بعد أن كانت النقابات التعليمية في تونس من أولى المباركين لتعيين ناجي جلول في منصب وزير التربية لما يحمله من فكر يماثل فكر قيادات هذه النقابات التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، حلّ الصدام محلّ الوئام بين هذين الطرفين، حتّى وصل الأمر حدّ مطالبة النقابات بإقالة الوزير الأمر الذي ترفضه الحكومة وتعتبره مسّا من هيبتها، فكان التلميذ الحلقة الأضعف بينهما.
التشبث بإقالة الوزير
انطلاقا من يوم الـ 27 من الشهر الحالي، تعلّقت الدراسة في كامل الإعداديات والمعاهد التونسية، حسب ما أقرّته النقابة العامة للتعليم الثانوي، بعد رفض الحكومة إقالة وزير التربية ناجي جلول، وسبق أن نفّذ أساتذة التعليم الثانوي إضرابًا قطاعيًا وطنيًا، وذلك لمطالبة رئيس الحكومة يوسف الشاهد بـ “إيجاد بدائل لوزير التربية ناجي جلول”.
قرار الاضراب يؤكّد عزم الأساتذة والمعلمين في تونس على تحقيق مطالبهم والإطاحة بالوزير على اعتبار أن كل تأخير في الإقالة هو استهانة بهم وهو الشيء الذي يعكر المناخ حسب تعبيرهم. وإذا لم ينتج عن الإضراب إقالة جلول، سيعود الأساتذة إلى الاعتصام في كل المندوبيات الجهوية للتربية والمندوبيات الجهوية لشؤون الشباب والرياضة التي انطلقوا في تنفيذها يوم 20 فبراير الماضي رفقة المعلمين، الذين نفذوا إضراب عاما عن الدراسة يومي 8 و9 من الشهر الحالي.
قابلت وزارة التربية هذه الاحتجاجات بإعفاء 10 مديري معاهد بسبب رفضهم تقديم القائمة الاسمية للأساتذة المضربين عن العمل
ونفذ الأساتذة عددا من التحركات الاحتجاجية شملت بالخصوص الإضراب العام بيوم والتجمع الوطني لأساتذة الثانوي يوم 1 مارس الجاري، الذي تلته مسيرة باتجاه ساحة الحكومة بالقصبة بمشاركة الآلاف من المدرسين المطالبين بإقالة وزير التربية، ويبرّر الأساتذة تحركاتهم بالسعي إلى ضمان إصلاح تشاركي للمنظومة التربوية في ظل “ممارسات الحكومة الرامية إلى التفويت في المدرسة العمومية للقطاع الخاص”.
وقابلت وزارت التربية هذه الاحتجاجات بإعفاء 10 من مديري معاهد بسبب رفضهم تقديم القائمة الاسمية للأساتذة المضربين عن العمل، بعد أن أصدر الوزير مذكرة للمديرين الجهويين تنصّ على المطالبة باقتطاع 3 أيام من أجور الأساتذة والمعلمين المضربين أيام 5 يناير و22 فبراير الماضيين، كما نصت المذكرة على اقتطاع 3 أيام من أجور مديري المؤسسات التربوية الذين لم يرسلوا قائمات المدرسين المشاركين في الإضرابات.
وقفة احتجاجية أمام مقر المركزية النقابية
وتقول القيادات النقابية إنّه رغم مطالبتهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد في أكثر من مناسبة بإيجاد البدائل الضرورية على رأس وزارة التربية ضمانا لحسن سير الدروس ولإنجاح السنة الدراسية الحالية وإنجاز الامتحانات الوطنية في الآجال المضبوطة، إلا أنه لم يتعامل مع الموضوع بالجدية المطلوبة، الأمر الذي يستدعي التصعيد منهم.
النقابة تتحدّى المركزية ولكن…
اقرار الاضراب لم يلاقي تجاوبا من الاتحاد العام التونسي للشغل الرافض للتصعيد، حيث رفضت المركزية النقابية هذا الاضراب ودعت إلى تغليب لغة الحوار والتهدئة. وكان جلول قد صرح في وقت سابق بأن لديه ثقة في قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل للوصول إلى حلول توافقية مع نقابات التعليم.
