في عام 2013، فاز الرئيس الإيراني الحالي، حسن روحاني، بالانتخابات الرئاسية بنسبة 51 في المائة من الأصوات. في حين حصل المرشحون الأربعة المحافظون، الذين يفضلون تلقيبهم بالأصوليين، على 40 في المائة فقط. وبسبب هذه النتائج توصل الأصوليون الراديكاليون إلى أنهم إذا ما وحدوا صفوفهم خلف مرشح واحد، سترتفع فرصهم في الظفر بالانتخابات الرئاسية، التي ستعقد في شهر أيار/مايو القادم، ضد روحاني الذي يمثل المعتدلين والإصلاحيين.
في هذا الشأن، قام الأصوليون بتشكيل الجبهة الشعبية لقوات الثورة الإسلامية، في كانون الأول/ديسمبر الماضي. وعقدوا أول مؤتمر لهم، في أواخر الشهر الماضي، بحضور 3000 شخص؛ يمثلون 25 حزبا. وأفضى هذا المؤتمر عن انتخاب 30 عضوا من اللجنة المركزية للتنظيم. والمثير للاهتمام هو أن جميع الأعضاء الذين تم اختيارهم كانوا محافظين، مع وجهات نظر متطرفة معادية للولايات المتحدة.
إن دعم آية الله خامنئي للمحافظين يشير إلى إيمانه وقناعته بأن روحاني لم يعد بمقدوره إنقاذ اقتصاد البلاد الراكد
مذهب “الغاية تبرر الوسيلة”
منذ سنة 1989، وهي ذات السنة التي تولى فيها آية الله علي خامنئي مقاليد الحكم في إيران، لم يفز أي مرشح محافظ برئاسة البلاد. فحتى محمود أحمدي نجاد، لم يعرّف نفسه قطّ على أنه يتبع الأصوليين أو الثوريين. وكان ذلك جليا، خلال التصريح الذي أدلى به الشهر الماضي، حين قال مشيرا إلى الإصلاحيين والأصوليين “أنا أقول بصوت عال وبطريقة واضحة: نحن لا ننتسب إلى أي من التيارين السياسيين في البلاد”.
وإن دل هذا التصريح على شيء، فإنما يدل على انتهازية وغوغائية نجاد، وعمله بمبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”، فمن أجل كسب تأييد المحافظين قام بالسخرية من الولايات المتحدة ونعتها بأنها نمر من ورق، ولكنه في الخفاء كان يسعى إلى إقامة علاقات وطيدة مع واشنطن. وفي الوقت نفسه أيضا، هاجم الإصلاحيين وسياستهم التي وصفها بأنها “مذعنة” في تعاملهم مع الغرب.
من جانب آخر، وبسبب أنانيته، فإن نجاد لن يقبل أن يشاركه أي أحد أو جماعة السلطة، بما في ذلك الأصوليين. بالتالي، دخل نجاد في شجار؛ أولا مع المتشددين، ثم مع آية الله علي خامنئي، على خلفية إقالة وزير الاستخبارات والأمن الوطني، الذي أصبح يعيش في عزلة سياسية منذ تركه لمنصبه.
ومن الجلي أن كل الرؤساء الذين كانوا تحت قيادة خامنئي، تضاربت آراؤهم مع الزعيم الإيراني، ومن بين هؤلاء الرؤساء نذكر أكبر هاشمي رفسنجاني، ومحمد خاتمي، وأحمدي نجاد، وحسن روحاني.
انعدام الأمن الاقتصادي
من ناحية أخرى، يرى الأصوليون، وخاصة فصائلهم الأكثر راديكالية، أن فرصهم في الظفر بالانتخابات المقبلة مرتفعة، خاصة مع تدهور الاقتصاد، وموجة الاستياء من أداء السياسة الاقتصادية التي يتبعها روحاني. وفي الاستطلاع الذي قامت به جامعة ميريلاند، في كانون الثاني/يناير، توصلوا إلى أنه “على الرغم من أن روحاني لا يزال موجودا بين المرشحين البارزين والمفضلين في الانتخابات الرئاسية، إلا أن عدد مؤيديه قد انخفض إلى أقل من النصف”.
