كتب ديفيد شينكر:
اجتاحت الفوضى منطقة الشرق الأوسط في العقد الأخير وأطاحت بأنظمة استبدادية كانت قائمة منذ عقود، وديكتاتريون آخرون قتلوا مئات الآلاف وشردوا الملايين لا يزالوا يحاولون الاحتفاظ بالسلطة حتى الآن.
انتشرت المليشيات الشيعية في المنطقة كوكيل لتنفيذ المصالح الإيرانية، لتأجيج الطائفية وتوسيع قدرة الجماعات الإسلامية الجهادية على التواجد كميليشيات مضادة وإعطائهم سبب للإستمرار في حروبهم. وأثّرت هذه الأحداث على الإقتصاد السعودي والمصري بشكل كبير وهما الدولتين الحليفتين والداعمتين لاستراتيجيات واشنطن في الشرق الأوسط بطريقة منحازة جدًا وصريحة.
وفي خلال كل ذلك فقد صارعت الأردن -المملكة المعتدلة الموالية للغرب- لكي تحافظ على الاستقرار، وعلى الرغم من العمل الدؤوب لها، إلا أن المملكة ليست بمنأى عن الاضطرابات الإقليمية.
تواجه المملكة اليوم تحديات إقتصادية وأمنية متفاقمة بسبب وصول عدد اللاجئين إلى مليون لاجيء سوري وربما أكثر. ومع تعامل الأردن مع كل هذه الصعوبات والمشاكل حتى الآن بشكل جيد نسبيًا، فإننا لا نستطيع أن نأخذ مسألة الاستقرار في الأردن كأمر مفروغ منه ومسلم به.
فالحفاظ على الإستقرار في الأردن يجب أن يكون أحد أهم الأمور التي تشغل صنّاع السياسات في الولايات المتحدة. ولا ترجع أهمية الأردن فقط لأنها الدولة الحليفة لعملية السلام مع إسرائيل، بل لأنها أيضا الدولة الحليفة المعادية لأفكار التطرف الإسلامي وهي القوة المعتدلة بالمنطقة.
“خسارة هذه المملكة الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية سيكون بمثابة انتكاسة كبيرة لمصالح الولايات المتحدة بالشرق الأوسط”
وهي أيضًا حليف حيوي في المعركة العسكرية ضد “تنظيم الدولة الإسلامية”، فهي القاعدة الجوية للولايات المتحدة في حربها ضد التنظيم الإرهابي في سوريا.
وعلى الرغم من أن دحر “داعش” هو أمر مهم، إلا أن الحفاظ على أمن واستقرار الأردن أمر بالغ الإهمية، لأنها من الدول القليلة المتبقية الموالية للغرب والمعتدلة نسبيًا.
إن خسارة هذه المملكة الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية سيكون بمثابة انتكاسة كبيرة لمصالح الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، وأرى أن تأمين الإردن يبدأ من امتداد الحدود السورية، يجب أن يكون ضمن اولويات السياسات العليا لإدارة ترامب فيما يخص قضايا الشرق الأوسط.
الأمن واستمرار التعاون الأمني المشترك
يعتبر الأردن اليوم هو الشريك الأكبر الذي يعول عليه كحليف عربي بالنسبة لواشنطن. وتحديدًا الدور الذي يلعبه الأردن في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة، وهو دور متزايد الأهمية دائمًا.
وبينما يعد التعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخبارتية بين واشنطن وعمّان بالفعل تعاون قوي للغاية، إلا أننا نستطيع تعزيز العلاقات بطريقة أعمق وأقرب لتحسين قدرات الأردن ككل.
“لا ننصح بزيادة المساعدات الأمريكية، ولكن تحسين القدرة الاستخباراتية للمملكة في جمع المعلومات”
في عام ٢٠١٦، قدمت الولايات المتحدة مساعدات أمنية وعسكرية للتمويل المملكة لمكافحة الإرهاب تقدر بأكثر من ٨٠٠ مليون دولار أمريكي.
