ترجمة وتحرير: نون بوست
على بعد حوالي ثلاثين كيلومترا شمال ولاية صفاقس، أصبحت مدينة العامرة الصغيرة مفترق طرق أساسيّ للمهاجرين الراغبين في الرحيل إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.
على طول الطريق الرئيسي وسط مدينة العامرة، يتعايش التونسيون والمهاجرون غير الشرعيون لكن دون أي اختلاط. لكلٍّ مقهى وقطعة رصيف خاصة به. لقد أصبحت المدينة، التي تقع وسط المنطقة الساحلية وسط شرق تونس وتمتد على حوالي ستين كيلومترا من صفاقس إلى الشابة، أحد الموانئ الرئيسية للهجرة غير الشرعية إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية التي تقع على بعد أقل من 150 كيلومترًا من سواحل تونس. في هذه المنطقة، تزدهر تجارة الهجرة غير الشرعية التي تشمل صانعي القوارب المعدنية وتجّار المحرّكات والحراس والوسطاء على اختلاف أنواعهم.
رغم الخطاب الرسمي للسلطات التونسية بشأن مكافحة المهرّبين ومراقبة الحدود المفوّضة إليها من قبل الاتحاد الأوروبي، إلا أن عدد المهاجرين زاد بشكل كبير على مدار الأشهر. فيوم الأربعاء 13 أيلول/ سبتمبر، سجّلت السلطات الإيطالية عددًا قياسيًا من المهاجرين الوافدين من تونس وصل عددهم إلى ما يقارب 7000 شخص خلال 24 ساعة.
ردًا على ذلك، أعلنت وزارة الداخلية التونسية عن عملية أمنية واسعة النطاق: نُقل مئات المهاجرين غير الشرعيين الذين لجأوا إلى المركز التاريخي لمدينة صفاقس بعد طردهم من منازلهم وتعرضهم لمطاردة حقيقية – بمساعدة قوات الشرطة – يومي 16 و17 أيلول/سبتمبر إلى المناطق الريفية ولا سيما إلى مدينتي جبنيانة والعامرة – وهي خطوة جعلتهم أقرب إلى مناطق المغادرة إلى أوروبا.
تصريحات متناقضة من السلطات التونسية
ندّد ثامر الرويس، وهو أحد سكان منطقة العامرة الذي تظاهر مع حوالي خمسة عشر شخصًا آخرين يوم الجمعة 22 أيلول/سبتمبر أمام مقر الولاية احتجاجًا على وصول المهاجرين إلى المدينة وانتشارهم في حقول الزيتون المحيطة بها قائلا: “إنهم يضعون البارود بالقرب من النار”. بالنسبة لهذا الأب ذو الشعر الرمادي، فإن خطاب السلطات بشأن مكافحة الهجرة غير الشرعية يتناقض تمامًا مع تصرفات الشرطة موضحًا أن “العامرة معروفة بالاتجار والمهربين، لكنهم يلقون المهاجرين هنا ثم يدعون أنهم يسيطرون على البحر”.
يخشى المتظاهرون من أن يؤدي وجود مواطني جنوب الصحراء الكبرى في منطقتهم إلى تشجيع الشباب من الأحياء المحيطة، الذين “ليس لديهم مال أو آفاق للمستقبل”، على أن يصبحوا مهرّبين. مع ذلك، تم تعزيز عدد قوات الأمن إلى حد كبير في المنطقة منذ وصول أعداد كبيرة من المهاجرين إلى لامبيدوزا في منتصف أيلول/ سبتمبر وإخلاء وسط صفاقس. وتقوم مركبات مدرّعة تابعة للوحدة المختصة للحرس الوطني، وهي قوات نخبة تابعة للحرس الوطني التونسي، بدوريات مستمرة على الطرق بينما تحلّق الطائرات بالقرب من السواحل.
