لطالما كان الحجاب ومختلف الرموز الدينية الأخرى قضية مثيرة للجدل في أوروبا، والآن تحولت القضية إلى مسألة سياسية بحتة، فالبلدان الأوروبية تقوم في الأساس على منهج العلمانية وهو فصل الدين عن مؤسسات الدولة بشكل تام، وذلك بالتزامن مع الانتخابات في عدة دول أوروبية منها فرنسا التي من المتوقع أن تحقق نتائجها الانتخابية انتصارًا لحزب اليمين المتطرف “الجبهة الوطنية” الذي يسعى بالأساس للحفاظ على ما يُسميه “الهوية الفرنسية” والتركيز على محاربة الهجرة، وذلك إلى جانب رفض البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، في المقابل، هناك بعض الأصوات الأوروبية البارزة التي تعتبر الأمر حرية شخصية فردية، مثل رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي.
مؤخرًا أثيرت القضية مجددًا، وذلك بسبب الحادثة التي عاشتها موظفة الاستقبال المحجبة سميرة أشبيتا، خلال عملها في شركة جي 4 إس البلجيكية، والذي تم فصلها بسبب ارتدائها الحجاب خلال ساعات الدوام، الأمر الذي تمنعه القواعد الداخلية “الحيادية” للشركة، مما دفع الموظفة المحجبة لرفع دعوى للقضاء البلجيكي ضد الشركة، وبدورها طلبت محكمة النقض البلجيكية من محكمة العدل الأوروبية توضيحًا بشأن القانون الأوروبي.
ليست أشبيتا الوحيدة التي عانت من هذا “التمييز” كما أفادت خلال دعوتها للمحكمة، أسما بوجناوي مهندسة البرمجيات في شركة ميكروبول في فرنسا، توجهت أيضًا للمحكمة الفرنسية عندما تم إقصاؤها من وظيفتها، بسبب تلقيها شكوى من أحد زبائن الشركة الذي عبر عن انزعاجه من وجود محجبة داخل المكان، الأمر الذي دفع الشركة لإقالة بوجناوي.
أشارت المحكمة العليا للاتحاد الأوروبي، يوم الثلاثاء، أن قوانينها تحظر “التمييز” على أساس الدين، موضحة أن ما قامت به شركة جي 4 إس في بلجيكا هو إجراء يندرج تحت إطار معاملة الموظفين بالتساوي، ولا يستهدف أي طائفة دينية معينة، وليس هناك استثناءً لأي رمز من الرموز الدينية المحظورة في الشركة، وأفادت المحكمة العليا أن هذه السياسة تهدف إلى تأكيد الصورة الحيادية للشركة وبأنها لم تقترف أي تمييز مع العاملين لأنها تملك لائحة شروط معينة بذلك مسبقًا.
في خصوص ملف بوجناوي، رأت المحكمة العليا أنه لا يمكن للمتعامل أن يرفض خدمات الشركة لمجرد أن الموظفة محجبة، واعتبرت فصل المهندسة المحجبة انتهاكًا لقوانين الاتحاد الأوروبي، بسبب عدم وجود لائحة داخلية عامة تنص على منع الزي الديني واعتبرته تمييزًا بحقها، وأضافت أنه في غياب هذه اللائحة لا يمكن للشركة أن تعتبر هذا إلزامًا وظيفيًا.
الحكم دليل آخر على أن محكمة الأوروبية التي كانت تحبذ الدفاع عن حقوق الأقليات لعدة سنوات، حكمت هذا الشهر بأن دول أعضاء الاتحاد الأوروبي ليسوا ملزمين بإصدار تأشيرات سفر للأشخاص الذين لديهم ملفات لجوء سياسية
إلى جانب ذلك، علقت المحكمة أن المنع لا بد أن يعتمد على سياسات تفرض فيها لباسًا محايدًا لجميع الموظفين ولا يجوز أن تستجيب لرغبات أو شكاوى الزبائن بشأن ذلك، وأخيرًا أقرت المحكمة أنه يتعين على محكمة النقض البلجيكية البت في هذه النقاط، وتفسر محكمة العدل الأوروبية التي تتخذ من لوكسمبرغ مقرًا لها، القانون الخاص بالاتحاد الأوروبي المكون من 28 دولة، وقراراته ملزمة للدول الأعضاء.
