بعد فتح القضاء الفرنسي تحقيقات رسمية بحق مرشح الرئاسة إيمانويل ماكرون بتهمة المحاباة وتوجيه الاتهام لفرانسوا فيون بقضية الوظائف الوهمية، هل يصبح الطريق معبدًا أمام مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان التي رفضت في وقت سابق المثول أمام قاضٍ يجري تحقيقًا عن الشبهات في وظائف وهمية في البرلمان الأوروبي؟ أم أن ماكرون سيواصل تقدّمه الذي أظهرته استطلاعات الرأي؟
فيون من فضيحة إلى أخرى
بعد أن بدأ يتعافى من صدمة مقال صحيفة “لو كانار أنشينيه” الساخرة، الذي اتهم فيه بمنح زوجته وابنيه أموال عامة مقابل وظائف لم يقوموا بها، استفاق مرشح الجمهوريين فرانسوا فيون (63 سنة)، هذه المرة على خبر توجيه القضاء الاتهام إليه رسميًا بتبديد وسوء استغلال المال العام فيما بات يعرف بقضية الوظائف الوهمية التي شملت زوجته.
ووجّهت للمرشح تهم اختلاس أموال عامة والتواطؤ والتستر على إساءة استخدام ممتلكات أصول شركة والإخلال بالالتزامات في التصريح الذي قدمه إلى الهيئة العليا للشفافية عن الحياة العامة، حسب وسائل إعلام محلية فرنسية، وسبق لفيون أن صرح بأن توجيه الاتهام له لن يقوّض ترشحه للرئاسية المقررة في دورها الأول في 23 من أبريل المقبل.
يواجه مرشح اليمين سلسلة من الفضائح التي لاحقته وعائلته على خلفية انفجار فضيحة “الوظائف الوهمية”
وفي عددها الصادر الأربعاء الماضي، كشفت الصحيفة الأسبوعية الفرنسية الساخرة “لو كانار أنشينيه”، أن فيون حصل في 2013 على قرض بقيمة 50 ألف يورو من رجل أعمال مقرّب منه يدعى مارك لادريت دي لاشاريار، وذكرت أن المرشح لم يجد من المناسب أن يدرج هذا المبلغ في التصريح عن ممتلكاته إلى الهيئة العليا للشفافية.
ويواجه مرشح اليمين سلسلة من الفضائح التي لاحقته وعائلته على خلفية انفجار فضيحة “الوظائف الوهمية”، وخلقت أزمة في حزبه وبين أنصاره، حتى تمت دعوته إلى الانسحاب من السباق الرئاسي، الأمر الذي رفضه، وصدرت لائحة الاتهام قبل ثلاثة أيام فقط من نهاية الموعد الرسمي للإعلان عن الرعاة الـ500 اللازمين لجميع المرشحين إلى الانتخابات الرئاسية.
تهم قضائية تلاحق فيون
ففي 25 من يناير، فتحت النيابة تحقيقًا أوليًا بحق زوجته بينيلوب فيون على خلفية تقرير صحفي نشرته مجلة “لو كانار أونشيني” المحلية، أشارت فيه أنها تقاضت 600 ألف يورو كرواتب خلال ثماني سنوات، دون وجه حق، بصفتها مستشارة لزوجها على الورق (وهمية) في مجلس الشيوخ، كما ذكرت تقارير إعلامية محلية سابقًا، أن ابنته ماري وابنه تشارلز، تقاضيا نحو 84 ألف يورو خلال الفترة بين 2005 و2007، بصفتهما “مستشارين” لوالدهما إبان عمله كبرلماني، رغم أنهما كانا لا يزالان في مرحلة الدراسة.
آخر هذه الفضائح عن طريق صحيفة “لو باريزيان” التي كشفت أمس الثلاثاء، أن ابني فيون اللذين كانا بين عامي 2005 و2007 مساعدين برلمانيين ويشتبه في أنها وظائف وهمية، تخليا عن غالبية أجورهم لذويهم، وأقرت ماري أنها ردت أموالاً اقترضتها من أجل زواجها، كما اقترض شارل مالاً لشراء مسكنه، ويوم الأحد كشفت الصحيفة الأسبوعية “لو جورنال دو ديمانش” أن فيون تلقى هدية من صديق ثري عبارة عن بذلتين فاخرتين يتجاوز ثمنهما عشرة آلاف يورو.
فيون أول مرشح يخوض الانتخابات الرئاسية في ظل توجيه الاتهام إليه
بعد أن كان فرنسوا فيون المرشح الأوفر حظًا للفوز في انتخابات الرئاسة الفرنسية، أصبح الآن أقرب المرشحين إلى الهزيمة من الجولة الأولى، بعد أن تضرر من التهم التي تلاحقه وعائلته، ومع ذلك يصرّ فيون على أنه لم يخالف القانون ووقع ضحية تقارير ذات دوافع سياسية صممت لتدمير محاولته الوصول للسلطة.
