أثبتت ثورة الخامس والعشرين من يناير وما تلاها من أحداث ساهمت في إعادة رسم الخارطة السياسية لمصر، أن الإعلام بفروعه المختلفة هو اللاعب الأبرز حضورًا والأكثر تأثيرًا في المشهد، لاسيما في ظل ارتفاع نسبة الأمية لدى قطاعات عريضة من المصريين، ما أوقعهم فريسة سهلة في براثن المتحكمين في هذه الصناعة الرائجة.
والملاحظ أن الأحداث التي تلت ثورة يناير بدءًا بحادثة محمد محمود، مرورًا بماسبيرو والأزمات المفتعلة، ثم شيطنة تيارات الإسلام السياسي، وصولا إلى مداعبة خيال المواطنين بحياة أفضل، ومستقبل مشرق، على شاكلة “مصر تستيقظ” و”قناة السويس الجديدة.. هدية مصر للعالم” و”مناجم الياقوت والمرجان”، كان الإعلام هو صاحب الفضل فيها بصورة كبيرة، وهو ما يفسر حرص الرئيس عبدالفتاح السيسي على إحكام قبضته على وسائل الإعلام المختلفة إيمانًا بدورها في تكريس حكمه، وخوفًا من تهديد كرسيه حال تركها تعمل بحرية.
إلا أن الفترات الأخيرة شهدت عودة رجال مبارك للساحة مجددًا عبر منصات الإعلام المختلفة، وهو ما يجسده فوز عبدالمحسن سلامة بمنصب نقيب الصحفيين خلال الانتخابات التي جرت الجمعة الماضية، فضلا عما أثير بشأن تولي بعض المحسوبين على نظام مبارك للعديد من المناصب الإعلامية الرفيعة.. ما يدفع إلى التساؤل: هل عاد رجال مبارك من جديد لإحكام قبضتهم على الإعلام؟ وما الهدف؟
أزمة نقابة الصحفيين
المتابع لأزمة انتخابات نقابة الصحفيين المصرية، وتجييش الإعلام الداعم للنظام ضد النقيب الأسبق يحيى قلاش لصالح مرشح الدولة كما أطلق عليه، عبدالمحسن سلامة، إبن مؤسسة الأهرام، وأحد أذرع مبارك الإعلامية، يجد أن هناك رغبة حقيقية في التخلص من كافة العناصر التي لا تدين بالولاء الكامل لتوجهات النظام حتى وإن كانت لا تنتمي لفصائل المعارضة.
وسلامة كان مرشحاً لانتخابات مجلس الشعب عام 2010 بدائرة شبرا الخيمة محافظة القليوبية عن الحزب الوطني المنحل، الذي ترأسه مبارك وخسر الانتخابات، وهو أحد أبرز المحسوبين على النظام السابق داخل مؤسسة الأهرام، أحد أكبر الصحف القومية الداعمة للنظام الحاكم.
موقف قلاش ورفقاءه المناوئ لوزارة الداخلية إبان الصدام – الظاهري – بين النقابة والوزارة في أعقاب اقتحام بعض رجال الشرطة مقر النقابة في الأول من مايو 2016 وإلقاء القبض على اثنين من الصحفيين بتهمة التحريض على التظاهر، وما تلاه من تظاهرات 4 مايو والمطالبة بإقالة وزير الداخلية، كان الدافع الأساسي وراء إسقاط قلاش من حسابات النظام، وهو ما تم الإعداد له مبكرًا.
جاءت انتخابات نقابة الصحفيين الجمعة الماضية لتكشف حجم التجييش للإتيان بالعناصر المضمون ولاءها بصورة كاملة
بدأ الإعداد لتصفية مجلس النقابة من خلال إحداث حالة من الإنقسام داخل المجلس حيث انقسم إلى فريقين، فريق يرى بتصعيد الأمور مع الدولة وفريق آخر رفض هذا التصعيد وانحاز بصورة واضحة إلى بعض التحركات المناوئة لقلاش وفريقه وهو ما تجسد في المؤتمر الذي عقد بمقر جريدة الأهرام تحت مسمى “تصحيح المسار” بقيادة النقيب السابق مكرم محمد أحمد، ومن هنا كانت بداية النهاية لهذا المجلس.
