أدى التوسع الإيراني المباشر في سوريا واليمن والعراق وتمويل التخريب والإرهاب في البحرين ولبنان ودخول مرشد “خامنئي” في صدام مع محيطه الإقليمي وإنفاق نظامه المليارات على مليشياته العسكرية والسياسية في المنطقة، ولكن ألحق ضررًا بالغًا بالاقتصاد الإيراني وبتماسك الشعوب الإيرانية وبإثارة النعرات القومية والمذهبية.
الضرر البالغ أصاب الاقتصاد الإيراني في مقتل، إلى الحد الذي أدى إلى بروز الخلافات بين أركان النظام الإيراني على السطح رغم المليارات التي تدفقت على إيران بعد الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الأمر الذي دفع رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني إلى مطالبة السياسيين وأصحاب القرار الإيرانيين بضرورة إنهاء الخلافات الداخلية للحفاظ على أمن البلاد قائلاً: “لا يجب أن ندفع البلاد إلى الهاوية بأنفسنا ونتسبب في دمارها وتفككها”.
في انتفاضة “الحركة الخضراء” عام 2009 بقيادة ميرحسين موسوي ومهدي كروبي لم تشارك القوميات الأخرى، وبقي الشعب الفارسي في طهران وأصفهان وشيراز وحده في مواجهة النظام وقواته الأمنية
في انتفاضة “الحركة الخضراء” عام 2009 بقيادة ميرحسين موسوي ومهدي كروبي لم تشارك القوميات الأخرى، وبقي الشعب الفارسي في طهران وأصفهان وشيراز وحده في مواجهة النظام وقواته الأمنية، ولأسباب كثيرة لم تشارك القوميات الأخرى في تلك المظاهرات الحاشدة وكان هذا سببًا لها، إلا أنه من المتوقع في حال اندلاع أي حراك شعبي أو انتفاضات في المنطقة الفارسية، أن الشعوب غير الفارسية ستشارك بقوة هذه المرة خصوصًا بعد الحيف والجور والتنكيل الذي نالها في السنوات الأخيرة.
اعتراف بقرب التفكك
حذر الجنرال محسن رضائي أمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام والقائد العام الأسبق لقوات الحرس الثوري، الأوساط الإيرانية من تفكك الجمهورية الإيرانية بسبب التركيز على التوسع الخارجي وإهمال الداخل.
الجنرال رضائي: “لدى إيران صورتان، واحدة منها خارجية والأخرى داخلية، فلكل أمة وجه داخلي وآخر للعالم الخارجي”
وقال رضائي بحسب تقرير وكالة “مهر”: “لدى إيران صورتان، واحدة منها خارجية والأخرى داخلية، فلكل أمة وجه داخلي وآخر للعالم الخارجي”، مضيفًا أن صورة النظام الخارجية قد تكون قوية جدًا، لكن النظام قد يتآكل ويتجه نحو التفكك والانهيار والتقسيم.
وقال خلال كلمة ألقاها في مدينة لنجان بمحافظة أصفهان إن النظام مهدد بالانهيار، وذلك بسبب عدة عوامل يأتي في مقدمتها الفساد والفقر وأزمة البطالة التي بدأت تتفاقم، لافتًا إلى أن من عوامل انهيار النظام أيضًا عدم كفاءة بعض الأشخاص لتولي المناصب المهمة والعليا، واصفًا تلك المشاكل بالقنابل الموقوتة وأنها ستنفجر قريبًا ما لم يتم التصدي لها ومعالجتها في القريب العاجل.
التاريخ يعيد نفسه
وحذر رضائي من انهيار وتفكك النظام الإيراني، وقارن بينه راهنًا وبين الدولة الصفوية قائلاً: “إيران كانت في الحقبة الصفوية في ذروة توسعها الخارجي، لكن في النهاية انهارت تمامًا وتآكلت من الداخل”.