وهنا لا ننصح بزيادة المساعدات الأمريكية، ولكن تحسين القدرة الاستخباراتية للمملكة في جمع المعلومات، وخصوصًا من الجنوب السوري. يجب على إدارة ترامب تزويد المملكة الأردنية بمروحيات حربية ومخابراتية لها القدرة على المراقبة بدون طيار. وذلك سيساعد الأردن على حماية حدودها مع سوريا بشكل أفضل وتحفظ سلام المنطقة الإنسانية على طول الحدود الجنوبية الغربيه مع سوريا.
الدعم السياسي
يقوم الملك عبد الله بزيارات دورية متكررة إلى واشنطن، ودعم الأردن هي قضية متفق عليها بين الأحزاب الأمريكية وذلك أمر نادر الحدوث، ومما لا شك فيه فإن إدارة ترامب سوف تستمر في هذه السياسة.
بينما تعد المساعدات الأمريكية للملكة أمرًا مهما، ترمز إلى دعم الولايات المتحدة للمملكة الأردنية، يجب أن تهتم الولايات المتحدة بدعم دولي للملكة، وخصوصًا عندما يتم انتقاد المملكة على علاقتها مع إسرائيل، ويجب على الرئيس ترامب أن ينظر في زيارة مبكرة إلى عمان أيضًا.
إدارة المخاطر من التواجد العسكري الأمريكي
للأسف هناك ظاهرة حديثة من قتل العسكريين الأمريكيين في المملكة، ومن المتوقع أن تستمر في المستقبل، ومن الممكن أن تصبح مصدر إزعاج في العلاقات الثنائية للبلدين.
“لابد من تواجد القوات الأمريكية بالأردن لبعض الوقت”
لا يمكننا فعل سوى القليل لمنع مثل هذه المآسي، يجب على إدارة ترامب التفاوض على حمل الجنود الأمريكيين للسلاح بغرض الحماية الشخصية أثناء تواجدهم في القواعد العسكرية في الأردن، لأن التواجد العسكري الأمريكي لا يحظى بشعبية بين الأردنيين، يجب تقليص انتشارهم كلما سمحت الظروف بذلك.
ونظرًا للتحديات التي تفرضها الدولة الإسلامية ونظام الأسد وإيران و روسيا، لابد من تواجد القوات الأمريكية بالأردن لبعض الوقت. وفي ظل غياب بوادر أي سحب للقوات، يجب أن تعمل الإدارة على أن يكون أي انتشار هو غير واضح قدر الإمكان.
مواجهة الفكر الجهادي
وفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية فإن واشنطن تقدم لعمان مساعدات كبيرة في مجال مكافحة الإرهاب، فضلاً عن تقديم المساعدات لعمليات آمنة على الحدود. في الواقع أصبح الأردن هو أكبر متلق للتمويل الأمريكي، طبعًا كل هذه المساعدات مفيدة جدًا إلا أنها لا تعالج التهديد الإرهابي بشكل كافي والذي يتركز في التطرف المحلي الداخلي بالأردن.
في الأشهر الأخيرة الماضية قام القصر الملكي بإطلاق أول مبادرة حقيقية لمواجهة الأيدولوجيات الإسلامية المتطرفة على أمل الحد من ذلك الخطر على المدى البعيد، واعتقد أنه إذا طلب الأردن، يجب على إدارة ترامب تقديم المساعدات التقنية والمالية للمملكة من خلال القنوات الشرعية لضمان نجاح هذه المساعي المضادة للارهاب.
