يشهد ملف الأزمة اليمنية منذ أسابيع عدة حراكًا دبلوماسيًا وسياسيًا ماراثونيًا لم تنته جولاته بعد، تبادلت خلاله وفود سعودية وحوثية الزيارات العلنية إلى الرياض وصنعاء بوساطة عُمانية، وسبقتها خطوات عملية أشاعت أجواء التفاؤل مثل تبادل الأسرى ودخول المساعدات الإنسانية لليمن، فضلًا عن انخفاض وتيرة المعارك بشكل كبير في ظل هدنة تسري منذ أكثر من عام.
مع التقدم الجاري في محادثات وفد من الحوثيين مع مسؤولين سعوديين في الرياض، يتصاعد الترقب والقلق في أبو ظبي من أي اتفاق محتمل قد يمهد الطريق لإنهاء الصراع الدائر في اليمن منذ نحو 8 سنوات، وهو ما يثير الشكوك بشأن انعكاسات موقف الإمارات المخيِّب للآمال والمنزعج من تقارب وجهات النظر في قضايا عديدة بين الحوثيين والمسؤولين السعوديين.
ماذا حدث في الرياض؟
هذا السؤال يبحث عن إجابته اليمنيون جميعًا، وهم ينظرون إلى مصير بلادهم يتحدد بعيدًا عنهم، فقبل أسبوعين، وصل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى العاصمة العُمانية مسقط قادمًا من الهند، واجتمع بسلطانها بمعية شقيقه وزير الدفاع خالد بن سلمان، لإنجاز تسوية مع ميليشيا الحوثي ظلت معلقة منذ 5 شهور.
في اليوم الثالث لوجود ابن سلمان في مسقط، غادرها وفد من الحوثيين مع وسطاء عمانيين إلى العاصمة السعودية الرياض في إشارة إلى أن النقاط الأساسية قد حُسمت في لقاءات ابن سلمان في مسقط بمعية مفاوضين إيرانيين وقيادات حوثية.
وصل وفد الحوثي الرياض في أول زيارة من نوعها إلى المملكة منذ انطلاق “عاصفة الحزم” عام 2015، في مسعى لإيجاد حل لمسألة الحرب في اليمن واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال الأمن وإطلاق مسار التنمية، لكن الأمر بدا كأنهم في انتظار ما سيحمله ابن سلمان وشقيقه اللذان عادا إلى المملكة في اليوم الرابع من وصول وفد من الحوثيين إلى الرياض.
هذه المفاوضات التي دامت 5 أيام، جرت هذه المرة علنًا، وبناءً على دعوة سعودية وبتنسيق عُماني، لكن طبيعتها ظلت سرية، واستمرت عمليات التكتم على مسارها، وتزايدت التكهنات بشأنها خاصة مع اقتضاب الإيضاحات التي قدمها الجانبان.
وفق الخارجية السعودية فقد وجهت الدعوة للوفد الحوثي استكمالًا للجولة الرسمية الأولى التي أجراها وفد سعودي برئاسة سفير المملكة في اليمن محمد آل الجابر في أبريل/نيسان الماضي، وقالت في بيانها إن الزيارة تأتي امتدادًا للمبادرة المعلنة في مارس/آذار 2021 من الرياض ومسقط لوقف إطلاق النار والتوصل إلى حل سياسي شامل ومقبول من الأطراف اليمنية كافة.
أما الحوثيون فوجودهم في الرياض تجاوز الترحيب كونهم طرفًا أساسيًا فيها مقابل غياب أطراف أخرى فاعلة في المشهد اليمني، وقالوا على لسان رئيس فريق المفاوضين والمتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام إن جولة التفاوض الأخيرة جاءت في إطار النقاشات مع الوفد السعودي في لقاءات عديدة سابقة بمسقط وصنعاء، وأنه جرى خلالها بحث البدائل لتجاوز قضايا الخلاف.
تقول الجماعة على لسان قيادات تابعة لها إن الحل الشامل لا يتحقق إلا بالحوار ووقف الحصار، والمحادثات مع الرياض طابعها إنساني، فهي تتركز حول إعادة فتح الموانئ التي تخضع لسلطتهم ومطار صنعاء بشكل كامل، وآلية دفع أجور موظفي القطاع العام ومناقشة جهود إعادة الإعمار ووضع جدول زمني لخروج القوات الأجنبية من اليمن، والإفراج عن الأسرى والمعتقلين كافة، فيما لم تنف الرياض ذلك.
