هل يحمل ترامب في جعبته حلول “سلام” قريبة في الأراضي المحتلة؟

08e6b564c347f7301b17c5613dde0c13

رغم أن السلطة الفلسطينية كان لها موقفًا قويًا وصلبًا في ملف المفاوضات مع إسرائيل، ووضعت ثلاثة شروط ثابتة مقابل الدخول بجولة مفاوضات جديدة، فإن الاتصال الأخير الذي جرى بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس محمود عباس، سرعان ما كسر هذا الموقف وأصبح يتمايل مع الإملاءات الأمريكية.

قبل اتصال ترامب “المتأخر” والذي جاء بعد شهرين من جلوسه على كرسي الرئاسة الأمريكية، كان مسؤولو السلطة وحركة “فتح” يؤكدون أن الإدارة الأمريكية الجديدة لا تملك رؤية لعملية سلام في المنطقة، وانحيازها لإسرائيل العقبة الأكبر لقيام الدولة، لكن سرعان ما تحول هذا الهجوم إلى مواقف “مشرفة وداعمة للقضية”.

الحديث هنا يدور عن صائب عريقات عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حين أكد أن ترامب سيعرض صفقة سياسية تاريخية على الرئيس محمود عباس بعد زيارته المرتقبة للعاصمة واشنطن، مما فتح باب التساؤل واسعًا عن الذي ينتظر عباس في واشنطن، وهل سيتنازل عن شروطه لمفاوضة إسرائيل  مجددًا؟

أعلن ترامب في 15 من شباط/ فبراير رغبته في التوصل إلى اتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن تأكيده عدم تمسك الولايات المتحدة بحل الدولتين أثار ارتباكًا واسعًا

اللهث مجددًا وراء سراب المفاوضات

عريقات ذكر أن الاتصال الهاتفي الذي جرى بين عباس وترامب كان “مهمًا جدًا”، وفتح أفقًا جديدة للتعاون السياسي مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وأن ترامب وعد بتقديم صفقة سياسية جديدة للرئيس عباس خلال زيارته المرتقبة لواشنطن.

تصريحات عريقات أثارت حالة من البلبلة والغضب  داخل الأوساط الفلسطينية التي تؤكد أن السلطة لا تزال تؤمن بنهج المفاوضات حتى الرمق الأخير رغم فشلها على مدار الـ22 عامًا الماضية، فحذر حسن خريشة النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي، الرئيس عباس من العودة للهث خلف سراب المفاوضات مع إسرائيل.

وأكد خريشة أن السلطة الفلسطينية ضعيفة للغاية ولا تملك أي رؤية سياسية أو استراتيجية في التعامل مع المتغيرات المحيطة والصعبة، وقد تخلت عن كل مبادئها ومواقفها في أول اتصال هاتفي جرى بين الرئيس عباس ونظيره الأمريكي دونالد ترامب.

وأوضح أن تغني السلطة ومسئولو حركة فتح باتصال ترامب الهاتفي والحديث عن قمة في واشنطن ومفاجأة سياسية قريبة أمر مبالغ فيه للغاية، وجاء منافيًا لما صرحت به السلطة بموقف “جاد” ضد إدارة ترامب التي تدعم علانية الاستيطان وتقف بجانب الاحتلال على حساب حقوق شعبنا.

وذكر النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي، أن الرئيس الأمريكي الجديد لن يقدم أي حلول لعملية السلام المتوقفة، بل سيحاول أن يصدر وهمًا وسرابًا جديدًا تلهث وراءه السلطة الفلسطينية على أمل إحياء مشروع المفاوضات الفاشل التي بات هدفها الأول والأخير في الوقت الراهن.

عودة الرئيس عباس للمفاوضات مع إسرائيل، يعني فعليًا إغلاق باب المصالحة الداخلية وتعميق الانقسام القائم

ودعا خريشة الرئيس عباس لحسابه خطواته جيدًا والتفكير في كيف يمكن مواجهة الاحتلال والتضييق عليه وتقديم قادته للمحاكمة الدولية لمحاسبتهم على جرائمهم بحق شعبنا ومقدساتنا، وليس تقديم طوق النجاة لهم من خلال المفاوضات.