ورغم أنّ الأمين العام للمركزية النقابية، نورالدين الطبوبي، قد دعا للتهدئة فإنه أعلن في تصريحات إعلامية سابقة، أن الطريق صارت مسدودة في التواصل مع وزير التربية والتعامل معه، ملاحظا في الآن ذاته أن الاتحاد ليست له أي مشاكل شخصية مع أعضاء حكومة الوحدة الوطنية. وقال الطبوبي إن التلاميذ على موعد قريب مع الامتحانات، وإن المصلحة العامة تقتضي البحث عن خيارات وبدائل عن وزير التربية الحالي ناجي جلول. ووجه دعوته إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد للتفاعل إيجابيا مع مطالب الأطراف النقابية.
وزير التربية ناجي جلول
وترجع نقابات التعليم مطالبتها بإقالة الوزير لعدة أسباب، أبرزها “تعطل إمكانية الحوار مع وزير التربية وإهانته لكرامة المدرسين في أكثر من مناسبة”، معتبرين أن “تصرف الوزارة في عملية الإصلاح بشكل أحادي وارتجالي هو تهديد لحقوق التلاميذ على غرار قرار تركيز ديوان الخدمات المدرسية”. وعبر النقابيون خلال احتجاجاتهم عن رفضهم لديوان الخدمات المدرسية وللنقل “العشوائية” التي قام بها وزير التربية خلال العطلة المدرسية الأخيرة. كما انتقدوا “مماطلة” وزارة الشباب والرياضة في الإيفاء بالتزامها، وعبروا عن رفضهم للتسميات والتعيينات التي تمت صلب وزارة التربية
وشرعت وزارة التربية منذ أبريل 2015، في وضع استراتيجية شاملة للاصلاح التربوي، عقدت حولها استشارات وطنية وحوار وطني مع الضالعين في العملية التربوية من مربين وأولياء ومنظمات مجتمع مدني. وأنشئت لجنة مشتركة بين وزارة التربية والاتحاد العام التونسي للشغل والمعهد العربي لحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية مقرها تونس) للتباحث حول إجراءات وآليات تنفيذ البرامج.
هيبة الحكومة
ترجع الحكومة التونسية تمسكها برفض إقالة جلول وتمسك الأخير بعدم الاستقالة إلى سعيها عدم المس من “هيبة الدولة”، فقرار تعيين الوزير أو إقالته بيد رئيس الحكومة بمفرده ولا يجب ان يقع التنازع فيه، حسب قول أعضائها.
ويؤكّد جلول أن جميع مطالب الأساتذة والمعلمين تمت الاستجابة لها، مشيرا إلى أنه “بقي مطلب واحد”، واعتبر أن مطلب إقالته هو “مطلب سياسي وليس نقابيا، وليس من اختصاصي بل من اختصاص رئيس الحكومة والائتلاف الحاكم ولا يمكنني التفاوض بشأنه”، معتبرا أن التفاوض حول هذه المسألة يخص رئيس الحكومة يوسف الشاهد والبرلمان. وجلول ليس أول وزير يتمسك الاتحاد بالإطاحة به، فقد سبق وأن تمت إقالة وزير الصحة العمومية سعيد العايدي المنتمي إلى حركة نداء تونس بعد ضغوط مارستها المنظمة الشغيلة.
التلميذ: الحلقة الأضعف
أمام هذا الصراع والصدام بين النقابات التربوية والوزير، يكون التلميذ الحلقة الأضعف بينهم، خاصة وأنه مقبل على سنة بيضاء إن تواصل هذا الصراع. وسبق للجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ أن دعت في وقت سابق، الرؤساء الثلاثة الباجي قائد السبسي ويوسف الشاهد ومحمد الناصر، والأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي إلى تحمّل مسؤولياتهم والتدخل العاجل لحماية التلاميذ من التجاذبات التي يشهدها ملف التربية والتعليم.
يعمل في تونس نحو 65 ألف مدرس في المرحلة الابتدائية
كما جدّدت دعوتها إلى ضرورة إنقاذ السنة الدراسية الحالية ووضع ملف إصلاح المنظومة في مساره القويم. وعبّرت الجمعية، في بيان لها، عن عميق انشغالها من المنحنى الخطير الذي بات يشهده المسار الدراسي عموما والسنة الدراسية الحالية خصوصا.
مخاوف لدى التلاميذ من سنة بيضاء
ويعمل في تونس نحو 65 ألف مدرس في المرحلة الابتدائية، و77 ألفاً و260 مدرساً في المرحلتين الإعدادية والثانوية. ووفقًا لأحدث أرقام وزارة التربية التونسية، يدرس قرابة مليون و93 ألف تلميذ في 6070 مدرسة عامة، بينما توجد حوالي 320 مدرسة خاصة.