ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد مرور خمس سنوات على مقتل الكاتب في موقعنا جمال خاشقجي على يد فرقة اغتيال أرسلت من السعودية، لم يكن هناك أي إغلاق للقضية؛ لا بالنسبة لنا، ولا لعائلته وأصدقائه، ولا لجميع أولئك في العالم العربي الذين قد يستفيدون من رؤى خاشقجي نحو مزيد من الانفتاح والديمقراطية في الحكم. الإغلاق يعني في النهاية معرفة الحقيقة ومحاسبة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي أرسل القتلة وكل من شارك في الأمر.
في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، تم استدراج خاشقجي، البالغ من العمر 59 سنة، والمقيم الدائم في الولايات المتحدة، إلى القنصلية السعودية في إسطنبول من خلال وعد بإصدار بعض الأوراق التي يحتاجها للسماح له بالزواج من خطيبته التركية، خديجة جنكيز. دخل القنصلية ولم يخرج منها؛ ففي الداخل، قام فريق سعودي بخنقه وتقطيع جثته بمنشار العظام، وضمت فرقة الموت المكونة من 15 عضواً، سبعة عملاء من نخبة الحماية الشخصية لولي العهد وآخرين من المركز السعودي للدراسات والشؤون الإعلامية، بقيادة سعود القحطاني، المستشار المقرب من ولي العهد.
وعندما أنجزوا عملهم القذر، تسللوا إلى خارج تركيا. وحتى يومنا هذا، لم يذكر السعوديون ما فعلوه بالجثة، وبالتالي حرموا عائلة خاشقجي وأصدقائه ومؤيديه من فرصة دفنه بشكل لائق وكريم.
وخلص مجتمع الاستخبارات الأمريكي إلى أن ولي العهد وافق على مهمة “القبض على خاشقجي أو قتله”. لكن ما هي الأوامر المحددة ومن من؟ وكما ذكر تقرير استخباراتي أمريكي في سنة 2021، “على الرغم من أن المسؤولين السعوديين قد خططوا مسبقًا لعملية غير محددة ضد خاشقجي، إلا أننا لا نعرف إلى أي مدى قرر المسؤولون السعوديون إيذاءه مقدمًا”، ولا يزال الجمهور لا يعرف أيضًا.
وكانت المحاكمات السعودية بعد جريمة القتل بمثابة “استهزاء” بالعدالة، على حد تعبير خديجة جنكيز. ففي كانون الأول/ ديسمبر 2019، حكمت المحكمة الجزائية بالرياض على خمسة أشخاص بالإعدام بتهمة القتل؛ وتلقى ثلاثة آخرون أحكاماً بالسجن يصل مجموعها إلى 24 سنة.
وتمت تبرئة ثلاثة أشخاص، من بينهم نائب رئيس المخابرات السعودية السابق أحمد العسيري، الذي حددته المخابرات الأمريكية على أنه أحد المتورطين. وتم التحقيق مع سعود القحطاني من قبل النيابة العامة السعودية ولكن لم توجه إليه أي تهمة. وفي أيلول/ سبتمبر 2020، تم تخفيف أحكام الإعدام الصادرة بحق الخمسة إلى السجن 20 سنة. وقالت السلطات السعودية إن القضية قد أُغلقت.
ويشير ولي العهد الآن إلى الجريمة كما لو كان طرفًا ثالثًا بعيدًا هو المسؤول عنها. وفي مقابلة مع قناة فوكس نيوز أذيعت في 20 أيلول/ سبتمبر الحالي، وصف جريمة القتل بأنها “خطأ”. وأضاف: “نحاول إعادة تشكيل النظام الأمني للتأكد من عدم تكرار هذا النوع من الأخطاء، ويمكننا أن نرى في السنوات الخمس الماضية لم يحدث شيء من هذه الأشياء. إنه ليس جزءًا مما تفعله السعودية”.
“إعادة تشكيل؟!!”
وفي آب/ أغسطس الماضي، حكمت السعودية على سلمى الشهاب، وهي أم لطفلين، بالسجن لمدة 34 سنة، وتم تعديلها فيما بعد إلى 27 سنة، بسبب منشور على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد اتُهمت بـ “دعم أولئك الذين يسعون إلى الإخلال بالنظام العام” لتحدثها لصالح لجين الهذلول، الناشطة في مجال حقوق المرأة، وغيرها من سجناء الرأي. وفي إحدى القضايا في تموز/ يوليو، حُكم على محمد الغامدي، وهو مدرس متقاعد، بالإعدام لإدلائه بتصريحات تنتقد العائلة المالكة السعودية على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد اتُهم بموجب قانون مكافحة الإرهاب بـ “وصف الملك أو ولي العهد بطريقة تسيء إلى الدين أو العدالة” ودعم “أيديولوجية إرهابية”.
وعندما سئل على قناة فوكس نيوز عن حكم الإعدام، أجاب محمد بن سلمان: “لسنا سعداء بذلك. ونحن نخجل من ذلك. لكن [في ظل] نظام هيئة المحلفين، [عليك] أن تتبع القوانين، ولا أستطيع أن أقول للقاضي: “افعل ذلك وتجاهل القانون”، لأن … هذا مخالف لسيادة القانون. لكن هل لدينا قوانين سيئة؟ نعم. هل نغير ذلك؟ نعم.” في الواقع، حُكم على محمد الغامدي بالإعدام بموجب قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2017 الذي وضعه ولي العهد.. هذه هي دكتاتوريته.
وفي اجتماع مع محمد بن سلمان في جدة في 15 تموز/ يوليو 2022، أثار الرئيس بايدن قضية مقتل خاشقجي، و”تلقى التزامات فيما يتعلق بالإصلاحات والضمانات المؤسسية المعمول بها للحماية من أي سلوك من هذا القبيل في المستقبل”، وفقًا لبيان البيت الأبيض. في الموعد وبعد رحيل بايدن، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية سلسلة من أحكام السجن القاسية ضد منتقدي النظام.
وفي الشهر الماضي، حكمت المحكمة على منال الغفيري، طالبة المرحلة الثانوية البالغة من العمر 18 سنة، بالسجن لمدة 18 سنة وحظر السفر بنفس المدة بسبب تغريداتها الداعمة لسجناء الرأي. وفي الوقت نفسه، قتل حرس الحدود السعودي مئات المهاجرين وطالبي اللجوء الإثيوبيين الذين حاولوا عبور الحدود اليمنية السعودية. والآن يتفاوض ولي العهد مع إدارة بايدن بشأن اتفاقية دفاع – وإنشاء محطة طاقة نووية مدنية على الأراضي السعودية – مقابل الاعتراف الكامل بإسرائيل.
لا ينبغي لأحد أن يقبل التبرئة السعودية. لقد سرق محمد بن سلمان جمال خاشقجي من عائلته وأصدقائه وزملائه، ونجا من المساءلة عن مقتله، ويستمر في تعذيب السعوديين المعارضين.
المصدر: واشنطن بوست