ترجمة حفصة جودة
بدأ المتطوعون وعمال الإغاثة في حزم أمتعتهم بعد أسبوعين من الفيضانات المدمرة التي ضربت مدينة درنة الليبية، كانت فرق الإنقاذ والبحث وكذلك المتطوعون من سكان ليبيا الراغبين في المساعدة قد بذلوا جهدًا كبيرًا للوصول إلى المدينة المنكوبة شرق ليبيا بعد أن اتضح موت ما يقرب من 20 ألف شخص بسبب الفيضانات المفاجئة التي سببها انهيار السد.
كان أغلبهم يحاولون إنقاذ الأرواح أو على أسوأ حال استعادة الجثث، لكن اليوم لم يعد هناك أي أمل في العثور على المزيد من الناجين، لذا بدأت الفرق في العودة إلى بلادها.
شرعت فرق الإنقاذ الإسبانية والمجرية والتونسية في الرحيل، وكذلك جماعات غرب ليبيا المسلحة مثل كتيبة “144” وكتيبة “166” اللتين كان وجودهما في درنة لافتًا للنظر، لأن ليبيا منقمسة بين الإدارة الشرقية والإدارة الغربية وهناك حرب قائمة بينهما.
وصل إلى درنة العديد من المتطوعين أيضًا من جميع أنحاء البلاد على نفقتهم الخاصة، لكنهم بدأوا في الرحيل أيضًا، فمن الواضح أن طبيعة الاستجابة المطلوبة قد تغيرت.
يوجد نحو 16 ألف نازح في درنة وحولها، لكن الحكومة لم تقدم لهم أي مساكن بديلة إلا فصول المدارس، أما بعض المحظوظين فقد تمكنوا من البقاء مع أقاربهم في المدينة أو خارجها، بينما نصب الآخرون خيامهم أمام أنقاض منازلهم ورفضوا الرحيل.
تخيم عائلة الشيخ أمام أحد المباني المنهارة، ويقول علي الشيخ كبير العائلة: “لقد مات 25 شخصًا في ذلك المبنى أصغرهم كان عمره 6 أشهر، ولم نجد إلا 4 جثث يمكن دفنها، أما البقية فلم نجد أثرًا لهم”.
يتذكر علي قبل الفيضان، كيف كان يصل إلى المنزل ليجد أطفاله الثلاث ينتظرونه بفارغ الصبر، على أمل أن يكون قد جاءهم ببعض الوجبات الخفيفة.
يقول علي: “ماتت أمي وزوجتي وأطفالي الثلاث واثنان من أشقائي وأسرهما، لم ينج إلا أحد أشقائي وطفل ابن عمي”، يضيف علي أن أحد الأشخاص من غرب ليبيا جاءه مؤخرًا وأخذه معه إلى سيارته وفتح أمامه حقيبة من المال وأخبره أن يأخذ منها ما يحتاجه، لكنه رفض.
يقول علي “ماذا سأفعل بالمال؟ أتزوج؟ لا رغبة لي في الزواج، أشتري منزلًا؟ مع من سأعيش بعد أن فقدت أسرتي بأكملها؟ لم أعد أريد شيئًا كل ما أريده شخصًا يساعدني على تحمّل ذلك”.
إنهاك المستجيبين
ما زال هناك نحو 10 آلاف شخص مفقود، رغم أنه يُعتقد أن معظم الجثث قد انتُشلت من مركز المدينة، لكن فرق الغوص ما زالت تبحث في البحر، يقول حسام نصر أحد المتطوعين من جمعية الهلال الأحمر في طرابلس: “لقد غادر 50% على الأقل من المتطوعين درنة بالفعل”.
ما زاد الأوضاع سوءًا بالنسبة لعمال الإغاثة، حملة القمع التي شنتها السلطات بعد احتجاجات 18 سبتمبر/أيلول، التي تضمنت قطع الاتصالات.
كان التعاون والتنسيق بين السلطات ومختلف جماعات الإغاثة والمتطوعين ضعيفًا أيضًا، وفي الوقت نفسه يقول نصر إن المشكلات اللوجيستية أزعجت عمال الإغاثة حيث كانوا يعملون حد الإنهاك ثم يُتركون بلا طعام أو سكن مناسب.
في وسط درنة، يحاول عطية – في أواخر الخمسين من عمره – إزاحة أكوام الطين التي تجمعت أمام منزله نتيجة الفيضان، تمكن عطية وأسرته من الهرب من الكارثة ولم يغرق إلا الطابق الأول من منزله فقط، لكنه الآن يحاول تعزيز دفاعات منزله ضد الفيضان، فللتو يبدأ موسم الأمطار وليس هناك سدود في الوادي المؤدي إلى درنة لحجز مياه الأمطار.
يرغب عطية في أن تقدم الحكومة معدات بسيطة للسكان أمثاله، ممن نجت منازلهم لكنها تحتاج إلى ترميم وحماية باستخدام أدوات مثل المجارف والعربات اليدوية، مثلت القيود الأخيرة ضد الوصول إلى المدينة عائقًا كبيرًا أيضًا.
هناك سكان آخرون يبدأون من الصفر، يقول أحد السكان في شوارع درنة في أواخر الـ60 من عمره نجا مع عائلته “لقد تمكنا من الخروج من المنزل، والله نجانا”، لكن بالنسبة إلى منزله فقد أشار الرجل إلى بقايا عمودين من الخرسانة وقال “هذا ما تبقى من المنزل”.
المصدر: ميدل إيست آي