فضلا عن ذلك، أفضى الاستطلاع إلى أن “تراجع الاقتصاد أضر بشعبية روحاني، إذ أن ستة من كل عشرة أشخاص شملهم الاستطلاع، قالوا بأن الأوضاع الاقتصادية متأزمة، ولأول مرة منذ تولي روحاني دفة الحكم أجمع أغلب الأشخاص على أن الأوضاع في المستقبل ستسوء أكثر مما هي عليه الآن. لذلك، تريد الأغلبية الساحقة من الرئيس الإيراني القادم أن يصب جل تركيزه على البحث عن سبل تحد من البطالة وتحسن الاقتصاد”.
منذ سنة 1989، وهي ذات السنة التي تولى فيها آية الله علي خامنئي مقاليد الحكم في إيران، لم يفز أي مرشح محافظ برئاسة البلاد
عموما، يأمل روحاني وفريقه في أن يعود إنهاء الاتفاق النووي والاستثمارات الأجنبية بالفائدة على البلاد، بيد أن المؤشرات على أرض الواقع أثبتت عكس ذلك، فالاقتصاد الإيراني لا يزال في حالة ركود، وذلك يعود لعدة أسباب؛ أولها، تردد البنوك الأوروبية في الدخول بصفقات تجارية مع إيران، بسبب مخاوفهم من الوقوع في مشاكل قانونية مع الولايات المتحدة، التي فرضت عدة عقوبات على إيران، والتي لا تتعلق فقط بالاتفاق النووي.
الإيرانيون يتسوقون في بازار طهران الكبير في تموز/يوليو 2016.
ثاني أسباب ذلك الركود، هو تصريحات آية الله خامنئي المناهضة للولايات المتحدة، والتي أبقت على العداء قائما بين البلدين، وهو ما من شأنه أن يجعل الشركات الأجنبية الكبرى تشعر بالتشكك من مستقبل الاقتصاد الإيراني. وبالتالي، اعتماد سياسة الانتظار والترقب، بدلا من التسرع والدخول في الأسواق الإيرانية بعد سنوات من العزلة.
يرى الأصوليون، وخاصة فصائلهم الأكثر راديكالية، أن فرصهم في الظفر بالانتخابات المقبلة مرتفعة، خاصة مع تدهور الاقتصاد، وموجة الاستياء من أداء السياسة الاقتصادية التي يتبعها روحاني
في الواقع، يعتبر روحاني وإدارته من أشد مناصري الاقتصاد الليبرالي الجديد (النيوليبرالية)، في المقابل، لا يأبه تماما بعدم المساواة، والتوزيع غير العادل للثروة في إيران. وبغية تحدي روحاني، أعلنت الجبهة الشعبية لقوات الثورة الإسلامية حديثة العهد، أن العدالة الاقتصادية ومعيشة الناس ستكون على رأس برنامج مرشحهم الانتخابي. ولكن إلى الوقت الراهن لم يعلن التنظيم عن مرشحه النهائي.
وفي خطوة غير مسبوقة، قرر التنظيم عدم الكشف ليس فقط عن مرشحه، بل وحتى عن فريقه (لا يمكن للنساء في إيران الترشح للرئاسة). في المقابل، عمد تنظيم الجبهة إلى تقديم العديد من أسماء الاقتصاديين المعروفين بتوجهاتهم اليسارية، أمثال: إلیاس نادران، ومحمد خوش جهره. لذلك، ظن البعض أن نادران هو المرشح الذي سيمثل المحافظين، لكن بعض المصادر نفت هذه الشائعات، وأفادت أن حالته الصحية لن تسمح له بالترشح (بترت يده في ثورة سنة 1978)، كما أنه لم يتم الإجماع حول ترشحه.
قوات التوحيد
في الحقيقة، بغض النظر عن المواقف الخطابية المعتمدة من قبل المحافظين من وقت لآخر، إلا أن حالهم كحال منافسيهم المعتدلين والإصلاحيين، فهم لم يقفوا حقا لتحقيق العدالة الاقتصادية. وتجدر الإشارة إلى أن المحافظين سيطروا على البرلمان في العديد من المرات منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية، لكنهم لم يصادقوا أبدا على مشروع قانون أو اقتراح واحد لمكافحة عدم المساواة، أو حتى لتحسين معيشة الشعب.