يأتي هذا القرار في الوقت الذي تعيش فيه أوروبا موسمًا انتخابيًا حاسمًا في هولندا وفرنسا وألمانيا، ومع تزايد الشعبية الرافضة لوجود المهاجرين وللإسلام، توجه الناخبون الهولنديون إلى صناديق الاقتراع أمس الأربعاء، وقد كان من المتوقع أن يسجل الحزب اليميني المتطرف المعارض للإسلام الذي يمثله خيرت فيلدرز أصواتًا عالية أو يحقق نتائج عالية، وهو ما تحقق نسبيًا بتصدره للمركز الثاني، مع احتفاظ الحزب الحاكم بتصدره.
يقول كامينو مورتيرا مارتينيز باحث في مركز الإصلاح الأوروبي في العاصمة بروكسل: “القرار يعتبر قرارًا تاريخيًا وسياسيًا وخطوة جريئة جدًا، فقد كانت المحكمة مؤخرًا في قرارتها أكثر ميلاً للجانب القانوي الصارم، بدلاً من انتباهها للمسائل السياسية والظروف المواتية لها، وبلا شك يعتبر هذا اعتراف من المحكمة أنها معرضة لخطر الانهيار”.
ووصف الحكم بأنه دليل آخر على أن محكمة الأوروبية التي كانت تحبذ الدفاع عن حقوق الأقليات لعدة سنوات، حكمت هذا الشهر بأن دول أعضاء الاتحاد الأوروبي ليسوا ملزمين بإصدار تأشيرات سفر للأشخاص الذين لديهم ملفات لجوء سياسية وعادة ما يكونوا معرضين للخطر أو التهديد في بلادهم الأصلية، وكان من المتوقع انتفاض القادة اليمنيين لو حكمت المحكمة بشكل مغاير لذلك، حيث قالت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان، التي أثارت الغضب تجاه المسلمين، إنهم فشلوا بالاندماج في أوروبا وبلادها تحاول استيعاب أعداد هائلة من اللاجئين.
حكم المحكمة الأوروبية قد يساعد على استبعاد العاملات المسلمات من بيئة العمل
ويقول خبراء قانونيون إن قرار المحكمة يمنح مساحة كبيرة لأرباب العمل في أوروبا بتنظيم زي العمل، والأمر متاح طالما أنهم يفعلوا ذلك بسياسات محايدة لا تستهدف ديانة معينة، بينما قال سيمون كوكس موظف قانوني كبير متخصص في قضايا مكافحة التمييز: “الحكم سيجبر أصحاب العمل على الانحياز لفئات معينة من العاملين، وسيزيد الرغبة بشكل كبير في عدم توظيف النساء اللواتي يرتدين غطاء الرأس”.
في هذا السياق، أعربت مريم حمادون، مستشارة في “أوبن سوسيتي جاستس”، عن قلقها من أن الحكم قد يساعد على استبعاد العاملات المسلمات من بيئة العمل، وقالت: “هذا الحكم مخيب للآمال، فهو يعدم المساواة التي تعتبر إحدى ركائز توجهات الاتحاد الأوروبي لمكافحة التمييز”.
أضاف كولم أوسينيدي أستاذ حقوق الإنسان والقانون الدستوري، أن الحكم منح “غطاء قانوني” لبعض الشركات التي ترغب في منع الرموز الدينية وأشعرهم بمزيد من الراحة في القيام بذلك.
إضافة إلى ذلك، قال جون دالهويسن مدير برنامج منظمة العفو الدولية، إن قرارات محكمة العدل الأوروبية منحت فرصة كبيرة لأصحاب العمل للتمييز ضد النساء والرجال، على أساس المعتقد الديني، وأضاف أن المحكمة فتحت الباب أما التحيز.