وعلى المستوى الداخلي، أكدت نعيمة الشيخ علي النائب في المجلس التشريعي عن حركة فتح، أن عودة الرئيس عباس للمفاوضات مع إسرائيل، يعني فعليًا إغلاق باب الصالحة الداخلية وتعميق الانقسام القائم، وقالت: “المصالحة الداخلية وكل الجهود التي بذلت من أجل إتمامها وصلت لطريق مسدود، وتوجه عباس إلى جولة مفاوضات جديدة برعاية أمريكية سيساعد أكثر في تعميق الانقسام وغلق باب المصالحة”.

واعتبرت إصرار الرئيس عباس للعودة إلى مربع المفاوضات “الفاشلة والعبثية” مع إسرائيل تحت رعاية أمريكية، محاولة جديدة لتعميق الانقسام الداخلي القائم والمستمر منذ سنوات طويلة، لافتة إلى أن أبرز أسباب تعثر المصالحة الداخلية كان الرهان على المفاوضات مع الاحتلال.

من جانبها، أكدت السلطة الفلسطينية، تلقيها دعوة رسمية لزيارة البيت الأبيض، وقال المتحدث باسم رئاسة السلطة نبيل أبو ردينة، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وجه دعوة رسمية للرئيس عباس لزيارة البيت الأبيض قريبًا، لبحث سبل استئناف العملية السياسية، مؤكدًا التزامه بعملية سلام تقود إلى سلام حقيقي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

عباس والمبعوث الأمريكي غرينبلت

وتأتي هذه المحادثة بين ترامب وعباس على خلفية زيارة مبعوث الرئيس الأمريكي جيسون غرينبلت، إلى المنطقة، ولقائه مع الرئيس عباس ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.

يشار إلى أنه منذ بدء ولايته، تجاهل ترامب الفلسطينيين وأطلق تصريحات تنسجم مع سياسة حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية، وقال ترامب في أثناء لقائه نتنياهو في البيت الأبيض، الشهر الماضي، إنه لا يرى حلًا معينًا للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وبالإمكان التوجه نحو “الحل الدولة الواحدة”.

ومنذ تنصيب ترامب أعطت إسرائيل الضوء الأخضر لبناء أكثر من ستة آلاف وحدة استيطانية في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلتين، وهو ما يصعب أي محاولات لدفع عملية السلام، لا سيما أن الاستيطان يشكل أكثر القضايا سخونة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في أي مفاوضات سلام.

أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، بأن الرئيس الأميركي يعد لمؤتمر إقليمي تشارك فيه إسرائيل ودول عربية والسلطة الفلسطينية، في مايو/ أيار المقبل على ما يبدو

تفاصيل الصفقة السياسية

وعلى ضوء التطورات السياسية، كشفت مصادر فلسطينية مطلعة، تفاصيل الصفقة السياسية التي سيعرضها ترامب على الرئيس عباس لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وستشمل تجميدًا واسعًا للبناء في المستوطنات، ومنع نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس.

وأضافت أن الرئيس عباس سيستجيب لاقتراح ترامب، متوقعة أن يجتمع مسؤولون فلسطينيون وإسرائيليون وأمريكيون قريبًا في الأردن لبحث شروط استئناف المفاوضات.

وفي ذات السياق أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، بأن الرئيس الأمريكي يعد لمؤتمر إقليمي تشارك فيه إسرائيل ودول عربية والسلطة الفلسطينية، في مايو/ أيار المقبل على ما يبدو.

وأضافت أن الجهود لإعادة إطلاق العملية السياسية للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد دخلت مرحلة متقدمة، وأشارت إلى أن زيارة المبعوث الرئاسي الأمريكي جيسون غرينبلات للمنطقة تندرج في إطار جهود الرئيس ترامب من أجل الترتيب لمؤتمر دولي للشرق الأوسط يلتئم في العاصمة الأردنية عمان بمشاركة إسرائيلية وفلسطينية ورعاية الملك الأردني عبد الله الثاني.

ومن السيناريوهات المطروحة السابقة فإن إدارة ترامب أرادت من المكالمة مع عباس ثم الزيارة المدعو للقيام بها إلى واشنطن، فتح “بازار” مقايضة، يقوم على المعادلة التالية: الاستمرار في وقف تمدد المستوطنات والامتناع عن نقل السفارة، مقابل دخول الفلسطينيين في مفاوضات بشأن تسوية بمواصفات إسرائيلية”.

