أطلقت الميليشيات المدعومة من إيران مناورات عسكرية مشتركة مع تشكيلات عسكرية من قوات النظام السوري وميليشيات رديفة أخرى تدعمها روسيا، وحضر التدريبات قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني خلال زيارته إلى حلب مؤخرًا، كما حضرها زعيم الفرقة 25 مهام خاصة (قوات النمر) العميد سهيل الحسن، ومسؤولون في القيادة العسكرية الروسية بحلب، وعدد من قادة الميليشيات الإيرانية والعشائرية الموالية للنظام السوري شمال غربي سوريا.
موقع المناورات والتشكيلات المشاركة
تركزت التدريبات في المنطقة الواقعة على الضفة الغربية لنهر الفرات، والممتدة بين بلدة الخفسة شمالًا ومسكنة جنوبًا (قبالة بحيرة الأسد)، وتشارك طائرات حربية ومروحية تنطلق من قواعدها القريبة من منطقة المناورات بريف حلب، حيث مطار كويرس العسكري القريب من دير حافر، ومطار الجراح (كشيش) قرب مسكنة.
وقالت مصادر محلية متطابقة في منطقة الخفسة شرق حلب لـ”نون بوست”، إن “المناورات جرت في بحيرة الأسد، وانطلقت من الضفة الغربية، وتضمّنت تنفيذ مشروع تكتيكي لقطع البحيرات، وأيضًا تدريبات على الزوارق العسكرية والمدرعات البرمائية، وعمليات الإنزال المظلي، واشتباكات وعمليات نسف لأهداف معدّة مسبقًا بالأسلحة الثقيلة والقنابل والصواريخ”.
وأوضحت أن “المنطقة شهدت خلال اليومَين الماضيَين انفجارات ضخمة بالتزامن مع زيارة مسؤولين، غالبًا كان زعيم فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني بينهم، وقد سُمع صوت صدى الانفجارات في الأحياء الشرقية بحلب بسبب شدتها”.
شهدت المنطقة ذاتها مناورات عسكرية ضخمة بين “قسد” وقوات النظام السوري في أغسطس 2022، وذلك تحت إشراف ضباط في القوات الروسية.
وفق شهادات أهالي ونشطاء ريف منطقة الخفسة شرق حلب لـ”نون بوست”، فإن أهم التشكيلات التي شاركت في المناورات كانت فوج الطه والفوج 77 بقيادة العميد أكرم، واللواء 36 مشاة طوعي وفوج الطرماح، وجميع التشكيلات المذكورة تتبع للفرقة 25 مهام خاصة (قوات النمر) التي يقودها العميد سهيل الحسن المقرّب من روسيا، بالإضافة إلى مشاركة تشكيلات من الفيلق الخامس المدعوم من روسيا.
وأصبح لهذه التشكيلات نقاط تمركز وانتشار واسع في ريف حلب الشرقي والشمالي الشرقي، وقد بدأت التوسع فعلًا في المنطقة منذ النصف الثاني من عام 2020، وتعد منطقة مثلث الخفسة-دير حافر-مسكنة منطقة التجمع الأكبر لها، وللواء 36 مشاة طوعي التابع لسهيل الحسن معسكر كبير في المنطقة.
وإلى جانب الميليشيات المدعومة من روسيا، أكدت مصادر محلية مشاركة تشكيلات وميليشيات عشائرية تدعمها إيران في المناورات، بينها لواء الباقر ولواء زين العابدين ولواء دوشكا ولواء السفيرة، بالإضافة إلى لواء الشمال الذي تحمل مشاركته دلالة مهمة، إذ إن غالبية مقاتلي التشكيل ينحدرون من قبيلة بني عصيد في منطقة منبج الواقعة تحت سيطرة “قسد”، ويتزعّمه الشيخ أبو علي رسلان.
تجري الفرقة 25 مهام خاصة تدريبات ومناورات عسكرية بشكل متكرر في مناطق شرق وشمال شرق حلب، وتكاد التدريبات لا تتوقف منذ أكثر من عام ونصف، وتتضمّن إنزالات جوية مظلية نهارية وليلية من المروحيات ومن طائرات إليوشن-76، كان آخرها في يوليو/ تموز الماضي.
