انتشرت خلال الأيام الماضية في السعودية عدة صور لما وصفت أنها “مؤشرات الاقتصاد السعودي” والتي تفيد أن الاقتصاد متدهور ويشهد موجة هبوطية كبيرة قد تقود كما أشار البعض في وسائل التواصل الاجتماعي إلى انهياره، الصور انتشرت على نطاق واسع وبدأ البعض يسدي توصيات لآخرين بالخروج من البلاد وأن الاقتصاد سيشهد كسادًا كبيرًا في الأيام المقبلة وأن الوضع خطير جدًا لدرجة لا يحتمل الانتظار.
الاقتصاد في صور
أظهرت الصور مجموعة من النتائج المالية لشركات وأخبار بدون تحليلات تصدّر قراءة حقيقية لمفردات تلك الصور، والمفارقة أن من جمع تلك الصور ووزعها عمل على إيجاد الشركات التي حققت خسارات مالية خلال العام الماضي 2016، فمن رأى تلك الصور ظن أن الشركات تخسر والدولة غير قادرة على عمل شيء والوزارات تتفرج على الوضع المتدهور للشركات وهي تنهار.
اتضح ان الرسم البياني كان فيه خطاء حسابي وتم تعديله من قبل مؤسسة النقد pic.twitter.com/MwMbFGXAZl
— عبدالله محمد الزامل (@abdullamz) March 6, 2017
ومن ثم أنه أفرد مجموعة من الأخبار لتأكيد رؤيته التي ينوي تصديرها، أن مجموعة من المدراء التنفيذيين لشركات وبنوك قاموا ببيع أسهمهم بنسب عالية، وهناك شركات أخرى تعمل على التخارج من السوق السعودية بتصفية استثماراتها هناك. المهم أن تلك الصور أرسلت رسالة “شعبوية” لدى فئة من الناس مفادها أن الاقتصاد السعودي ينهار وأن الشركات تخسر والاستثمارات الأجنبية تتخارج من البلاد، وأشياء أخرى من هذا القبيل.
أول سؤال يُطرح في الذهن بعد رؤية هذه الصور، فيما إذا كان اقتصاد أي دولة يمكن أن يُقرأ من عدة صور أولا والاكتفاء بها، ومن خلال نتائج مالية لأربع شركات في مجالات مختلفة!!. سنحاول فيما يلي تفنيد وجهة النظر هذه، وتصحيح المغالطات التي حملتها تلك الصور حول الاقتصاد السعودي.
فيما يخص الصورة التي أوردها عبد الله محمد الزامل في حسابه على تويتر في 1 مارس/آذار الجاري حول واردات القطاع الخاص الممولة عن طريق المصارف التجارية، ومكتوب عليها “هذا ليس انكماش هذا ذوبان”، علمًا أن الرجل أعاد تصحيح نفس الصورة في تغريدة أخرى بعد 6 أيام وذكر أن الرسم البياني كان فيه خطأ حسابي، وتم تعديله من قبل مؤسسة النقد. علمًا أن الخبر نقلته الصحف المحلية السعودية وأفردت صحيفتا الحياة والرياض تقارير خاصة حول نتائج الرسم.
حيث ذكرت صحيفة الحياة السعودية أن واردات القطاع الخاص التي مولتها البنوك التجارية السعودية خلال شهر كانون الأول/ديسمبر 2016 حققت أدنى مستوى لها في الـ88 شهرًا الأخيرة منذ أيلول/سبتمبر 2009 والتي بلغت خلاله 11.7 مليار ريال.
وفسرت الصحيفة هذا التراجع من الناحية النظرية بسبب إجراءات الترشيد الاقتصادي التي أقرتها الحكومة، وهذا يعني أن هذا التخفيض كان مقصودًا من قبل الحكومة، أما من الناحية العملية، فالانخفاض على أساس شهري الذي حقق أدنى مستوى شهري لها خلال العام الماضي 2016، كان بسبب انخفاض التمويل المقدم لبند “الحبوب” بقيمة بلغت 674 مليون ريال بالإضافة إلى انخفاض بند “مواد البناء” بقيمة بلغت 213 مليون ريال ثم بند “الآلات” بـ153 مليون ريال.
أما التراجع السنوي فقد تراجع بنسبة 28% فكان بسبب انخفاض التمويل المقدم لـ “بند السيارات” بما تعادل قيمته نحو 2.7 مليار ريال. والجدير ذكره أن بنود واردات القطاع الخاص من قبل المصارف التجارية تتألف من 11 بندًا أكبرها من حيث الوزن بند السلع الأخرى بـ 47.2% من الإجمالي وبقيمة بلغت 5.711 مليار ريال خلال شهر ديسمبر 2016، ومن تلك البنود بند المواشي واللحوم، وبند المواد الغذائية، وبند السكر والشاي، وبند الأجهزة.