جاء الحكم عشية الانتخابات الهولندية التي تعتبر قضية المهاجرين المسلمين قضية محورية، ومؤشرًا على اتجاهاتها السياسية بشأن اللجوء والاندماج
قال مؤتمر الحاخامات الأوربيين: “تزامن قرار المحكمة مع ازدياد الحوادث ذات الدوافع العنصرية، رسالة واضحة من أوروبا، أن المجتمعات المتدينة غير مرحب بها بعد الآن”، في حين أن أندرو كوبسون من المؤسسة الإنسانية البريطانية قال: “نحن بحاجة إلى اتباع نهج يوازن بين حقوق الجميع بالإنصاف، ويسرنا أن محكمة العدل الأوروبية قد عززت اليوم هذا المبدأ”.
الحكم منح “غطاء قانوني” لبعض الشركات التي ترغب في منع الرموز الدينية وأشعرهم بمزيد من الراحة في القيام بذلك
تاريخ من محاولات حظر الحجاب
24 من سبتمبر 2003: أقرت المحكمة الفيدرالية الدستورية منع معلمة أفغانية من الحجاب في المدرسة، وأفادت أن الولايات المحلية يمكن أن تغير قوانينها إن رغبت في ذلك، وبناء على ذلك فإن الأقاليم الألمانية منعت الكثير من المعلمين من ارتداء غطاء الرأس.
3 من فبراير 2004 بدأ الجدل بشأن الغرامة التي أقرها مجلس الأمن الدولي على المحجبات وعلى القلنسوات اليهودية وصلبان المسيحيين في المدارس.
31 من مارس 2010: لجنة رئيسية في بلجيكا لتطبيق الحظر الأوروبي ضد الحجاب وغطاء الوجه، وجاء هذا القرار بعد ثلاثة شهور من منع الحكومة الفرنسية لغطاء الوجه حتى شهر يوليو/ تموز 2011.
11 من أبريل 2011: رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيلون منع النساء المحجبات من الظهور بغطاء الرأس في الأماكن العامة باستثناء أماكن العبادة والسيارات.
1 من يوليو 2014: المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تؤيد حظر البرقع في فرنسا، ويقول القضاة إن الحفاظ على فكرة “التعايش” هو الهدف الرئيسي للسلطات الفرنسية.
22 من مايو 2015: الحكومة الهولندية توافق على حظر جزئي لغطاء الوجه الإسلامي في الأماكن والمواصلات العامة، ولا يتضمن القرار الشوارع إلا بوجود أسباب أمنية معينة.
18 من يناير 2016: قال رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون، إنه سيدعم المؤسسات التي تسمح للمسلمات بارتداء غطاء الوجه “بأسس معقولة”، وفسر ذلك أن الجميع لهم الحرية بارتداء ما يريدون، لكن في أماكن معينة كالمحاكم القضائية مثلاً، ينبغي رؤية وجه الشخص وعينيه.
18 من أغسطس 2016: رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالز دافع عن حظر البلديات لملابس السباحة الإسلامية “البوركيني” بعد رفض بعض رؤساء البلديات الحظر في العديد من المدن الساحلية مثل كان وفيلنوف وسيسك في جزيرة كورسيكا.
6 من ديسمبر 2016: تؤيد المستشارة آنجيلا ميركل، حظرًا جزئيًا على البرقع والنقاب، وتقول: “الحجاب غير مناسب ويجب منعه أينما كان بشكل قانوني”.
30 من يناير 2017: يوافق الائتلاف الحاكم في النمسا على حظر حجاب الوجه مثل البرقع والنقاب في المحاكم والمدارس، كما تعهد بالتحقيق في حظر ارتداء الحجاب للنساء العاملات في خطوة تهدف إلى استضافة حزب الحرية المعارض لهجرة اللاجئين.
14 من مارس 2017: في قرارها الأول بشأن قضية الحجاب، قضت محكمة العدل الأوروبية بأن أرباب العمل يمكن أن يمنعوا الموظفين من ارتداء أي رموز دينية، ولكن المحكمة تنص أيضًا على أن أصحاب العمل لا يستطيعون ببساطة مطالبة العمال بإزالة الحجاب إذا لم يكن لدى الشركة سياسة تحظر الرموز الدينية.