وبموجب القانون الفرنسي فإن الوضع قيد التحقيق الرسمي يعني أن هناك “دليل جاد أو متسق” يشير إلى احتمال ضلوع المشتبه به في الجريمة، وسبق لفيون أن قال إن الأمر الوحيد الذي يمكن أن يدفعه للانسحاب من سباق الرئاسة هو توجيه الاتهام إليه، ثم تراجع عن كلامه لاحقًا وقال إنه لن ينسحب مهما كان الثمن، ليصبح بذلك أول مرشح يخوض الانتخابات الرئاسية في ظل توجيه الاتهام إليه.
التهم تلاحق ماكرون
يعدّ المرشح المستقل إيمانويل ماكرون (39 سنة) ومؤسس حركة “إلى الامام” الذي يرفع شعار “لا يمين ولا يسار“، أكبر مستفيد مما يعانيه مرشح الجمهوريين فرانسوا فيون، إلاّ أن تهم القضاء وصلت لماكرون أيضًا، فقد جرى فتح تحقيق بحقه بتهمة المحاباة، خلال زيارة قام بها إلى لاس فيغاس في يناير 2016، بينما كان وزيرًا للاقتصاد.
ويأتي فتح التحقيق إثر تقرير قدمته التفقدية العامة للمالية، وهي هيئة مراقبة حكومية في الـ8 من مارس 2017، تضمن اشتباهًا بحصول خلل في تنظيم هذه الرحلة إلى لاس فيغاس التي عهد بتنظيمها إلى عملاق الاتصالات الفرنسي “هافاس” دون استدراج عروض من قبل الوكالة الترويجية التابعة لوزارة الاقتصاد الفرنسية “بيزنس فرانس”.
رغم حداثة عهده بالسياسة ما فتئ اسم ماكرون يحقق صعودًا مطردًا
وحسب أسبوعية “لوكانار انشينيه” التي كشفت المسألة فإن تكلفة هذه الزيارة لليلة وصلت إلى 381759 يورو بينها 100 ألف يورو كلفة الفنادق، غير أن ماكرون نفى أي علاقة له بهذا الملف وأكد أن وزارة الاقتصاد في عهده كانت تحرص على احترام الإجراءات المعمول بها في مجال طلبات العروض والصفقات العمومية، وهو ما أكده أيضًا وزير الاقتصاد الحالي ميشال سابان قائلاً إن وزارة الاقتصاد لا علاقة لها بهذه القضية.
دخل ماكرون السياسة كمستشار للرئيس الحالي فرنسوا هولاند قبل أن يتسلم وزارة الاقتصاد
ويبدي ماكرون عزمه وضع حد لهيمنة “الرجال أنفسهم والأفكار ذاتها”، في إشارة للذين حكموا فرنسا سابقًا، ويقول المرشح الاشتراكي الليبرالي المؤيد للاتحاد الأوروبي: “وسائلهم فشلت ببساطة”، ويطمح إلى إعادة صياغة العقد مع الطبقات الوسطى المنسية من اليمين واليسار.
وسبق أن أعرب ماكرون الذي دخل السياسة كمستشار للرئيس الحالي فرنسوا هولاند قبل أن يتسلم وزارة الاقتصاد، عن تمنيه تعيين امرأة كرئيس للوزراء حال انتخابه رئيسًا للبلاد، وتحالف ماكرون مع رئيس “الحركة الديمقراطية” (وسط)، فرانسوا بايرو للوزراء، نهاية فبراير الماضي وهو ما زاد في شعبيته.
لوبان ترفض المثول أمام القضاء
مارين لوبان التي رفضت في وقت سابق المثول أمام قاضٍ يجري تحقيقًا عن الشبهات في وظائف وهمية في البرلمان الأوروبي، تبدو الأكثر استفادة من التهم التي تلاحق منافسيها، في ظل تصاعد موجة الشعبوية في القارة العجوز.
ورفعت الحصانة البرلمانية عن لوبان في قضية بث صور اغتصاب للجهاديين على حسابها في تويتر، في ديسمبر 2015، في وقت قالت فيه: “إذا كانت الحصانة النيابية موجودة، فلأن المشرعين تحديدًا يدركون ـن السلطة قد تضطر إلى استغلال القضاء لإزعاج معارض سياسي أو اضطهاده.”