المهم الآن أن انخفاض هذا المؤشر ليس مفاجئًا بالنسبة للحكومة لأن هذا ما خططت له، ومن جهة أخرى فإن انخفاض هذا المؤشر لا يشير إلى انكماش في الاقتصاد أو ذوبان كما هو مكتوب في الصورة، بل ربما يشير إلى تطور في الاقتصاد إذا تم هناك توطين بعض البنود المذكورة. وهو ما تطمح إليه الحكومة السعودية في السنوات القادمة وهو تقليل الواردات وتوطين الصناعات وتخفيف الاعتماد على النفط لصالح الاستثمارات.
بالنسبة لصورة إحدى أكبر شركات المقاولات في السعودية وهي “سعودي أوجيه” فمنذ ما يقرب من عامين والشركة تعاني من مشاكل مالية كثيرة، أدت إلى تسريح آلاف العمال وعجز مالي عن تسديد الرواتب وكانت شائعات إفلاسها تنتشر بين الفينة والأخرى.
والجدير ذكره أن الشركة لو أنها في بلد ذي اقتصاد متقدم وعانت من نفس الظروف، لأعلنت إفلاسها طبقًا لقوانين الإفلاس الموجودة في ذلك البلد. إلا أن الحكومة كانت تقدم لها دعم مالي لها ولغيرها من الشركات. ولكن يبدو أن قطار رؤية المملكة 2030 سار على تلك الشركة، وأن الحكومة لم تعد ترغب في تحمل أعباء مالية لشركات وتفضل إعلان إفلاسها على إبقاءها. ثم إن صدمة إفلاس الشركة تم امتصاصها من قبل السوق قبل عام بسبب طول مدة المشكلة. وعلى العموم إفلاس الشركات موجود في الاقتصاد ومثلما هناك شركات تفلس هناك شركات أخرى تصعد وتزدهر لذا لا يعبر هذا على مشكلة كبيرة في الاقتصاد.
بخصوص النتائج المالية للشركات الخاسرة مثل الحكير للملابس والسريع للسجاد وإسمنت اليمامة ومتاجر اكسترا للأجهزة الإلكترونية، تشير إلى انخفاض في نسبة مبيعات تلك الشركات بنسب متفاوتة أدت إلى تأثر التكاليف وصافي ربح الشركات، وهذه النتائج تعد إشارة أن الاقتصاد عانى من تباطؤ، ولكن النظر في هذه النتائج فقط غير كافي لاستنتاج أن هناك انكماش اقتصادي، فلو تم الإشارة مثلا إلى أداء القطاعات المختلفة في البورصة السعودية لكان الوضع مختلفًا فالبورصة تعد مرآة للاقتصاد.
وعلى كل حال فالتقارير الاقتصادية أشارت أن معدل النمو خلال العام 2016 سيكون عند 0.2% وهي إشارة كافية أن الاقتصاد السعودي عانى من تباطؤ خلال العام الماضي وأشار صندوق النقد الدولي في توقعات اقتصادية لمعدل نمو الاقتصاد السعودي في العام 2017 لنحو 0.4% وهو أقل معدل منذ الأزمة المالية 2009.
وأخيرًا وليس آخرًا فيما يتعلق بمدراء من شركات وبنوك مختلفة قاموا بالتخلي عن أسهمهم في الشركات والبنوك العاملين فيها أو في شركات أخرى، فهي لا تعبر بشكل أو بآخر عن أداء الاقتصاد السعودي الكلي.
في النهاية هناك مؤشرات تعبر عن أداء الاقتصاد بدلًا من الدخول في متاهة هكذا صور لا تعطي الصورة الحقيقية للاقتصاد، وهي الناتج المحلي الإجمالي، وعجز الموازنة، واحتياطي النقد الأجنبي، والحساب الجاري، وأسعار النفط (إذا كانت الدولة تعتمد على إيرادات النفط في تمويل الميزانية)، والتضخم والبطالة. صعود هذه المؤشرات وانخفاضها يعطي صورة حقيقية عن مسار الاقتصاد، لذا فالأصح أن ينظر الشخص لتلك المؤشرات ويهتم بسعر النفط وأثرها على الميزانية وكم معدل النمو الاقتصادي وعجز الموازنة..إلخ، وليس النظر إلى شركة خسرت وأخرى ربحت وشخص اشترى أسهم وآخر باع.