لإثبات عملهم الجاد، عرض أحد عناصر الحرس الوطني مقاطع فيديو للعمليات التي شارك فيها. تظهر الصور تونسيين يوصفون بأنهم مهربون إلى جانب عشرات المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى متجمعين داخل منازل تقع في “حي المساترية” الشعبي، على بعد بضعة كيلومترات من وسط العامرة. وفي باحات هذه المنازل، تعمل القوى الأمنية على تدمير قوارب معدنية قيد الإنشاء مخصصة لعمليات عبور قريبة. وفي الأثناء، يتم إجلاء المهاجرين غير الشرعيين – رجالًا ونساءً وأطفالًا – بشكل متسلسل إلى الخارج.
رحلة طويلة
يبدو أن آلاف المهاجرين المنتشرين في المنطقة، في المدينة أو في حقول الزيتون العديدة الممتدة على مد البصر، ليسوا قلقين للغاية بشأن هذا الوجود الأمني. لا تزال نوافذ مكاتب البريد في العامرة ممتلئة. وفي طوابير الانتظار، يتناوب مواطنو بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على سحب الأموال التي يتم تحويلها عادة عن طريق الأقارب. ومع أن قيس سعيّد هدّد في تموز/ يوليو الماضي باتخاذ إجراءات صارمة ضد تضاعف هذه التحويلات التي يقوم بها مكتب البريد التونسي، إلا أن الواقع مختلف تمامًا.
في منطقة جبنيانة الواقعة على بعد أقل من كيلومتر واحد من الساحل، يقيم حوالي مائة مهاجر في قطعة أرض صغيرة تحت ظلال أشجار الزيتون. في المتوسط، يتقاسم عشرة أشخاص، غالبا ما يتم تجميعهم حسب الجنسية، نفس الشجرة. وينشر الغسيل على الأغصان، وتوضع على الأرض مراتب إسفنجية أو بطانيات أو أرائك قديمة ممزقة. وعلى بعد أمتار قليلة، قام بعض أصحاب المنازل المحيطة بتوفير صنابير المياه أو مبردات المياه لمساعدة جيرانهم الجدد.
مستلقيًا على بطانية، يبدو إينوسا البالغ 27 عاما والقادم من بوركينا فاسو متحليًا بالصبر. بعد أن وصل مؤخرًا إلى العامرة قادما من الجزائر، حيث مكث لمدة سنة تقريبا بعد رحلة طويلة، حاول هذا المهاجر بالفعل العبور إلى لامبيدوزا مرتين في أقل من شهر. ودون عمل أو وسيلة للعيش، تمكن بفضل أقاربه المقيمين في البلاد من دفع 3000 دينار (حوالي 900 يورو) في المحاولات السابقة. وفي كل مرة، كان الحرس البحري يعترض طريقه في عرض البحر ويجبره على العودة.
بعد إطلاق سراحه بميناء صفاقس، عاد سيرا على الأقدام إلى المنطقة منتظرًا أن يبتسم له “الحظ” في نهاية المطاف. حيال ذلك قال: “يجب أن أتمكن من العثور على المال، لا يوجد عمل هنا، ولكن على أي حال، لا أستطيع العودة إلى بوركينا فاسو، هذا مستحيل، إنه أمر خطير للغاية”.
في هذه الأثناء، يتقاسم هذا المهاجر ظل شجرة زيتون مع مواطنين من بلاده دون أن يضطر للذهاب إلى المدينة لمحاولة العثور على القليل من المال وبعض الطعام وذلك بفضل مساعدة بعض السكان أو التضامن من مجتمعه. لكن بالنسبة لمحمد البكري، وهو تونسي قاطن في الحي، فإن الوضع قد يتفاقم “مع قدوم الشتاء وموسم جني الزيتون”، مهددًا من أنه “إذا لم تفعل الدولة شيئا، فإن سكان العامرة أيضًا سيساعدونهم على عبور الحدود”.
المصدر: صحيفة لوموند