يعتبر روحاني وإدارته من أشد مناصري الاقتصاد الليبرالي الجديد (النيوليبرالية)، في المقابل، لا يأبه تماما بعدم المساواة، والتوزيع غير العادل للثروة في إيران
من جانب آخر، يواجه التنظيم مشكلة خطيرة، ألا وهي التوحد خلف مرشح واحد؛ فوفقا لأحد المصادر، أبدى مسؤول مفاوضات الملف النووي، سعيد جليلي، عدم استعداده للانسحاب لصالح المرشح النهائي الذي سيختاره التنظيم. فضلا عن ذلك، انضم آية الله خامنئي، قبل الانتخابات، إلى المحافظين الذين انتقدوا وبشدة الأداء الاقتصادي لروحاني وإدارته، إذ صرح في 9 من الشهر الجاري “لقد تلقينا شكاوى عدة من الشعب… من المفترض أن الناس الآن يشعرون بالرضى عن فرص التشغيل والتصنيع التي تخلقها الحكومة، لكن هذا ليس هو الحال”.
ومن الجدير بالذكر، أن روحاني دافع في العديد من المناسبات عن صراع إدارته مع المتشددين، الذين اتهموه وفريقه بعدم الكفاءة في التعامل مع المشاكل الاقتصادية. ونجده قد سارع إلى تقديم الإحصاءات المتعلقة بانخفاض نسب التضخم، والزيادة في النمو الاقتصادي. إلا أن خامنئي، قلل من أهمية هذه البيانات، في الخطاب الذي ألقاه في وقت سابق من هذا الشهر، إذ قال إنه “من الجيد عرض التقارير والبيانات، ولكنها لن تحدث أي تغيير يذكرعلى حياة الناس، سواء على المستوى البعيد أو القريب”.
علاوة على ذلك، ألمح خامنئي، بشكل غير مباشر، إلى سوء تقدير روحاني فيما يخص الاتفاق النووي ورفع العقوبات، حيث ظن بأن ذلك سيجلب له مليارات الدولارات من الاستثمارات الأجنبية. وفي هذا الشأن قال خامنئي: “جذب الاستثمار الأجنبي خطوة إيجابية، ولكن عدد العقود الخارجية التي أبرمت إلى الآن (منذ رفع العقوبات في أوائل 2016) محدود جدا”.
بغض النظر عن المواقف الخطابية المعتمدة من قبل المحافظين من وقت لآخر، إلا أن حالهم كحال منافسيهم المعتدلين والإصلاحيين، فهم لم يقفوا حقا لتحقيق العدالة الاقتصادية
بالتالي، فإن دعم آية الله خامنئي للمحافظين يشير إلى إيمانه وقناعته بأن روحاني لم يعد بمقدوره إنقاذ اقتصاد البلاد الراكد.
العقبات التي تقف في طريق روحاني
رغم كل ما قيل، تظل فرص روحاني في الفوز بالانتخابات الرئاسية مرتفعة نوعا ما، نظرا لمشكلة الشعبية التي يواجهها خصومه. إلا أن أكبر خطر يهدد فوزه، في غياب تدخل غير قانوني في العملية الانتخابية، هو أن المحافظين بإمكانهم تحقيق أول نصر لهم منذ 28 سنة في حال عزوف الناخبين الذين صوتوا له في سنة 2013 عن الإدلاء بأصواتهم بسبب تخييبه لآمالهم.
وفي خضم كل هذا، نجد أن روحاني قلق من إمكانية التدخل في الانتخابات. ففي الخطاب الذي ألقاه أمام مسؤولي الانتخابات، في 25 من شباط/فبراير الماضي، مشيرا إلى الجهاز العسكري، قال إنه “إذا كان هناك من ينتهك قوانين الانتخابات، ويستخدم الأموال العامة في دعم مرشح، سواء كان من طرف الجهات العسكرية، أو الأمنية، أو القوات المسلحة، علينا أن نتصدى له ونقف في وجهه”.
المصدر: ميدل إيست آي