ربما تردد هذا الاسم على مسامعك كثيرًا أو ربما تكون قد قرأت عنه نبذات مختصرة كأحد أشهر طواغيت أوروبا وأكثرهم إمعانًا في الظلم والتجبر، إنه “تشاوشيسكو” الرئيس الروماني الذي أعدمه جيش بلاده بعد ثورة شعبية اجتاحت رومانيا وصلت إلى مقر قصره الرئاسي ذاته، فكيف انتهى به الأمر إلى ذلك؟ وكيف انتهى حكمه تلك النهاية المأساوية؟
ولد تشاوشيسكو في 26 من يناير عام 1918 في مدينة “سكورنيستي” ثم انتقل بعد نحو 11 عامًا إلى العاصمة الرومانية بوخارست وعمل فيها بأحد المصانع، وفي عمر الـ14 انضم لحزب العمال وتم سجنه بعد أن انضم للحزب الاشتراكي لكون ذلك الحزب محظورًا في الدولة الرومانية آنذاك، قضى عامين ونصف في السجن، واستطاع الهروب عام 1944.
بعد أن استطاع التدرج في العمل السياسي والحزبي استطاع أن يصل لمنصب رئيس رومانيا عام 1974، اتسمت سياساته الاقتصادية بالعشوائية مما أدخل البلاد في حالة شديدة من الفقر والاحتياج، وأغرقت البلاد في عهده في سلسلة متوالية من الديون والأعباء الاقتصادية، تمثلت هذه السياسات في تصدير معظم الإنتاج الزراعي للبلاد الأخرى والذي اعتمدت عليه رومانيا كثيرًا في السنوات السابقة مما أدى إلى فقر شديد عانى منه الشعب الروماني، كما أدى ذلك إلى رفع أسعار المواد الغذائية بشكل كبير.
وصف تشاوشيسكو العديد من المحللين النفسيين بأنه مصاب بجنون العظمة حيث أطلق على نفسه العديد من الألقاب التي اتسمت بالمبالغة في تبجيل الذات والتفخيم من نفسه مثل القائد العظيم ودانوب الفكر وغيرها من الألقاب
وصفه العديد من المحللين النفسيين بأنه مصاب بجنون العظمة حيث أطلق على نفسه العديد من الألقاب التي اتسمت بالمبالغة في تبجيل الذات والتفخيم من نفسه مثل القائد العظيم ودانوب الفكر والعبقري الذي يعرف كل شيء وغيرها من الألقاب التي تنافت مع ما أصاب البلاد من فقر وجوع وقمع للحريات في أثناء توليه الحكم.
اهتم تشاوشيسكو بالبناء العمراني في رومانيا أكثر من أي شيء آخر، وعمل على إقامة بعض المشروعات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ومن أمثلة هذه المشروعات مبنى “بيت الشعب” الذي يعتبر أعلى مبنى إداري في العالم.
اتسمت سياسة البلاد في أثناء حكمه في التعامل مع الإعلام بالديكتاتورية والتحكم في كل ما يُطرح على الشعب، حيث منع جميع القنوات الأجنبية من الظهور على الشاشات التليفزيونية، كما تم حجب العديد من القنوات الإخبارية الرومانية المعارضة حتى تحول الإعلام في رومانيا إلى إعلام مهلل ومطبل بنسبة قاربت الـ100%.
تحولت رومانيا في عهده إلى دولة بوليسية من الدرجة الأولى وعمل النظام الحاكم على تحويل كل مواطن على أرض رومانيا إلى مؤيد للنظام بشكل أو بآخر ولم يسمح بالمعارضة أبدًا، كما تم اعتبار كل معارض للنظام تهديد قائم ودائم لأمن رومانيا.
كل ما سبق وغيرهم من الأسباب عملوا معًا كالقنبلة الموقوتة مما أدى لقيام الثورة الشعبية في النهاية كردة فعل طبيعية ضد كل ذلك الكم غير المعتاد من الطغيان والظلم والقمع الذي اتخذ كل الأشكال والصيغ.
كيف قامت الثورة الرومانية إذًا؟
في الـ16 من ديسمبر عام 1989 اندلعت مظاهرات عارمة اجتاحت شوارع مدينة تيمشوارا غرب رومانيا واستمرت المظاهرات بشكل قوي واحتشد الناس في الشوارع لمدة يومين متتالين محتجين على السياسة الشيوعية التي اتبعها النظام الحاكم في البلاد وعلى رأسه الطاغوت الأكبر تشاوشيسكو، ثم انتقلت التظاهرات إلى العاصمة بوخارست.
أدت تلك التظاهرات والاحتجاجات إلى إرغام تشاوشيسكو على الخروج إلى جماهيره في خطاب عاطفي حذر فيه الشعب من الفوضى والهلاك إذا سقط هو ونظامه، وأخذ يعدهم بعدة وعود وردية كنوع من المسكنات حتى تهدأ ثورتهم ويعودوا إلى منازلهم.
الجماهير قاطعوا خطابه معترضين وحاصروا قصره الرئاسي، واندلعت الصدامات الدموية بين كل من قوات الشرطة والمتظاهرين مما خلف مئات القتلى والجرحى
لكن الجماهير قاطعوا خطابه معترضين وحاصروا قصره الرئاسي، واندلعت الصدامات الدموية بين كل من قوات الشرطة والمتظاهرين مما خلف مئات القتلى والجرحى، فما كان منه أمام كل ذلك إلا أن أمر قوات الجيش بالنزول للشوارع وقمع المتظاهرين وقتلهم بالرصاص الحي، ولكن الجيش رفض ذلك رفضًا مطلقًا وأعلن تأييده للشعب وتم القبض على الطاغوت ومحاكمته بشكل صوري لمدة ساعتين في جلسة علنية شاهدها الجميع بأعينهم وصدر الحكم عليه وزوجته بالإعدام رميًا بالرصاص وتم تنفيذ الحكم بالفعل أمام ومرأى ومسمع من الجميع وذلك يوم الـ25 من ديسمبر عام 1989.
وهكذا بنتهت الشيوعية في رومانيا وأوروبا كلها بمقتل تشاوشيسكو ودخلت رومانيا في عهد جديد واستطاعت أن تلتقط أنفاسها بعد كل هذا الكم من التضييق والقمع في عهد آخر طواغيتها.