علامات الموقف الإماراتي المنزعج من مفاوضات السعودية مع الحوثيين ظهرت في أكثر من محطة، وعبر مجموعة من المغردين المقربين من حكام الإمارات
مع اقتراب مغادرة المفاوضين الحوثيين الرياض، أفادت وكالة “رويترز” بأن المحادثات أحرزت بعض التقدم فيما يتعلق بالنقاط الشائكة الرئيسية بين وفد يمثل الجماعة ومسؤولين سعوديين بما في ذلك الجدول الزمني لخروج القوات الأجنبية من اليمن وآلية دفع أجور الموظفين، كما ركزت على إعادة فتح الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون ومطار صنعاء بشكل كامل.
وفي الوقت الذي لم يتم الكشف عن مستجدات المفاوضات، ذكرت تسريبات أن أبرز ما تركزت عليه النقاشات في الملف العسكري تتمثل في تثبيت وقف إطلاق النار بشكل دائم في أنحاء اليمن بما في ذلك الغارات الجوية والهجمات العابرة للحدود.
وفي الملف الاقتصادي، إعادة تصدير النفط والغاز، على أن تخصص العائدات لصرف مرتبات جميع الموظفين المدنيين والعسكريين في جميع المحافظات، ورفع كل القيود عن مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة، بالإضافة إلى توحيد وإعادة هيكلة البنك المركزي اليمني ونقله إلى دولة محايدة بشكل مؤقت لتنفيذ مهامه بشكل مهني ومحايد.
كما تركزت المناقشات على فتح بعض الطرقات بشكل تدريجي ومتزامن على أن تشمل الطرق الرئيسية في محافظات تعز والضالع ومأرب والحديدة، إلى جانب إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين والمختطفين والمخفيين قسرًا.
ووفقًا للسعوديين، فإن المحادثات حملت نتائج إيجابية بشأن التوصل إلى خريطة طريق لدعم مسار السلام وفق الخارجية السعودية، ولاقت ترحيبًا من وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، وتحدث عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثيين علي القحوم عن أن المسؤولين السعوديين سيتوجهون مع وسطاء عمانيين إلى صنعاء للمساعدة في تقريب وجهات النظر بين الجانبين.
Met the Sanaa delegation visiting Riyadh to continue efforts supporting the peace process in Yemen. I emphasized the Kingdom’s support for Yemen and reaffirmed our commitment to promoting dialogue among all parties to reach a comprehensive political solution under UN supervision. pic.twitter.com/UNNf1NTZgz
— Khalid bin Salman خالد بن سلمان (@kbsalsaud) September 19, 2023
تغريدة وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان
هذا الانفتاح يأتي وفق ما أكده المحلل السياسي اليمني سلمان المقرمي لـ”العربي الجديد” في ظل الضغط الشعبي المتحرك في مناطق الحوثيين من أجل الخدمات والرواتب، الذي كان ضاغطًا حقيقيًا على الحوثيين ومهددًا لاستقرارهم كسلطة أمر واقع، موضحًا أن هذه العوامل تحد من سلطة الحوثي، التي كانت تبرر للمواطنين عجزها بأنها تعيش في حالة حرب.
تتزامن تلك المحادثات مع جهود سلام تبذلها الأمم المتحدة التي تسعى إلى التوصل لاتفاق يسمح لها باستئناف عملية سلام سياسية على نطاق أوسع، ومع ذلك تبقى تجربة السنوات الماضية كافية لتكوين فكرة سيئة عن إمكانية نجاح الأمم المتحدة – كمنظمة أممية لرعاية عملية السلام في اليمن – وآلياتها التقليدية في إيجاد مخرج سياسي للأزمة اليمنية.
يتزامن ذلك أيضًا مع ضغط من المجتمع الدولي باتجاه الحرب في اليمن، فقد ضغطت الولايات المتحدة على السعودية لإنهاء الحرب، وربطت بعض دعمها العسكري بإنهاء المملكة تدخلها في اليمن، وهو ما يجعل المفاوضات مع الحوثيين خطوة مهمة للاتفاق على تسوية، غير أن تعقيدات الصراع في اليمن، وغياب التصور لشكل التسوية يحتاج نقاشات ومفاوضات عميقة وشاملة.
