“عميدة الأسيرات الفلسطينيات” و”أميرة الحرائر”.. هكذا تلقب بين الأوساط الفلسطينية والأردنية على حد سواء، فتاة في السابعة والثلاثين من عمرها، عشر سنوات منها قضتها داخل السجون الإسرائيلية، بعد أن حكم عليها بالمؤبد قرابة الـ16 مرة، لتخرج بعد ذلك في صفقة تبادلية للأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وحكومة الاحتلال في 2011.
أحلام التميمي، أردنية الجنسية من أصول فلسطينية، أول امرأة عضو في صفوف كتائب القسام (الجناح العسكري لحماس)، وضعها مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف بي آي) على قوائم الإرهابيين المطلوبين، بتهمة التآمر لاستخدام سلاح دمار شامل ضد أمريكيين خارج الولايات المتحدة، وتطالب واشنطن الحكومة الأردنية بتسليمها فورًا.
أحلام في سطور
أحلام التميمي هي ابنة لأبوين من أصول فلسطينية يحملان جواز سفر أردني، ولدت في العشرين من أكتوبر عام 1980 بمدينة الزرقاء الأردنية، لتنتقل بعد ذلك هي وأسرتها في تسعينيات القرن الماضي إلى جذورهم الأصلية بقرية النبي صالح في رام الله بفلسطين.
التحقت التميمي بجامعة “بيرزيت” في فلسطين لدراسة الإعلام والعلوم السياسية، لتخرج بعد ذلك إلى الحياة العملية كمحررة صحفية في مجلة “ميلاد” التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية، ثم انتقلت بعد ذلك للعمل كمقدمة برامج في “تلفزيون الاستقلال” المحلي، حيث كانت تقدم برنامجًا يُسمى “حصاد الأسبوع” المتخصص في إلقاء الضوء على أبرز الأحداث الموجودة على الساحة الدولية والفلسطينية لا سيما المتعلقة بالصراع مع دولة الاحتلال.
أول عضو نسائي بـ”القسام”
كان العام 2000 هو الانطلاقة الأولى للفتاة الفلسطينية الأردنية نحو النضال والمقاومة، وذلك حين التحقت بصفوف كتائب عز الدين القسام، في أثناء انتفاضة الأقصى، لتصبح أول عضو نسائي بها، حيث استطاعت الانخراط في أعمال المقاومة بتوكيل من الخلية العسكرية التابعة لكتائب القسام.
كما كان لطبيعة عمل أحلام كمحررة صحفية تتقن الإنجليزية دور كبير في نشاطها المقاوم، حيث سمح لها ذلك بالدخول إلى أماكن تجمع الإسرائيليين بحجة أنها صحفية وتبغي إجراء مقابلات معهم، وذلك دون أن تثير ريبة أو شك الجنود الإسرائيليين هناك في الذهاب والإياب وهو ما ساعدها بعد ذلك في المشاركة في تنفيذ العديد من العلميات الفدائية.
وفي يوم الـ9 من أغسطس 2001 قادت الصحفية الفلسطينية العملية الاستشهادية التي نفذها المقاوم عز الدين المصري داخل مطعم “سبارو” بالقدس المحتلة، والتي أسفرت حينها عن سقوط 15 قتيلاً، 13 منهم إسرائيليين وأمريكيين، وهو ما تسبب في اعتقال قوات الاحتلال الإسرائيلي لها في الـ14 من سبتمبر من نفس العام بعد اقتحام منزل والدها في قرية النبي صالح خلال تلقيه العزاء في زوجته والتي توفيت في الأول من سبتمبر 2001.
في 9 من أغسطس 2001 قادت التميمي العملية الاستشهادية التي نفذها المقاوم عز الدين المصري داخل مطعم “سبارو” بالقدس المحتلة، والتي أسفرت حينها عن سقوط 15 قتيلاً، 13 منهم إسرائيليين وأمريكيين
وبعد سلسلة من الأحكام الصادرة ضد التميمي والتي تجاوزت الـ16 حكمًا بالسجن المؤبد، أودعت المناضلة في السجون الإسرائيلية لتقبع بها ما يقرب من عشر سنوات، تعرضت خلالها كغيرها من الأسرى لتحقيق قاسٍ وللعزل الانفرادي، وعاشت ظروفا قاسية في معتقلات الاحتلال وحكم عليها بستة أشهر إضافية بدعوى قيامها بضرب شرطية إسرائيلية.
