على الرغم من أن الله سبحانه وتعالى حبا جزيرة العرب بوافر نعمه، حيث فيها جبال من الذهب ما زالت بكرًا، وفيها أكبر احتياطي نفطي على وجه الكرة الأرضية (يبلغ احتياطي النفط فيها أكثر من 26% من إجمالي الاحتياطي النفطي في العالم)، فهي تعوم فوق بحر من البترول، وتنتج أكثر من 12 مليون برميل نفط يوميًا، أكثر من مليون منها ترسلها السعودية للولايات المتحدة من دون تسجيل لزيادة المخزون الاحتياطي الاستراتيجي النفطي فيها، وزيادة صافي دخلها القومي على مائتي مليار في السنة، وزيادة فوائدها النقدية المودعة في بنوك أمريكا وأوروبا عن ترليون دولار، فإن معدل الدخل العام للفرد – باستثناء الأمراء ومن يتبعهم – لا يزيد كثيرًا على معدل دخل الفرد في بلد مثل الصومال!
قال المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان فيليب ألستون إن هناك مناطق فقيرة جدًا في كل من المدن الكبيرة والمناطق الريفية النائية في السعودية، رغم أن معظم السعوديين مقتنعون بخلو بلادهم من الفقر، حسب ما نقله عنه مركز أنباء الأمم المتحدة “CNN”.
ما الذي يجعل في السعودية مناطق فقيرة جدًا وأناسًا يعيشون في فقر مدقع في حين يعيش الحكام في حالة من البذخ المفرط وتشتري دولتهم الأسلحة بمليارات الدولارات لتتكدس في المخازن دون فائدة
مئات الآلاف من الرعايا يعيشون حياة الفقر والبداوة والأمية، بعيدًا عن مظاهر الثراء الفاحش والتخمة وأنماط الحياة الغربية التي يعيشها أمراء بني سعود وحلفاؤهم وزعماء القبائل الموالون لهم ورجال الأعمال من وكلائهم، فما الذي يجعل في السعودية مناطق فقيرة جدًا وأناسًا يعيشون في فقر مدقع في حين يعيش الحكام في حالة من البذخ المفرط وتشتري دولتهم الأسلحة بمليارات الدولارات لتتكدس في المخازن دون فائدة أو لاستخدامها ضد المسلمين سواء داخل البلد أو خارجه؟!
هذه الثروة المهولة يتم استنزافها أو بعثرتها في نفقات رئيسية أربعة:
أولًا: يتم استنزافها من خلال الشركات العالمية عابرة القارات، ولأمريكا منها حصة الأسد، فهناك أكثر من 250 شركة أمريكية (منها شركات صناعية عملاقة) تتقاسم معظم العقود في القطاعات المفصلية كالدفاع والكهرباء والبترول والغاز وصناعة الحديد والبتروكيماويات، وتعتبر أرامكو الذراع التنفيذي لأمريكا على الصعيد الاقتصادي.
وتضمن العائلة السعودية المالكة للشركات الأجنبية التي تقوم باستثمارات في السعودية قروضًا سخية دون فائدة تصل إلى نسبة 50% من كلفة المشروع، كما تقدم لها الأراضي والماء والكهرباء بأسعار رمزية، وتتحمل الدولة نفقات التأهيل المهني، وتعفي الأجانب الذين يوظفون أموالهم عندها من الضرائب لمدة من خمس إلى عشر سنوات، وتخولهم الحق بإخراج أرباحهم بكاملها، وتبلغ رواتب الموظفين في هذه الشركات الغربية ثلاثة أضعاف رواتب الموظفين المحليين.