لوبان في أثناء جلسة انتخاب رئيس للبرلمان الأوروبي
وفي 2015، قدّم الرئيس السابق للمؤسسة الأوروبية مارتن شولتز، شكوى رسمية إلى المكتب الأوروبي لمكافحة الفساد، عقب اكتشافه أن أسماء 20 من المساعدين البرلمانيين الـ24 الموجودين بالبرلمان موجودة بالهيكل التنظيمي للحزب الفرنسي، وإثر ذلك، فتح المدعي العام بالعاصمة الفرنسية باريس، تحقيقًا أوّليًا في الموضوع، عهد به إلى مكتب مكافحة الفساد، قبل تحويل الملف، في ديسمبر/ كانون أول الماضي، إلى قضاة التحقيق.
وتعرف لوبان وحزبها بعدائها للإسلام والمسلمين، والدعوة إلى إغلاق الحدود والمساجد وحظر القرآن والخروج من منطقة اليورو ومن الاتحاد الأوروبي، ويخشى الرئيس الفرنسي الذي قرر في الأول من ديسمبر 2016 عدم ترشحه لولاية ثانية، فرانسوا هولاند، فوز مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، معتبرًا أن مهمته منع فوزها في هذا الاستحقاق الانتخابي.
تعزز خطاب لوبان المعادي للنخب والمعادي للنظام القائم جراء قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد وفوز دونالد ترامب بالبيت الأبيض
وتجاهر لوبان بمواقفها المناهضة للمهاجرين وللاتحاد الأوروبي، وتركز حملتها على وجود تعارض بالنسبة لها بين “الوطنيين” و”المتعولمين”، منددة في الوقت نفسه بانتهاج خصومها استراتيجية الخوف، وقد تعزز خطابها المعادي للنخب والمعادي للنظام القائم جراء قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد وفوز دونالد ترامب بالبيت الأبيض.
ونجحت مرشحة اليمين المتطرف للانتخابات الرئاسية في توسيع شعبية حزبها، وتقديم صورة مغايرة عن تلك التي كانت سائدة عنه أيام رئاسة والدها له، وتفوقت إلى حد كبير في ترسيخ اسم الحزب الذي يوصف من قبل المحللين بـ”المقاولة العائلية”، في المشهد السياسي الفرنسي كهيئة سياسية عادية كباقي الهيئات الأخرى.
استطلاعات الرأي ترجح كفة ماكرون
رغم تقدم مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان في جل استطلاعات الرأي السابقة، فقد أظهر استطلاع رأي نشره، الخميس الماضي، معهد “هاريس التفاعلي” في فرنسا، تقدم المرشح المستقل للانتخابات الرئاسية المقبلة إيمانويل ماكرون، الذي يكثر من التشديد على “الحداثة”، ويعد بحل مشاكل البطالة عبر “شحذ الكفاءات”، في الدور الأول للاقتراع المقرر في 23 من أبريل المقبل، على زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان.
تصدّر ماكرون استطلاعات الرأي
ووفق المصدر نفسه، حصل ماكرون على 26% من نوايا التصويت، في الدور الأول للاقتراع، مقابل 25% للوبان، في تقدّم يعتبر سابقة بالنسبة لوزير الاقتصاد الفرنسي السابق الذي أعلن الخميس برنامجه الانتخابي رسميًا.
وتؤكد استطلاعات الرأي أن وزير الاقتصاد السابق في الحكومة الاشتراكية الذي انتقل إلى الوسط، هو الأوفر حظًا للفوز بالرئاسة، وتتخوف الطبقة السياسية التقليدية من حدوث سيناريو مشابه لـ 2002 عندما بلغ والدها جان ماري لوبان الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، واضطرت باقي القوى السياسية يمينًا ويسارًا للاصطفاف خلف المرشح اليميني وقتها جاك شيراك، في إطار ما يعرف بـ”الميثاق الجمهوري”.
يأمل ماكرون في الحصول على دعم أنصار اليمين المعتدل الذين يجسدهم رئيس الحكومة الأسبق جوبيه
في مقابل ذلك، تراجعت فرص فيون من المركز الثاني إلى الثالث وهو مركز قد يطيح به من السباق في الجولة الأولى المقررة يوم 23 من أبريل، ومن شأن تقدم ماكرون تغيير بوصلة دعم بعض النواب الاشتراكيين، وخصوصا من المحسوبين على الجناح الأيمن للحزب، مما قد يرفع في عدد التوقيعات على العريضة التي أعدها الجناح، للدعوة إلى دعم ماكرون الذي يتوجه، الخميس، إلى مدينة بوردو (جنوب غرب) معقل آلان جوبيه، على أمل الحصول على دعم أنصار اليمين المعتدل الذين يجسدهم رئيس الحكومة الأسبق المعروف بانتقاداته اللاذعة لفيون.