في يوم 17 مارس/آذار، لن يمحى من ذاكرة ريما خلف الأمينة التنفيذية المستقيلة عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا إسكوا وحسب، بل ومن ذاكرة الفلسطينيين والعرب في كفاحهم ضد الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، على مدار العقود الماضية، حيث تمكنت خلف قبل مغادرتها منصبها من توجيه صفعة للأمم المتحدة وأمينها وإسرائيل والولايات المتحدة من وارئها لن ينساها العالم أجمع.
الأمينة التنفيذية لإسكوا تستقيل
قدمت الأمينة العامة عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “إسكوا”، ريما خلف، استقالتها من منصبها، رفضًا للضغوط التي أدت إلى سحب تقرير يصف إسرائيل بأنّها دولة فصل عنصري. إذ قدمت لجنة الإسكوا تقريرًا أكدت فيه أن الاحتلال الإسرائيلي أنشأ بالفعل نظام فصل عنصري، ودعت فيه إلى إعلان الطوارئ لمتابعة شؤون ضحاياه من الفلسطينيين.
التقرير والذي حمل عنوان “الممارسات الإسرائيلية نحو الشعب الفلسطيني ونظام الفصل العنصري”، تألّف من 744 صفحة، إضافة إلى ملحقين، وتعد هذه المرة الأولى التي تتهم فيها وكالة تابعة للأمم المتحدة صراحة، إسرائيل، بالفصل العنصري.
أثارت ريما خلف الأردنية الأصل ضجة في أروقة الأمم المتحدة في يوم الأربعاء الماضي 15 آذار/مارس بعدما ذكرت في مؤتمر صحفي في بيروت أن التقرير، الذي تم بناؤه وفق الاستقصاء العلمي وبناء على أدلة قاطعة، يؤكد أن “إسرائيل” أقامت نظام فصل عنصري تجاه الشعب الفلسطيني بأكمله، يقوم على تفتيت هذا الشعب سياسيًا وجغرافيًا، وعلى قمع الفلسطينيين حيثما وجدوا.
تقرير الإسكوا يعد المرة الأولى التي تتهم فيه وكالة تابعة للأمم المتحدة صراحة، إسرائيل، بالفصل العنصري.
وهاجمت ريما خلف إسرائيل والولايات المتحدة في التقرير، بينما نأى الأمين العام الجديد للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بنفسه عن نتائج التقرير وضغط على ريما خلف لسحبه ما اضطرها إلى إرسال استقالتها استقالتها قبل أيام من انتهاء مدة خدمتها في منصبها والمقررة نهاية الشهر الحالي.
خلف ذكرت أنها دعت الأمين العام للأمم المتحدة لمراجعة قراره بسحب التقرير لكنه رفض وتمسك بقراره متجاهلاً ما يمثله التقرير من قيمة بحثية منسجمة مع ما نصت عليه معايير القانون الدولي. وأشارت أن الأمين العام تعرض لضغوط بسبب التقرير، مع إصرارها في تصريحات لها قبل استقالتها على ما توصل له التقرير من أن إسرائيل قد أسست نظام فصل عنصري يهدف لتسلّط جماعة عرقية على أخرى، وأن الأدلة التي قدمها التقرير قطعية، وأن الواجب يفرض تسليط الضوء على الحقيقة، وأن هذه الممارسات لا يمكن تبريرها.
الحقيقة الدامغة
عقدت المجموعة العربية بالأمم المتحدة بعد استقالة خلف اجتماعًا طارئًا بدعوة من المندوب الفلسطيني لبحث تداعيات طلب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من لجنة الإسكوا سحب تقريرها، وقرر المندوبون العرب تشكيل وفد من مندوبي فلسطين وعُمان والعراق للقاء غوتيريش ومتابعة هذه القضية.
أثبتت خلف باستقالتها للعالم أنه لا يختلف إثنان في أن الضغوط التي تعرض لها الأمين العام للأمم المتحدة قادمة من إسرائيل والولايات المتحدة، حيث أشاد مندوبا واشنطن وإسرائيل في الأمم المتحدة بموقف الأمين العام من تقرير الإسكوا، وأثنيا أيضًا على قبوله استقالة ريما خلف.
تقرير الإسكوا أكد أن “إسرائيل” أقامت نظام فصل عنصري تجاه الشعب الفلسطيني بأكمله، يقوم على تفتيت هذا الشعب سياسيًا وجغرافيًا، وعلى قمع الفلسطينيين حيثما وجدوا.
حيث قالت مندوبة واشنطن نيكي هايلي “عندما يصدر شخص تقريرًا زائفًا وتشهيرًا باسم الأمم المتحدة، فمن المناسب أن يقدم هذا الشخص استقالته”، أما مندوب إسرائيل داني دانون فقال إن “قرار الأمين العام خطوة هامة لإنهاء التحيز ضد إسرائيل فى الأمم المتحدة”.
بينت ريما خلف أن الأمم المتحدة ومؤسساتها المأدلجة لصالح الدول القوية في العالم تبطن ما لا تظهره، وأن هناك قوى تتلاعب بالقضايا الدولة بما يصب لمصلحتها، فسحب التقرير كشف الستار الذي تتستر ورائه الأمم المتحدة، وبين بما لا يدعو للشك أن هيمنة إسرائيل والولايات المتحدة على الأمم المتحدة وقراراتها، وأنه لا أمل في صدور قرار يدين الاحتلال الإسرائيلي وممارساته في هذه المنظمة.
وهو ما قد يسحب على باقي المنظمات الدولية، فإذا كان هذا الحال بالأمم المتحدة فكيف بالمحكمة الجنائية الدولية! والتي قُدمت لها تقارير موضوعية وعملية مستندة إلى أرقام ومعطيات حول جرائم إسرائيل وجرائم أنظمة مستبدة أخرى في العالم، ولكن بدون فائدة!.
يُذكر أن تقرير الإسكوا هذا ليس وحيدًا في تاريخ ريما خلف حيث سبق لها في العام 2014 وأن أطلقت تقريرًا حمل عنوان التكامل العربي: سبيلًا لنهضة إنسانية، وقالت خلال إطلاق التقرير في فبراير/شباط من ذلك العام إنّ “أشكال الاستباحة الخارجية للحقوق والكرامة العربية تتعدد، ويبقى أسوأها الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان السوري، وأراض لبنانية” وهذا ما أغضب إسرائيل وطالب سفيرها لدى الأمم المتحدة، رون بروس، بإيقافها، مبررًا طلبه بمواقفها “المعادية لليهود”.
خلف التي أُخذت يومًا ما في الثورة الفلسطينية مطلع السبعينات وانخرطت بالحركة الطلابية في بيروت أثناء التحاقها بكلية الاقتصاد في الجامعة الأمريكية في بيروت، هي نفسها التي أبقت الثورة الفلسطينية بداخلها وانتهت بإعلان صرخة مدوية على أكبر منظمة على مستوى العالم، الأمم المتحدة، وتأمل أن تلك الثورة والصرخة أن لا تنتهي بعد استقالتها بل تأخذ حيزًا أكبر وضجة أعمق في أروقة الأمم المتحدة، جراء سحب تقرير الإسكوا، بالشكل الذي يوقع إسرائيل وواشنطن و”منظمتهم” في ورطة أقلها أخلاقية.