وفي الـ18 من أكتوبر 2011 أي بعد عشرة أعوام تقريبًا من تاريخ اعتقالها تم الإفراج عن “عميدة الأسيرات الفلسطينيات” كما لقبت داخل السجن، ضمن الدفعة الأولى لصفقة تبادل الأسرى التي سميت حينها “وفاء الأحرار” بين الكيان الإسرائيلي وحركة حماس.
تقول الأسيرة المحررة في تصريحات لها “إن اختيارها لطريق المقاومة جاء من إيمانها المطلق أنه السبيل الوحيد لتحرير الأرض من دنس اليهود وطرد المحتل، لكنها في الوقت نفسه أكدت أنها لم تكن استشهادية في كتائب القسام، إذ إن للاستشهادي مواصفات وسمات لم تكن موجودة في شخصيتها”
خلال استقبالها من قبل رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” خالد مشعل، عقب الإفراج عنها
اتهام أمريكي ورفض أردني
وبعد مرور ما يقرب من ست سنوات على الإفراج عن المناضلة الفلسطينية في الثامن عشر من أكتوبر 2011، إذ بمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) يضعها على رأس لائحة “الإرهابيين” المطلوبين بتهمة المشاركة في تفجير مطعم بالقدس المحتلة عام 2001 قتل فيه أمريكيان بالإضافة إلى 13 إسرائيليًا، وطالبت وزارة العدل الأمريكية حكومة عمّان بتسليمها فورًا.
الوزارة الأمريكية في بيان لها أشارت إلى أنها وجهت تهمة “التآمر لاستخدام سلاح دمار شامل ضد أمريكيين خارج الولايات المتحدة” للتميمي، مضيفة أنها رافقت في الـ9 من أغسطس 2001، الاستشهادي لدى توجهه إلى مطعم سبارو للبيتزا في القدس، حيث فجَّر عبوة ناسفة كانت مخبَّأة داخل جيتار، وأوقع الهجوم يومها 15 قتيلاً، بينهم أمريكيين، و122 جريحًا.
التهم التي وجهتها السلطات الأمريكية لأحلام التميمي من الممكن أن تقود القضاء هناك إلى إصدار أحكام قاسية بحقها قد تصل إلى الإعدام أو المؤبد على أقل تقدير، وهو ما دفع الحكومة الأردنية إلى رفض الطلب الأمريكي باعتباره مخالف للقوانين والاتفاقيات الدولية المبرمة بين الدولتين.
وزارة العدل الأمريكية وجهت تهمة “التآمر لاستخدام سلاح دمار شامل ضد أمريكيين خارج الولايات المتحدة” للتميمي وطالبت السلطات الأردنية بتسليمها
بحسب تصريحات صحفية لمصدر أردني مقرب من الحكومة، رافضًا الكشف عن هويته، فإن” المملكة لن تقوم بتسليم التميمي”، موضحًا “أن اتفاقية تبادل المجرمين بين الأردن والجانب الأمريكي غير سارية المفعول، ولم يصادق عليها مجلس النواب”.
أما النائب الأردني صالح العرموطي أشار إلى أن الطلب الأمريكي غير قانوني وغير شرعي، ويتعارض مع الشرعية الدولية التي أعطت الشعب الفلسطيني حق مقاومة المحتل وتقرير المصير، مضيفًا في تصريحات له أن هناك اتفاقية لتسليم المجرمين بين أمريكا والأردن، موضحًا أنها غير دستورية لأنها لم تمر بمراحلها الدستورية، ولم تعرض على مجلس الأمة.
العرموطي استبعد قيام الحكومة الأردنية بتسليم أحلام للسلطات الأمريكية، ملفتًا أنها ليست المرة الأولى التي تطلب فيها أمريكا تسليم مطلوبين لديها، إلا أن أعلى محكمة “التمييز” وهي أعلى محكمة قضائية في الأردن، رفضت الطلب، لأن الاتفاقية غير موقعة عن طريق مجلس الأمة.