تعزيز تأمين الحدود
على مدى العقد الماضي، قدمت الولايات المتحدة للمملكة مئات الملايين من الدولارات لإنشاء نظام أمن ومتكامل على الحدود الأردنية مع سوريا، ويتعين على إدارة ترامب العمل مع حلفائها المعاديين للدولة الإسلامية على توفير ودعم مناطق إنسانية عازلة في الأردن وسوريا، وتوفير الغذاء والمأوى للمدنيين وحمايتهم من الدولة الإسلامية ونظام الأسد. هذه الجهود لا تساعد فقط النازحين واللاجئين، ولكنها تعزز أيضا الأمن داخل المملكة.
تشجيع المزيد من التعاون الأردني الإسرائيلي المشترك
كان عام ٢٠١٦ عامًا سعيدًا، فقد تم فيه توقيع صفقة الغاز الأردنية الإسرائيلية التي تساوي 10 مليار دولار، والتي تنص على تزويد إسرائيل للأردن بالغاز لمدة ١٥ عام. كان أهم ما في هذه الصفقة هو التعاون الاستراتيجي الممتاز والمستمر بين البلدين، الملك عبد الله وحكومة إسرائيل ملتزمون بالتعاون العسكري والاستخباراتي وتبادل المعلومات التي تفيد الدولتين وتفيد واشنطن. ومع كل ذلك يمكن لإدارة ترامب توجيه وزارة الدفاع لتعزيز العلاقات الأردنية الإسرائيلية العميقة بالفعل.
ضرورة الإهتمام بإيجاد المزيد من فرص العمل للمواطنين الأردنيين
في عام ٢٠٠٩، قامت المملكة بنشر “استراتيجية الأردن للعمالة الوطنية ٢٠١١-٢٠٢٠”، كخطة مدروسة وشاملة لخلق فرص عمل وبناء اقتصاد تنافسي حديث.
ولكن هذه الاستراتيجية التي تعتمد على التدريب والمساعدات الدولية والإستثمارات الخارجية القوية، سوف تستغرق سنوات لتنفيذها، ومما يجعلها صعبة أكثر أنها قد وضعت قبل وصول مئات الآلاف من اللاجئين السوريين. خطة الأردن هذه ليست من الضروري أن يتم إلغاؤها، ولكن لن يضر المملكة بعض المساعدات الأمريكية لتعزيزها.
“يجب أن تضغط أدارة ترامب على حليفتها الأخرى المملكة السعودية لكي تلتزم بوعودها الاقتصادية تجاه الأردن”
بينما تركز إدارة ترامب على خلق فرص عمل أكثر داخل الولايات المتحدة، إلا أنها يجب عليها -كي تحفظ استقرار هذا الحليف الرئيسي- أن تشجع بعض الشركات الأمريكية للإستثمار بالمملكة الأردنية، ربما عن طريق الحوافز الضريبية.
وعلى الولايات المتحدة أن تقوم بالموافقة على قرض آخر للأردن إذا طلبت الحكومة الأردنية ذلك. إن الولايات المتحدة قامت بمنح الأردن ٣ قروض حتى الآن يبلغ قيمتها ٣.٧٥ مليار دولار أمريكي. وباعتبار المنطقة غير مستقرة فإن هذه القروض تعتبر استثماراً ممتازاً.
وأخيراً يجب أن تضغط أدارة ترامب على حليفتها الأخرى “المملكة العربية السعودية” لكي تلتزم بوعودها الاقتصادية تجاه الأردن والتي تمت مناقشتها في مايو ٢٠١٦ ، والتي ستفرج عن ضخ ملايين الدولارات التي ستحفز الاقتصاد الأردني الراكد وستخلق آلاف فرص العمل الإضافية.
تشجيع مشاركة أكبر للمرآة
حوالي ٨ سيدات من أصل ١٠ سيدات لا يشغلون الوظائف في الأردن. نقص تمثيل المرآة في قوى العمل الأردنية يشكل دائمًا عائقًا في الاقتصاد الأردني.
من المؤكد أن الأردن مجتمع محافظ جدًا، وهذه المشكلة سيكون من الصعب التغلب عليها، ومع ذلك يمكن لإدارة ترامب توفير بعض المساعدات الهامشية لهذا الأمر.
