستقبال الاستتثمارات الأجنبية المباشرة وقدرها 179 مليار دولار
أما عن أهداف هذا النوع من الاستثمار فيقسم إلى هدف اقتصادي يتركز في تحقيق الأرباح في الدول المضيفة للاستثمار مستفيدة من العوامل التي تكلمنا عنها، وهناك هدف سياسي يتعلق بتمتين العلاقة السياسية للبلد المضيف للاستثمار بحكومة البلد المصدر للاستثمار وبالتالي التدخل والتأثير في قراراته السياسية، وهناك هدف بيئي يتمثل في إبعاد مخلفات التصنيع ذات التأثير على البيئة من البلد المصدر للاستثمار إلى البلد المضيف.
توزع الاستثمارات الأجنبية حول العالم
بلغت تقديرات الاستثمارات الأجنبية المباشرة حول العالم في العام 2016 نحو 1.52 ترليون دولار، وتصدرت الولايات المتحدة قائمة الدول التي تلقت أكبر استثمارات بنحو 385 مليار دولار، وجاءت بريطانيا في المرتبة الثانية باستثمارات قدرها 179 مليار دولار وحلت الصين في المرتبة الثالثة بkp, 139 مليار دولار.
أما في الدول العربية فقد تصدرت الإمارات قائمة تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة باستحواذها على 27.5% بقيمة 11 مليار دولار في العام 2015، تلتها السعودية في المركز الثاني بقيمة 8.1 مليارات دولار وبحصة 20.4%، وجاءت مصر في المرتبة الثالثة بقيمة 6.9 مليارات دولار بنسبة 17.3%، حسب تقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادارت.
تتنافس دول العالم وبالأخص النامية منها ومن بينها الدول العربية لجذب هذه الاستثمارات بغرض تحقيق الفوائد الاقتصادية المرجوة منها، مع الإشارة إلى أن هذه الاستثمارات تتفاوت في حجمها، ومن جهة أخرى فإن السائد في الشارع العربي أن هذه الاستثمارات تلعب دورًا كبيرًا في تدخلها بسياسة الدولة، علمًا أن هذا الأمر يعود للقوانين الاستثمارية والسياسة التي تضعها الدولة لاستقبال تلك الاستثمارات والتسهيلات والحوافز التي تقدمها لها.