اللافت في الأمر أيضًا أن المباحثات جرت دون وجود ممثلين للمجلس الرئاسي والحكومة الذين اكتفوا بالمباركة وتأييد كل المساعي الهادفة إلى تحقيق السلام المبني على المرجعيات الثلاثة (المبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن 2216)، وتأكيد ثقتهم في السعودية وجهود سلطنة عمان للتوصل إلى حلول “تحفظ لليمن دولته بسيادتها ووحدتها وجمهوريتها” وفق وصفهم.
الأفعال في الرياض وردودها في أبو ظبي
تحركات سياسية تقودها أطراف عدة لتدوير الزوايا بين القوى اليمنية، سبقتها لقاءات بين المبعوث الأممي والمجلس الرئاسي أو ما يُعرف بـ”الشرعية” للبحث عن حلول جزئية أو كلية لبلاد أنهكتها الانقسامات والحروب، في حين لم تسجل الإمارات حضورها وسط كل هذه الجولات إلا في اجتماع لوزير خارجيتها ونظيريه السعودي والأمريكي على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة لبحث جهود السلام وإنهاء سنوات الحرب.
سلام يُنتظر منه أن تضع الحرب أوزارها في اليمن، ويؤسس لتصالح وشراكة بين اليمنيين في إدارة بلدهم، وهو أمر لا يبدو أنه يعجب من كان يحرك القوات ويسيطر على الجزر ويغلق الموانئ ويعقد الصفقات بمجرد اتصال أو دراهم معدودة.
في أول رد على مسار المحادثات بين الحوثيين والسعودية، زادت حدة الغضب الإماراتي بسبب تقارب وجهات النظر في قضايا عديدة بين الحوثيين والمسؤولين السعوديين، التي يُتوقع أن ينتج عنها اتفاق يفضي إلى وقف شامل لإطلاق النار في اليمن وحل سياسي ينهي الصراع.
لم يصدر من أبو ظبي أي بيان رسمي عن التحركات والجهود التي تقوم بها السعودية وسلطنة عُمان في سبيل الوصول إلى سلام دائم في اليمن، لكنها أوزعت إلى ذبابها الإلكتروني للتشكيك في مسار المفاوضات وتخويف المكونات اليمنية بل والتحريض علنًا تأييدًا للدعوات الانفصالية.
علامات الموقف الإماراتي المنزعج من مفاوضات السعودية مع الحوثيين ظهرت في أكثر من محطة، وعبر مجموعة من المغردين المقربين من حكام الإمارات، لعل أحد هذه المواقف ما ألمح إليه الأكاديمي عبد الخالق عبد الله، مستشار رئيس الدولة محمد بن زايد، في حسابه على منصة “إكس” (تويتر سابقًا) بأن السعودية تسعى لتسليم ما أسماه الجنوب العربي لجماعة الحوثيين، معتبرًا أن “القضية الجنوبية ليست قضية انفصال بل تحرر وطني يستحق دعم دول العالم وشعوب المنطقة لتأسيس وطن حر ودولة مستقلة”، حسب قوله.
لماذا يصر البعض على تسليم الجنوب العربي لجماعة الحوثي الايرانية الانقلابية بصنعاء. قضية الجنوب العربي ليست قضية انفصال بل هي قضية تحرر وطني يسعى شعب الجنوب تأسيس وطنه الحر ودولته المستقلة ويستحق دعم دول العالم وشعوب المنطقة وفي المقدمة دول وشعوب الخليج العربي. دولة ولها عنوان pic.twitter.com/nzVEBCitHg
— Abdulkhaleq Abdulla (@Abdulkhaleq_UAE) September 17, 2023
تغريدة عبد الخالق عبد الله في حسابه على منصة “إكس”
وفي تغريدة على حسابه الشخصي على موقع “إكس”، أشار نائب شرطة دبي ضاحي خلفان، المقرب من ابن زايد، إلى أن المحادثات بين السعودية والحوثيين تعني تسليم اليمن للحوثيين، ودعا للالتفاف إلى قرار المفاوضات الذي قد يفضي إلى “إنشاء مملكة هاشمية يمنية” حسب قوله.
تتحدث الاوساط الحوثية عن فكرة انشاء مملكة هاشمية يمنية..اذا صحت الأخبار…ينبغي لمن يهمه الأمر مراجعة القرار.
— ضاحي خلفان تميم (@Dhahi_Khalfan) September 17, 2023
تغريدة نائب شرطة دبي ضاحي خلفان
هكذا بات الموقف الإماراتي مكشوفًا أكثر من أي وقت مضى، وليس من المستغرب أن يتزامن التحريض على تقسيم اليمن مع مرحلة تشهد تقاربات إقليمية ودولية برعاية عمانية لإنهاء الحرب.