البرلماني الأردني أشار إلى وجود سبب آخر يحول دون تسليم الأسيرة المحررة، وهو عدم توفر شروط التسليم، معتبرًا الطلب الأمريكي “تحدّيًا لمشاعر الشعب الفلسطيني والأردني على حد سواء”، منوهًا أنه لا يوجد أي داعٍ يجبر الحكومة على الاستجابة للطلب الأمريكي، بالإضافة إلى أن التسليم إذا تم فسيكون عبر القضاء الأردني، وليس عبر الحكومة، وبالتالي فإن الأمر مستبعد، وفق قوله.
اتهام التميمي باستهداف مطعم في القدس المحتلة في 2001
واشنطن تبتز وتل أبيب تضغط
فلسطينيًا استنكرت حركة “حماس” الطلب الأمريكي بشأن تسليم التميمي، مشيرة أنه غير قانوني ويفتقد للمسوغات الشرعية والدستورية التي تسمح له بذلك، منوهة على لسان الناطق باسمها فوزي برهوم أن صفقة التبادل “الرسمية” التي جرت بين الفصائل الفلسطينية والجانب الإسرائيلي عام 2011، تضمن للتميمي والمعتقلين الذين تمّ الإفراج عنهم كافة أن يبقوا “أحرارًا، دون أن يُعاد اعتقالهم من أي طرف”.
برهوم أضاف أن أمريكا تريد من خلال هذا الطلب ابتزاز أطراف معينة، وتستخدم هذه الأوراق لتمرير مصالحها في المنطقة، موضحًا أن الأردن دولة مستقلة وقانونية، ويعرف كيف تتعامل مع المطالب بما يحمي مواطنيها أو الأشخاص داخل حدودها.
الأسير المحرر تيسير سليمان، في تصريحات له، قال إن “إسرائيل تعتقد أن الأسرى المحررين لفتوا أنظار العالم إلى حقيقة المعاناة التي يعيشها آلاف الأسرى في سجون الاحتلال، خاصة من تم إبعادهم خارج الأراضي الفلسطينية”، مشيرًا إلى أن “هؤلاء الأسرى وجدوا من الدول التي أبعدوا إليها نوافذ قانونية ليخدموا شعبهم ويكونوا جزءًا من التعبير عن معاناته”، لافتًا إلى أن الأسيرة المحررة أحلام التميمي “كانت تمارس هذا الدور سواء عندما كانت في السجن أو بعد إطلاق سراحها”.
الناطق باسم حماس يرى أن أمريكا تريد من خلال هذا الطلب ابتزاز أطراف معينة، وتستخدم هذه الأوراق لتمرير مصالحها في المنطقة
سليمان قال معلقًا على الطلب الأمريكي بتسليم أحلام التميمي: “أعتقد أن إسرائيل هي التي تطالب بتسليم أحلام ولكن بقناع القضاء الأمريكي، لأنه من المعلوم بالضرورة أن الأحكام الصادرة بحق الأسرى في أي صفقة تبادل تكون قد سقطت بمجرد إطلاق سراح الأسير، ولا يمكن محاسبة أي منهم بأثر رجعي، لذلك الاحتلال لن يترك جهدًا على كل الأصعدة سواء أمنيًا أو قضائيًا للتضييق على الأسرى”.
وفي السياق نفسه، استنكرت النائبة الفلسطينية عن كتلة حماس البرلمانية هدى نعيم، إدراج اسم الأسيرة المحررة أحلام التميمي ضمن المطلوبين لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، موجهة خطابها لها بقولها: “رسالتنا لأحلام التميمي أنها رمز للمرأة الفلسطينية الصامدة، وكل الشعب الفلسطيني يقف معها باعتبارها عنوان للمرأة المناضلة”.