 ومقابل هذا التنازل يحصل الفلسطينيون على وعد بتطوير وتخفيف هذه المواصفات مع مرور الوقت وبناء الثقة، لكن صفقة كهذه تبدو مبنية على وعد بلا ضمانات فعلية، ولا يملك البيت الأبيض من عدّة هذا الحل غير “براعة الرئيس ترامب في فن إبرام الصفقات” وتوظيفه ورقة تلويح الكونغرس بقطع المساعدات الأمريكية عن السلطة الفلسطينية، وربما التهويل بإقفال مقر البعثة الفلسطينية في واشنطن إنْ مانع الرئيس عباس عرْض إدارة ترامب.

منذ تنصيب ترامب أعطت إسرائيل الضوء الأخضر لبناء أكثر من ستة آلاف وحدة استيطانية في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلتين، وهو ما يصعب أي محاولات لدفع عملية السلام

أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية بنابلس رائد نعيرات، قال: “السلطة وضعت ثلاثة شروط لاستئناف المفاوضات وهي تجميد بناء المستوطنات وإطلاق دفعة الأسرى والمفاوضات على الحدود”.

وأضاف أن الحكومة الإسرائيلية رافضة لتلك الشروط، والاقتراح الأمريكي جاء لتجميد البناء والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية بغض النظر عن الشروط سالفة الذكر، مشيرًا إلى أن الاقتراح الأمريكي لا يعني اعتبار التوسع الاستيطاني غير شرعي، وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن الدعوة هدفها التسوية بين الطرفين ورافضة لحل الدولتين.

وتوقع نعيرات أن تقبل السلطة الفلسطينية المقترح وتذهب للمفاوضات، لافتًا إلى أن السلطة ستواجه ضغوطات كبيرة من قبل الإدارة الأمريكية لفرض الرؤية الإسرائيلية، مضيفًا:” على أي حال من الأحوال إن كان هناك حل قادم تسفر عنه المفاوضات إن جرت، فلن يكون مبشرًا للقضية الفلسطينية ولا يخدمها”.

ولفت إلى أن الضغوطات الأمريكية على السلطة لفرض المطالب الإسرائيلية لن تنجح، ولا يستطيع أي طرف فلسطيني تقديم تنازلات بالشكل الذي تقترحه الإدارة الأمريكية.

من جانبه رأى المحلل السياسي عبد الستار قاسم، أن اتصال الرئيس ترامب بعباس، كان بمنزلة “أمر بالطاعة” لسياسات الإدارة الأمريكية، خاصة أن هذا الاتصال جاء بعد نحو خمسين يومًا على تولي ترامب رئاسة أمريكا.

منذ بدء ولايته، تجاهل ترامب الفلسطينيين وأطلق تصريحات تنسجم مع سياسة حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية

وبيّن قاسم أن الرئيس عباس لا يملك خيار رفض هذه الدعوة، بل سيذهب إلى هناك وفقًا للموعد الذي تحدده الإدارة الأمريكية له، لكون عباس أكثر البشر حاجةً لاستئناف عملية التسوية بسبب انسداد العملية السياسية لحل الصراع، والتي تعد سلاحه الوحيد في مواجهة الاحتلال.

وتوقع قاسم أن يتلقى عباس من ترامب طلبات بخصوص استئناف عملية التسوية وفقًا لوجهة نظر نتنياهو، وقال: “أتوقع أن يمرر ترامب إلى عباس موقف الإدارة الأمريكية الرامي لاستئناف المفاوضات على أساس الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة، ودون وقف الاستيطان لاعتباره ليس عقبة أمام عملية التسوية كما صرح ترامب سابقًا”.

وكان ترامب أعلن في 15 من شباط/ فبراير رغبته في التوصل إلى اتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن تأكيده عدم تمسك الولايات المتحدة بحل الدولتين أثار ارتباكًا واسعًا.

وأثارت تصريحات ترامب منذ حملته الانتخابية قلقًا كبيرًا لدى القيادة الفلسطينية بسبب مواقفه المؤيدة لإسرائيل وتعهده بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وتعيين مؤيد للاستيطان كسفير للولايات المتحدة في الدولة العبرية.

وجهود السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين متوقفة بالكامل منذ فشل المبادرة الأمريكية في نيسان/ أبريل 2014، ويبقى حل الدولتين، أي وجود دولة إسرائيلية ودولة فلسطينية تتعايشان جنبًا إلى جنب بسلام، المرجع الأساسي للأسرة الدولية لحل الصراع.