السعودية من دول العالم الثالث، فإنها رابع منفق على السلاح في العالم، حيث تأتي بعد أمريكا والصين وروسيا، فتنفق على هذا القطاع نحو 57 مليار دولار سنويًا
ثانيا: التسلح، فرغم أن السعودية من دول العالم الثالث، فإنها رابع منفق على السلاح في العالم، حيث تأتي بعد أمريكا والصين وروسيا، فتنفق على هذا القطاع نحو 57 مليار دولار سنويًا، وهو أكبر قطاع يستنزف ميزانية الدولة، وجدير بالذكر أنه لا يتم بهذه المبالغ شراء السلاح وتكديسه في المخازن فقط، بل إن أكثرها تتبخر في صفقات السلاح الوهمية التي يعقدها أمراء بني سعود مع الدول الغربية (وعلى رأسها أمريكا) بعمولة بسيطة نسبيًا، كما انكشف ذلك في صفقة اليمامة التي من خلالها استمر نهب ثروة البلاد لأكثر من 20 عامًا.
لكن مؤخرًا تم استخدام هذه الأسلحة التي كانت مكدسة في المخازن في حرب السعودية على اليمن بالنيابة عن أمريكا، حتى وصل بها الحال إلى شراء المزيد من السلاح لتزويد جيشها في اليمن.
يضاف إلى هذه النفقات ما تنفقه العائلة المالكة على المشاريع السياسية والعسكرية الأمريكية في العالم، مثل دعم بعض الحكام العملاء في العالم وشراء ذمم بعض قادة الكتائب المقاتلة في الشام وتزويدهم بالسلاح لكسب بعض المعارك التي تخدم المشاريع الأمريكية في الشام.
ثالثًا: الإنفاق على أمراء وأبناء بني سعود، فما يأخذه الأمراء أكثر من 40 مليار دولار سنويًا، وليس من المبالغة القول إن مملكة آل سعود تتألف من عالمين متناقضين، حيث يمكن مشاهدة الأغنياء من الأمراء ورجال الأعمال وهم يقومون برحلاتهم إلى الخارج أحيانًا في عطلة كل أسبوع بطائراتهم الخاصة، فيلهون ويستجمون في المنتجعات الأوروبية والأمريكية، ويتوزعون على بلاجات كاليفورنيا أو على مراكز التزلج في سويسرا، بينما الأقل حظًا يتسلون في البحرين أو بيروت أو القاهرة.
مشاهدة الثراء الفاحش من خلال آلاف القصور التي توجد في مختلف المناطق في بلاد الحجاز لأمراء بني سعود وأبنائهم ونسائهم، في الوقت نفسه يمكن للمرء أن يشاهد أكواخ الصفيح المنتشرة قرب المدن السعودية الكبرى وحولها
ويمكن مشاهدة الثراء الفاحش من خلال آلاف القصور التي توجد في مختلف المناطق في بلاد الحجاز لأمراء بني سعود وأبنائهم ونسائهم، في الوقت نفسه يمكن للمرء أن يشاهد أكواخ الصفيح المنتشرة قرب المدن السعودية الكبرى وحولها، حيث مظاهر البؤس وسوء التغذية وانعدام الخدمات الأساسية ووسائل الراحة والرفاهية العصرية التي يغرق فيها بني سعود وأعوانهم، فينحشر فيها مئات الألوف من المسلمين الذين يعيشون خارج العصر النفطي، في ظروف إنسانية صعبة يندى لها الجبين.
رابعًا: الإنفاق على مشاريع لا فائدة منها، ومنها مشاريع لإلهاء الناس عن الحديث في فساد الأنظمة العربية كالإنفاق على تأسيس أكبر عدد ممكن من القنوات الإعلامية الموجهة ضد المسلمين والتي تدعو إلى الرذيلة والتضليل الشرعي؟
أما المشاريع الأخرى التي لا فائدة منها، هي مشاريع تعد تحايلاً لسرقة المال العام من قبل الشركات الغربية، مثل بناء مطار جدة والذي أُعد لاستقبال عشرة ملايين مسافر، ومثله مطار الرياض الذي أُعد بنفس مستوى الفخامة لاستقبال 15 مليون مسافر، ولكن من أين ستأتي كل تلك الملايين من المسافرين؟ وإلى أين سيذهبون؟ ما دام عدد الحجاج السنوي إلى مكة إضافة إلى المعتمرين لا يزيد على ثلاثة ملايين؟!