وأضاف رضائي: “في الحقبة القاجارية فقدنا نصف الأراضي التي كنا نمتلكها في عهد الدولة الصفوية، لذلك وفي نفس الوقت الذي نتوسع فيه إقليميًا، علينا أن نراعي الداخل ونهتم به”.
وعن الداخل الإيراني قال الجنرال رضائي: “في داخل البلاد، نرى عدم الكفاءة وفشل العمل والفساد يعملون كالقنبلة الموقوتة”، وتابع “التلوث البيئي الذي يشهده إقليم الأحـواز وتجفيف بحيرة أرومية في أذربيجان، والأزمة التي شهدها شعبنا في إحدى المطارات، والقطار الذي احترق كل ذلك ناتج عن عدم الكفاءة”.
كما اعترف ضمنيًا بوجود أزمة سنية شيعية وأزمة مع الشعوب غير الفارسية أو القوميات في إيران قائلاً: “لا بد من العودة إلى مبادئ الثورة الإيرانية، وأن نضع جانبًا قضايا الطائفية والقومية حتى لا تلحق بنا الأضرار من الداخل”.
كشف المستور
نشرت صحيفة الجارديان ومحطة الـ”بي بي سي فارسي” البريطانيتان، تقاريرًا وبرقيات سرية لاتصالات بين الخميني وإدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، حيث كتب الخميني بعض هذه البرقيات والرسائل بخط يده، طالبًا من الولايات المتحدة التدخل لدى الجيش الإيراني ومنعه من عرقلة خطط الخميني في العودة إلى إيران واستلام الحكم فيها.
التسريبات كشفت أن الخميني، تعهد في هذه الرسائل بأن يحافظ على علاقات جيدة تضمن استمرار تصدير النفط الإيراني إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يناقض التصريحات والخطب الرنانة والشعارات التي رفعها الخميني
التسريبات كشفت أن الخميني تعهد في هذه الرسائل بأن يحافظ على علاقات جيدة تضمن استمرار تصدير النفط الإيراني إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يناقض التصريحات والخطب الرنانة والشعارات التي رفعها الخميني، ونعته الولايات المتحدة الأمريكية بـ”الشيطان الأكبر”.
والمفارقة أن الخميني كان يتخذ من فرنسا مقرًا له لمعارضة نظام الشاه، واليوم تتخذ زعيمة المقاومة الإيرانية مريم رجوي من باريس مركزًا لمعارضة نظام ملالي قم.
الاقتصاد فيه سم قاتل
يقول مراقبون للشأن الإيراني إن الوضع الداخلي الإيراني بدأ يتجه نحو مزيد من التأزم، ليس فقط في المحافظات السنية والعربية والكردية والبلوشية (السنية)، بل حتى في المحافظات الفارسية نفسها بسبب تراجع الاقتصاد الإيراني ووجود أزمة بطالة وسكن وانتشار الإدمان على المخدرات بين فئات الشباب من الذكور والإناث.
ويضيف المراقبون أنه خلال الأسابيع الماضية شهدت إيران احتجاجات عمالية واسعة، كما شهد إقليم الأحـواز احتجاجات توسعت إلى عدة مناطق بسبب التلوث البيئي، مما دفع روحاني إلى زيارة الإقليم بهدف تهدئة الأوضاع هناك.
تقارير رسمية: تزايد أعداد البطالة في إيران والتي وصلت حسب تصريح وزير العمل والشؤون الاجتماعية إلى نحو 10 ملايين شخص
وأكدت تقارير رسمية تزايد أعداد البطالة في بالبلاد والتي وصلت حسب تصريح وزير العمل والشؤون الاجتماعية إلى نحو 10 ملايين شخص، معظمهم يحملون شهادات عليا، كما أكد وزير الداخلية الإيراني وجود 10 ملايين إيراني يعملون في مجال تهريب المخدرات، في الوقت الذي أشار مدير عام مركز البحوث في مكافحة المخدرات الإيرانية حميد صرامي إلى أن 37% من مدمني المخدرات في إيران هم من حَمَلة الشهادات العليا، في إشارة منه إلى تفشي المخدرات وسط إهمال الحكومة.