تدير الولايات المتحدة بالفعل برنامج يقدر بـ٢٥٠ مليون دولار تديره مؤسسة الاستثمارات الخاصة في الخارج، يقوم بضمان القروض للشركات الناشئة الصغيرة والمشاريع المحدودة، ولكن ما تم إنفاقه بالفعل هو ٨٧ مليون دولار فقط حتى الآن.
٦١٪ فقط من هذه القروض ذهبت لمشاريع تمتلكها وتديرها نساء، وهو أمر جيد، ولكن هناك المزيد نستطيع فعله لذلك الأمر. ينبغي أن يواصل البرنامج القيام بحملات توعية قوية بدور المرآة وأهمية مشاركتها وإمكانية مساعدتها ودعمها في الأردن.
ومع أن مشاركة المرأة في الأردن بالاقتصاد مقبولة، إلا أن المشاريع الصغيرة المملوكة أو التي تديرها النساء يمكن أن يكون تأثيرها صغير، لكنه سيحدث أثر مهم وكبير في الإقتصاد.
تحسين ظروف شؤون اللاجئين
أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين متوقع أن يستقروا في الأردن لـ ١٧ عامًا قادمة على الأقل، وفقًا لتصريحات سابقة للملك عبد الله الثاني، وحتى لو انتهت الحرب فإن كثير من اللاجئين لن يعودوا أبدًا لأوطانهم.
وعلى الرغم من المخاوف الأردنية، فإن التكامل الإقتصادي و الاجتماعي لهؤلاء اللاجئين، لهو أمر بالغ الأهمية لنجاح جهود المملكة لمنع التطرف، ومهم أيضا لثني اللاجئين من الهروب للعيش في بلدان أخرى.
“يجب على الولايات المتحدة أن تشجع الأردن على إصدار المزيد من تصاريح العمل للسوريين”
وبالرغم من ندرة فرص العمل في الأردن، فإنه من المعروف أن السوريين ماهرون جدًا في إدارة المشاريع وتنظيمها، مما جعلهم يشاركون في الاقتصاد الأردني، وذلك يساعد في نمو الاقتصاد الأردني الضعيف.
وقد صدر بالفعل ما يقارب ٤٠ ألف تصريح عمل للسوريين من الحكومة الأردنية، ولكن يجب على الولايات المتحدة أن تشجع الأردن على إصدار المزيد من تصاريح العمل للسوريين، بشكل كبير وقانوني ليحلوا محل أي عمالة وافدة أخرى.
تحديد أولويات الدعم المالي لشؤون اللاجئين
منذ عام ٢٠١٢، قدمت واشنطن ما يقرب من ٨٠٠ مليون دولار أمريكي لدعم اللاجئين السوريين في الأردن، وبينما تعد هذه مساعدات كبيرة جدًا إلا أنها تظل غير كافية بالمرة.
“يجب على واشنطن أيضًا الضغط بشده على حلفائها الأوروبيين والخليجيين لدعم الأردن”
لبنان تضم لاجئيين سوريين أكثر من الأردن ولكنها من الناحية الاستراتيجية أقل أهمية لواشنطن، فهي تستقبل ثلث حجم المساعدات التي تصل للأردن.
التمويل الدولي غائب عن الأردن، ويتعين على إدارة ترامب إعادة النظر في ترتيب أولويات توزيع الأموال الشحيحة، ويجب على واشنطن أيضًا الضغط بشده على حلفائها الأوروبيين والعرب (المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة) لإضافة مؤقتة في دعمها تساوي مليار دولار، وضخها كاستثمارات بالمملكة في مشاريع البنية التحتية، وسيساعد هذا الدعم الأردن في خفض عجز الميزانية المتكرر والذي يتسبب في جزء كبير منه الأعداد الكبيرة من اللاجئين.
ترجمة وتحرير: أردن الإخبارية
المصدر: lawfareblog