حينها نقلت وكالة “ريا نوفوستي” الروسية، نقلًا عن نائب رئيس مركز المصالحة الروسي الأدميرال أوليغ غورينوف، إن التدريبات العسكرية الروسية-السورية المشتركة تبدأ في 5 يوليو/ تموز وتستمر لـ 6 أيام، وتتضمن العمل على التحركات المشتركة لسلاح الجو، ووسائل الدفاع الجوي، والحرب الإلكترونية لصدّ الضربات الجوية.
وشهدت المنطقة ذاتها مناورات عسكرية ضخمة بين “قسد” وقوات النظام السوري في أغسطس/ آب 2022، وذلك تحت إشراف ضباط في القوات الروسية، في الوقت الذي كانت تركيا تلوّح به بعملية عسكرية تستهدف “قسد” في الشمال.
وشملت المناورات حينها تدريبات عسكرية برمائية، أجرت خلالها قوات النظام تمرينًا واسع النطاق على عبور الدبابات مياه النهر للوصول إلى الضفة المقابلة، ورافقها طيران مروحي روسي وقصف مدفعي تابع لـ”قسد”.
هل شارك الإيرانيون في مناورات الخفسة؟
ذكرت قناة “الميادين” المقربة من إيران في 22 سبتمبر/ أيلول، التدريبات العسكرية التي تجريها إيران والنظام السوري بحضور قاآني كحلقة نقاشية على شاشتها، دون الإشارة إلى موقع هذه التدريبات.
أما وكالة “تسنيم” الإيرانية فقد قالت إن قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، العميد إسماعيل قاآني، التقى خلال زيارته إلى سوريا بعدد من المسؤولين والعسكريين والأمنيين والسياسيين، وتفقّد عددًا من مناطق العمليات، وأضافت أن قاآني شارك في مناورات عسكرية مشتركة بين إيران وسوريا تدرس المناطق والمحاور الحسّاسة السورية، في إطار مواجهة التحديات المشتركة و”الفلتان العسكري والأمني” في سوريا.
ولم تذكر الميليشيات الإيرانية بحلب أي تفاصيل حول المناورات، وتكتّمت بشكل كامل على تفاصيل الزيارة التي أجراها زعيم فيلق القدس، وتعتبر قواعد الميليشيات الإيرانية بريف حلب الجنوبي والشرقي من أهم القواعد العسكرية في سوريا، حيث يُشرف عليها كبار ضباط الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، وتضم مجموعات من نخب “حزب الله” اللبناني وحركة النجباء العراقية.
وتمتد مناطق النفوذ الإيراني من منطقة جبل عزان جنوب حلب، والتي تعتبر من أهم قواعد الحرس الثوري وفيها غرف عمليات متطورة، مرورًا بمنطقة معامل الدفاع في محيط مدينة السفيرة، وصولًا إلى مناطق مسكنة ودير حافر والخفسة.
وللميليشيات الإيرانية نقاط تمركز جديدة قرب المطارَين العسكريَّين الجراح وكويرس، بعدما شهدت منطقة المطارَين انسحابًا لقطعات وتشكيلات تتبع لميليشيا فاغنر الروسية، بالإضافة إلى التجمع الأكبر للميليشيات الإيرانية في مطار النيرب العسكري (شرق مدينة حلب)، الذي لا يبعد عن منطقة المناورات سوى كيلومترات معدودة.
وتنشئ الميليشيات الإيرانية قواعد عسكرية جديدة وتنفّذ عمليات انتشار مستجدة، خصوصًا بعد انسحاب قسم كبير من قواتها من الجنوب والشرق السوريَّين باتجاه الشمال، بسبب تعرضها للضغط الأمريكي والإسرائيلي المباشر، ويبدو أن لمحافظة حلب الحصة الأكبر من عمليات إعادة الانتشار والتمركز الإيراني، والذي ستعوّض من خلالها عمليات الانسحاب القسري في مناطق أخرى جنوبًا وشرقًا، على الأقل بشكل مؤقت.