وبالنسبة لأدوات الإمارات الخارجية المتمثلة في المجلس الانتقالي، فقد طالب في بيان له بعملية سياسية شاملة غير مشروطة، في إشارة إلى رفضه للمرجعيات الثلاثة التي تتمسك بها الحكومة الشرعية، ودعا إلى إقرار ما أسماه قضية شعب الجنوب، ووضع إطار تفاوضي خاص لحلها كأساس لبدء جهود السلام والالتزام باتفاق الرياض ومخرجات مشاورات مجلس التعاون الخليجي.
القيادي في المجلس الانتقالي أحمد بن بريك أوضح أن المجلس يقف مع التحالف في رغبته في إنجاز سلام دائم، لكن ترحيبه كان مشروطًا بالاعتراف بأحلامه الانفصالية، وفي المحصلة، فإن موقفه لا يمثل كيانه بقدر ما يمثل موقف أبو ظبي الواقفة وراء تشكله ودعمه، غير أن الموقف المعلن لا يعني الموافقة.
نحن في الجنوب والمجلس الانتقالي مع التحالف في تحقيق سلام دائم وإيقاف الحرب نهائياً شريطة ان يتم تحقيق مطالب شعبنا في فك الارتباط.
— أحمد سعيد بن بريك (@ahmed_binbreak) September 15, 2023
تغريدة القيادي في المجلس الانتقالي أحمد بن بريك
مع إطلاق مثل هذه التصريحات المؤيدة للمفاوضات بين الرياض والحوثيين – وإن بدت مشروطة – بدأ القلق الإماراتي من فقدان ورقة المجلس الانتقالي الجنوبي – الذي تدعمه على تعزيز جهوده نحو إعلان الانفصال بشكل أحادي – يتصاعد، فمن خلاله تمرر أبو ظبي أجندتها في المنطقة على حساب الاستقرار المنشود من أي تقاربات تُفضي إلى سلام شامل في البلاد.
على مدار السنوات الماضية، أدَّت الإمارات دورًا في إضعاف الشرعية وتعميق الخلافات بين مكوناتها – خاصة بعد اتفاق الرياض – عبر دعم المجلس الانتقالي وتمكينه عسكريًا في العاصمة المؤقتة عدن، لتحقيق أهدافها في السيطرة على المنشآت الحيوية والجزر اليمنية.
الخلاف على يمن ما بعد الحرب
تتضارب المصالح السعودية الإماراتية في اليمن، وتظهر على هيئة خلافات تخفت وتعود إلى السطح، خلافات لم تتحدث عنها الدولتان، لكن الإدارة الأمريكية وصفتها بخطر حقيقي يزيد من تعقيد المشهد وعرقلة ملف السلام، ويعقد ملف الجهود الأمريكية للتفاوض.
بات العالم يتحدث عن خلاف عميق بين أبو ظبي والرياض يظهر بشكل جلي في اليمن، وصار الخلاف بينهما حديث الصحافة الدولية بين الحين والآخر، وتأثيره على الملف اليمني محور رئيسي في تقاريرها.
في وقت سابق من هذا الشهر، كشفت وكالة “بلومبيرج” الأمريكية أن الخلاف بين دولتين جارتين اتفقتا على توحيد صفوفهما ضد الحوثيين المدعومين من إيران يتصاعد بشأن مصير اليمن، حيث يسعى كل طرف للسيطرة على البلد الذي ينظر إليه الطرفان على أنه جزء لا يتجزأ من أمنه.
السلام كما الحرب في اليمن بالنسبة لابن سلمان مجرد لعبة يمارسها حين يشاء متكئًا على رصيد بلاده من أموال النفط
الوكالة أضافت أن الدولتين الخليجيتين تسعيان لفرض أجندتهما في البلاد وتقاسم النفوذ والجغرافيا في بلد يعاني من أزمة إنسانية صعبة منذ سنوات، فيما يهدد هذا الخلاف الهدنة الهشة مع الحوثيين، والجهود الدولية لإنهاء الحرب في اليمن، ويتسبب في التصعيد إلى جولة جديدة من الحرب بين الجماعات المدعومة من الإمارات والسعودية.