البرلمانية الأردنية اتهمت الإدارة الأمريكية بأنها “إدارة صهيونية بامتياز وأن من يحرك هذه الإدارة هي مصالح دولة الاحتلال”، مطالبة الحكومة الأردنية بـ”حماية الأسيرة المحررة أحلام التميمي قانونيًا ورفض تسليمها للسلطات الأمريكية”، مؤكدة أن الواقع العربي والإقليمي الضعيف ساهم في زيادة تبجح الرئيس الأمريكي ترامب بأن أمريكا هي أكبر راعية للعنف في المنطقة، على حد قولها.
البرلمانية الأردنية هدى نعيم اتهمت الإدارة الأمريكية بأنها “إدارة صهيونية بامتياز وأن من يحرك هذه الإدارة هي مصالح دولة الاحتلال”
تحذير من الاغتيال
بعض الجهات الحقوقية أشارت إلى أن الطلب الأمريكي يدخل في إطار العنصرية المقيتة التي يلجأ إليها خدمة لدولة الكيان المحتل، والتي تسعى إلى إجهاض وإسقاط أي رمز قد يرفع منسوب المواطنة والمقاومة في نفوس الفلسطينين من جانب، وينقل تجربته للعالم بما يسيئ لصورة دولة الاحتلال من جانب آخر، وهذا ما أشار إليه مركز الإنسان للديمقراطية والحقوق، الذي يقع في قطاع غزة.
المركز أشار إلى أن قضية تسليم أحلام ليس المقصود بها شخص التميمي، بل يقصد بها “المرأة الفلسطينية المناضلة المقاومة والتي أصبحت مثالاً يحتذى به أمام العالم” مضيفًا أن مثل هذا القرار يمثل سابقة خطيرة ولا بد من الدفاع عنها، إلا أنه حذر من تكرار السيناريو الذي حدث مع عمر النايف من الجبهة الشعبية الذي تم اغتياله في ظروف مجهولة إلى الآن في السفارة الفلسطينية حيث كان يختبئ في العاصمة البلغارية صوفيا.
كما دعا إلى توفير الحماية للتميمي وعدم تعريض حياتها للخطر، وضرورة قيام الجهات المعنية والحقوقية بدورها في حمايتها، والمساهمة معها في إيصال رسالتها بشأن إظهار معاناة الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، ومحاكمة الاحتلال بدلاً من محاكمة الضحية.
مركز الإنسان للديمقراطية الفلسطيني يحذر من تكرار سيناريو عمر النايف عضو الجبهة الشعبية الذي تم اغتياله في ظروف مجهولة إلى الآن في السفارة الفلسطينية حيث كان يختبئ في العاصمة البلغارية صوفيا
لقاء عبد الله الثاني وترامب في واشنطن فبراير الماضي
هل تصمد عمًان؟
الكثير من التساؤلات فرضت نفسها بشأن قدرة عمّان – الحريصة على علاقاتها بواشنطن – على التصدي للرغبة الأمريكية في تسليم التميمي، ومواجهة عنصرية الرئيس الأمريكي الجديد الذي طالما عزف على وتر حماية تل أبيب وتوفير سبل الأمن والأمان لها، خاصة في ظل العلاقات الجيدة التي تشهدها عمّان وواشنطن والتي توجت بزيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لأمريكا ولقائه بدونالد ترامب الشهر الماضي.
إلا أنه من الصعب أن تدخل الحكومة الأردنية في صدام مع مؤسسات القضاء والبرلمان بعد أن أقروا بعدم أحقية واشنطن في طلبها، فضلاً عن تجنب الصدام مع الشارع الأردني الذي يميل في غالبه إلى رفض تسليم التميمي، وهو ما يضع عمّان في حرج حال تصعيد الإدارة الأمريكية لضغوطها في هذا الشأن.
الموقف الحرج للحكومة الأردنية ربما يدفع إلى البحث عن سيناريوهات أخرى للخروج من هذا المأزق، كأن يتم ترحيلها إلى دولة أخرى كما تم تداوله بشأن أن تكون تركيا محطة المناضلة الفلسطينية القادمة، وبذلك تعفي عمان نفسها من الحرج، ورغم التأثير السلبي لمثل هذا القرار على شعبية حكومة الأردن فإنه أفضل حالاً من الرضوخ لضغوط البيت الأبيض أو الدخول في صدام – غير مبرر – مع الإدارة الأمريكية الجديدة.