دلالات المناورات المشتركة للميليشيات الروسية والإيرانية؟
يرى المحلل العسكري العقيد مصطفى بكور، أن “تنفيذ المناورات عادةً ما يكون من أجل إرسال رسائل بين القوى المتدخلة بالشأن السوري، والمنطقة تقع على تخوم مناطق سيطرة “قسد” والمعارضة السورية، وهي منطقة استراتيجية ومن الطبيعي أن تحتشد فيها كل هذه التشكيلات، وأن تكون خيارًا مفضّلًا لها”.
“يأتي هذا الاحتشاد في ظل الظروف الحالية من اقتتال بين العشائر العربية و”قسد”، والحديث عن رغبة التحالف الدولي في إغلاق الحدود العراقية السورية وطرد الميليشيات الإيرانية من المنطقة، والمساعي التركية الهادفة إلى تقليص دور “قسد”، والاستفادة من حراك العشائر”.
يضيف العقيد بكور لـ”نون بوست” أن “ما يقوم به الروس والإيرانيون من مناورات، يأتي في إطار توجيه رسائل عن جاهزية قواتهم لإفشال أي عمل عسكري قد يؤدي إلى إلحاق أي ضرر بمصالحهم في سوريا، وربما تكون هذه المناورات كغطاء لإعادة انتشار هذه القوات ولاستبدال فاغنر بالميليشيات الإيرانية، بعد تراجع دور روسيا في سوريا بسبب انشغالها بالحرب الأوكرانية”.
وقال الباحث في مركز جسور للدراسات، وائل علوان، إن “المناورات مستمرة دائمًا ما بين القوات التابعة للنظام والقوات التي تدعمها روسيا وإيران، وزيارة زعيم فيلق القدس تأتي في ظل تعزيز النفوذ العسكري الإيراني في معظم المناطق بسوريا، حيث هناك المزيد من التوغُّل الإيراني في المؤسسات العسكرية لقوات النظام، وتبدو محافظة حلب في قائمة الاهتمام الإيراني في الوقت الحالي، بعدما شهد الانتشار جملة من الضغوط في مناطق انتشار أخرى”.
وأِشار علوان في حديثه لـ”نون بوست” إلى أن ” الوجود العسكري الروسي شهد في فترة ما بعد أزمة ميليشيا فاغنر مرحلة شبه مستقرة، وحلت محلها قوات محلية وميليشيات مدعومة من روسيا، كما أن هناك تفاهمات بين روسيا وايران في عدة ملفات، بينها ملف الانتشار العسكري في سوريا”.
مردفًا: “ويمكن القول إنه لا يوجد متغيرات كبيرة، سوى محاولة إيران خلق وجود عسكري أكبر، والتغلغل أكثر في مفاصل المؤسسة العسكرية وباقي القطاعات الحيوية التي تضمن لها بقاء طويل الأمد، وتضمن مصالحها مهما كانت الضغوط والمتغيرات كبيرة في مراحل لاحقة”.
يبدو أن النظام السوري بدأ فعلًا في تعويض نقص الإمدادات الروسية على الصعيد العسكري، على الأقل في قطاع التجهيزات العسكرية الصغيرة وما دون التسليح والذخائر، من خلال الإمدادات الإيرانية، وقد بدا ذلك واضحًا في المعدّات التي حصل عليها الحرس الجمهوري، والذي سجّل مشاركته أيضًا في بعض التدريبات التي شهدت المناورات مؤخرًا، حيث بدأت قوات الحرس باستخدام سترات Ruyin-3 الإيرانية، كذلك الفوج 45 قوات الخاصة المرابط بريف اللاذقية الشمالي.
وظهر في بعض التشكيلات والفرق العسكرية التابعة لقوات النظام سيارات إيرانية رباعية الدفع، مسلّحة بصواريخ مضادة للدروع بشكل يشابه تسليح قوة الرضوان في “حزب الله”، لذا يمكن القول إن زيادة الاعتماد على الجانب الإيراني في ظل انخفاض الدعم الروسي، يقابله أيضًا زيادة الانتشار للميليشيات الإيرانية، والتوسُّع في مناطق جديدة وأكثر تأثيرًا، وبدا ذلك في المناورات الأخيرة.