يرى مراقبون أن تلك الانقسامات بين البلدين بشأن الشكل الذي يجب أن يبدو عليه اليمن بعد الحرب تظهر حجم المأساة التي يعيشها اليمنيون، وكيف حولته دول التحالف منذ سنوات إلى ساحة حرب مستعرة لا تهدأ نيرانها.
ويُتوقع أن ينعكس الخلاف في خضم الأزمة اليمنية على سياسة وأسلوب إدارة الدولة ويقلل من فرص التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في البلاد، بينما تخشى الإدارة الأمريكية – التي تقول إنها تهدف لإنهاء النزاع – أن تؤدي هذه الخلافات إلى تقوية نفوذ إيران، الخصم السياسي لها في المنطقة.
مبعوث واشنطن الخاص إلى اليمن ليندر كينغ أوضح للصحفيين الشهر الماضي أن دول المنطقة لديها دور أساسي تلعبه في إحلال السلام باليمن، فيما تبدو الأسابيع القادمة حاسمة، حيث تستعد السعودية لجولة جديدة من المحادثات مع قادة الحوثيين الذين هددوا مجددًا باستئناف حرب جديدة.
خيَّمت أجواء التوتر مؤخرًا على المشهد اليمني عقب مقتل جنديين بحرينيين في هجوم استهدف موقعهما جنوب السعودية قرب الحدود مع اليمن، وفي حين اتهمت السعودية الحوثيين بالمسؤولية عن الهجوم، وطالبت بضرورة وقف تدفق الأسلحة إلى اليمن، لم ينف الحوثيون هذه الاتهامات، لكنهم شددوا على أن خروقات التحالف بقيادة السعودية مستمرة، ما قد يلقي بظلاله على محادثات السلام.
ورغم أن استئناف العلاقات السعودية الإيرانية هي أيضًا عامل معزز مهم لدفع جهود السلام في اليمن، لا تختلف السعودية والإمارات على أن إيران تشكل تهديدًا لهما، غير أن موقف التهديد هو مكمن الخلاف بحسب مراقبين، إذ تبدو الإمارات ماضية في إستراتيجيتها الواضحة في السيطرة على جنوب اليمن باعتباره منصة القفز الرئيسية إلى النفوذ البحري في الشرق الأوسط، فيما تبدو السعودية بلا أي رؤية لما أرادته من حملتها العسكرية ودون إستراتيجية واضحة لمواجهة هذا التوغل والتنافس الإماراتي في اليمن والبحر الأحمر.
قد يختلف التأويل بالنسبة لولي العهد، فالحرب التي أطلق شرارتها بالتزامن مع صعوده السياسي حققت أهدافه الخاصة، فقد أمَّنت له الأسباب لفرض قبضة حديدية وإقصاء منافسيه بدواعي الحفاظ على الأمن القومي، وفتحت شهيته لتقديم نفسه كزعيم قادر على بناء تحالفات والتملص من مسؤولية الجرائم المرتكبة ضد المدنيين في اليمن، ووفرت له الأطراف اليمنية الغطاء للإفلات من المساءلة.
السلام كما الحرب في اليمن بالنسبة لابن سلمان مجرد لعبة يمارسها حين يشاء متكئًا على رصيد بلاده من أموال النفط وقابلية الأطراف للبيع بقيمة متدنية، ويبدو أنه مقتنع بأن خريطة السلام والحل قائمة على احتمالية أن ما تريده بلاده يجب أن يتم، معتقدًا أنها تحمل تفويضًا لإنجاز تسويتها الخاصة في اليمن.
لكن التاريخ والمنطق والجغرافيا وكل المؤشرات تقول إن صناعة السلام لا تُطبخ على عجل، ولا ينهي التوقيع على الاتفاقات حالة الحرب في بلد تتقاتل أطرافه بعد توقيع اتفاقات السلام، وسيطرت فيه الإمارات على الوضع العسكري والإداري بشكل كامل في مدن يمنية إستراتيجية، وتمددت لتصبح صاحبة النفوذ الأقوى، مستغلة انشغال السعودية بالدفاع عن حدها الجنوبي من هجمات الحوثيين.
يبقى السؤال عن قدرة الرياض على سد شهية الإمارات المفتوحة لتوسيع نفوذها وسحب البساط من تحت أقدامها في اليمن وإلزامها بموقف مجلس التعاون الخليجي الموحد من القضية اليمنية ليُكتب النجاح للجهود العمانية والسعودية الرامية لطي صفحة الحرب التي باتت تشكل خطرًا على المنطقة برمتها.