وكانت الصحف الإيرانية نشرت مؤخرًا تقاريرًا مصورةً بخصوص لجوء الفقراء إلى المقابر للسكن فيها، مما أحدث ضجة كبيرة داخل المجتمع الإيراني.
غليان الشعوب الإيرانية
هذه العوامل السابقة، تنذر بثورة داخلية عما قريب تحدث عنها لاريجاني في تصريحاته السابقة، وقد رأينا جميعًا إرهاصتها في أقاليم “الأحواز” و”أذربيجان الجنوبية” و”بلوشستان”، فالأتراك في أذربيجان والأكراد في كردستان والعرب في الأحواز (عربستان) والبلوش في بلوشستان والتركمان في إقليم تركمان صحراء، ومعهم الأقليات الإثنية صغيرة كاللور والبختيارية والطالش والغيلك والمازندرانيين وغيرهم، يشكلون مجتمعين نحو 65% من السكان، وقد بدأ الكورد بتكثيف عملياتهم العسكرية عن طريق البيمشركة وكذلك جيش العدل السني في بلوشستان.
رضائي نفسه تحدث قبل سنوات عن ضرورة إقامة نظم فيدرالي في إيران، وشدد حينها على أن تاريخ الفيدرالية في إيران يمتد إلى ألفي عام.
يقول المركز الأحوازي للإعلام والدراسات الاستراتيجية في تقرير: “منذ ما يقارب تسعة عقود من الزمن وبعدما تم فرض السيطرة الكاملة على الشعوب غير الفارسية المجاورة لدولة فارس حينذاك وإسقاط سيادتها بقوة العسكر، حاولت السلطة بكل الطرق الأمنية والعسكرية والإعلامية والثقافية أن تطمس ثقافة وهوية تلك الشعوب التي تشكل أكثر من 72% من خارطة إيران السياسية، لكن مقاومة تلك الشعوب والدفاع المستميت عن هويتها وثقافتها وتمسكها بحقوقها القومية ونضالها من أجل حقها في تقرير مصيرها، أفشلت كل تلك المحاولات الرامية إلى جعل إيران بلد ذي ثقافة ولغة واحدة هي الفارسية”.
العوامل تؤكد أن الشعوب الإيرانية قد عقدت العزم على الخلاص والمسألة أصبحت مسألة وقت ليس إلا، فالنظام الإيراني ارتكب جرائم يندى لها الجبين في سوريا والعراق ولبنان والخليج واليمن، رغم أن بيته الداخلي أوهن من بيت العنكبوت
كل هذه العوامل تؤكد أن الشعوب الإيرانية قد عقدت العزم على الخلاص والمسألة أصبحت مسألة وقت ليس إلا، فالنظام الإيراني ارتكب جرائم يندى لها الجبين في سوريا والعراق ولبنان والخليج واليمن، رغم أن بيته الداخلي أوهن من بيت العنكبوت، ولن تنسى شعوب العالم الإسلامي ما اقترفه الخميني ومن بعده الخامنئي بدعم غربي وتواطؤ غربي ونشرهم الخراب والقتل والإبادة والتهجير في العالم الإسلامي، ومنذ أن ارتكبت المجازر الجماعية في إيران لتشييع أهلها، والأنظمة التي حكمتها كانت العامل الأكثر شيوعًا لتفككها نتيجة التوسعات الخارجية والمواجهات العسكرية في محيطها الإقليمي وانهيار الاقتصاد.
يبدو أن خامنئي وملالي “قم” قد غاب عنهما هذه الحقيقة، وليس معنى أن التاريخ يعيد نفسه، أن الأحداث تتكرر بحذافيرها، ولكن السنن الكونية لا تحابي أحدًا، وشروط انهيار الأمم تتحقق اليوم في إيران، وإن غدًا لناظره قريب.