ما فتئت الحكومة الموريتانية، تؤكّد سعيها الحدّ من مظاهر العنصرية والتمييز التي تنتشر في البلاد المتعدّد الأعراق، إلاّ أن هذه المساع لم تفلح بعد، نظرا لطبيعة المجتمع الموريتاني وعدم وجود إرادة قوية من الحكومة للقضاء على هذه الظاهرة التي تهدّد تماسك المجتمع.
تجريم التمييز
في خطوة تهدف إلى الحدّ من انتشاره، صادق مجلس الوزراء الموريتاني، في اجتماعه الأسبوعي أمس الخميس، على مشروع قانون يتعلق بتجريم التمييز، ويهدف مشروع القانون الجديد الذي يتكون من 26 مادة إلى “تقنين مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون الذي كرسته المادة الأولى من دستور 20 يوليو 1991، حسب ما جاء في بيان مجلس الوزراء. وتنصّ الفقرتين الثانية والثالثة من المادة الأولى من الدستور الموريتاني على: “تضمن الجمهورية لكافة المواطنين المساواة أمام القانون دون تمييز في الأصل والعرق والجنس والمكانة الاجتماعية. يعاقب القانون كل دعاية إقليمية ذات طابع عنصري أو عرقي“.
شهدت موريتانيا في 1989 و1990 مواجهات بين السود والبيض المور مما أدّى إلى نزوح آلاف السود إلى السنغال ومالي
يذكر أن موريتانيا صادقت على جميع الاتفاقيات وكافة المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، ومنها اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز، عام 1988، لتصادق فيما بعد على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة عام 2000.
قضية شائكة
ويشكل موضوع العبودية إحدى القضايا الشائكة في موريتانيا، وعنوانا ثابتا في التجاذبات السياسية، فبينما تؤكد الحركات الناشطة في مجال مكافحة الرق أنه لا يزال يمارَس واقعيا، ترفض الحكومة الاعتراف بوجوده وتقول إن هناك مخلفات له تعمل هي باستمرار للقضاء عليها عبر سن القوانين الرادعة، ومنح الأولوية للمتضررين بتلك المخلفات في البرامج الاقتصادية والتعليم والصحة.
ويقول نشطاء المجتمع المدني إنّ “القضاء على العبودية وآثارها يتطلب إقامة دولة المواطنة، وذلك لن يتأتى إلا من خلال المساواة، وتكافؤ الفرص في التعليم وتقلد الوظائف، وتنمية مناطق تواجد هذه الشريحة التي لا تزال تعاني التهميش والإقصاء“. وشهدت موريتانيا في 1989 و1990 مواجهات بين السود والبيض المور مما أدّى إلى نزوح آلاف السود إلى السنغال ومالي، لكن عددا كبيرا منهم عادوا اليوم الى موريتانيا.
احتجاجات مناهضة للعبودية في موريتانيا
وفي السنوات الأخيرة، كثيرا ما ينضّم النشطاء المناهضين للعبودية والمدافعين عن حقوق الإنسان بصفة عامة والأهالي تحركات احتجاجية في مختلف محافظات ومدن البلاد، للتنديد بهذه الظاهرة إلا أن الحكومة تواجههم بالقمع والاعتقال، ولم تعترف السلطات الموريتانية حتى اليوم بعديد المنظمات، ولم تستخرج لها ترخيصاً ما يخوّل لها إدانة أي ناشط في أي وقت من الأوقات تحت ذريعة “الانتماء لتنظيم غير معترف به“.
وسبق للسلطات الموريتانية أن أصدرت الكثير من القوانين التي تجرّم الاسترقاق، وصنف الدستور الموريتاني ممارسة الرق جريمة ضد الإنسانية، لكن تطبيق هذه النصوص لا يزال غائبا بشكل شبه كامل.