ثم جاءت انتخابات نقابة الصحفيين الجمعة الماضية لتكشف حجم التجييش للإتيان بالعناصر المضمون ولاءها بصورة كاملة، وهو ماكان بالفعل، ففي اللحظات الأخيرة وقبيل انتهاء عملية التصويت، كانت أمواج الصحفيين من الصحف القومية تنهال صوب الصناديق للإدلاء بأصواتها وهو مارجح كفة عبدالمحسن سلامة، فضلا عن الإطاحة بكافة الأصوات المعارضة داخل المجلس، والحرس القديم للنقيب الأسبق يحيى قلاش، وفي مقدمتهم، خالد البلشي، أسامه داود، كارم محمود، وهكذا تم إحكام السيطرة على نقابة الصحفيين.
الحكم على قلاش ووكيلي النقابة جمال عبدالرحيم وخالد البلشي بتهمة إيواء مطلوبين
تشكيل الهيئات الإعلامية
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن قرارات مرتقبة بشأن تشكيل الهيئات الإعلامية الكبرى والتي تحدد خارطة وملامح المشهد الإعلامي بصورة كبيرة، وهي: الهيئة الوطنية للإعلام، المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام، الهيئة الوطنية للصحافة، في محاولة من النظام الحالي لفرض هيمنته الكاملة على منظومة الإعلام بشتى فروعها.
البرلماني والكاتب الصحفي مصطفى بكري، في تغريدة له أشار إلى الاستقرار على بعض الأسماء لقيادة هذه المؤسسات، وكانت كالتالي: “اختيار كرم جبر لرئاسة الهيئة الوطنية للصحافة، ومكرم محمد أحمد سيتولى رئاسة المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام، وأحمد أنيس وزير الإعلام السابق سيتولى رئاسة الهيئة الوطنية للإعلام”.
الثلاثة المرشحون لتولي زمام منظومة الإعلام جميعهم خرج من عباءة نظام مبارك، وكانوا أبرز الداعمين له طيلة مسيرته الحياتية، فها هو اللواء أحمد أنيس وزير الإعلام الأسبق في حكومة الدكتور كمال الجنزوري، التي شكلها عقب ثورة 25 يناير 2011، وأحد الأذرع الإعلامية لنظام مبارك، أما الكاتب مكرم محمد أحمد، فيراه كثيرون أحد أهم داعمي نظام مبارك، وهو ما تجسده كتاباته للعديد من خطابات مبارك، إلى جانب علاقته الوطيدة حاليًا بالنظام الحاكم والرئيس السيسي الذي قابله أكثر من مرة في مناسبات عديدة.
الثلاثة المرشحون لتولي زمام منظومة الإعلام جميعهم خرجوا من عباءة نظام مبارك، وكانوا أبرز الداعمين له طيلة مسيرته الحياتية
ولا يختلف موقف مكرم محمد أحمد أو اللواء أحمد أنيس مع نظام مبارك والنظام الحالي، عن موقف كرم جبر رئيس مجلس إدارة مؤسسة روز اليوسف سابقاً وعلاقته الوطيدة برجال عهد مبارك.
ويرى مراقبون، رفضوا ذكر أسمائهم لحين صدور قرار رئاسي بشكل رسمي متضمناً الأسماء، أن تعيين الثلاثة، مكرم وأنيس وجبر، سيكون بمثابة سيطرة للنظام على المؤسسات الصحفية والإعلامية عن طريق الاستعانة برجال مبارك مرة أخرى.
وبالرغم مما تم تداوله بشأن رفض أنيس تولي هذا المنصب حتى كتابة هذه السطور، ونفي مكرم محمد أحمد بأي اتصال جاءه بشأن حقيبة المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام، إلا أن العديد من المقربين من دوائر صنع القرار أشاروا إلى صحة ما قاله مصطفى بكري حتى وإن لم يتم الإعلان عنه بصورة رسمية.
يمكن الوقوف على خارطة إعلام مابعد 25 يناير من خلال محاور ثلاثة: المحور القديم والمتمثل في بقايا رجال أعمال مبارك، المحور الثاني: رجال الأعمال الجدد المدعومون من المؤسسة الأمنية، أما المحور الثالث فيضم عدد من العسكريين.
خارطة الإعلام الجديدة
عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، تغيرت معالم الخارطة الإعلامية في مصر بصورة كبيرة، حيث تغيرت بعض الوجوه لحساب وجوه أخرى وإن كان الهدف واحد وهو إحكام السيطرة على الإعلام برمته، إلا ان السمة الأبرز التي جمعت بين الوجوه القديمة المتنحية والجديدة القادمة هي انتماءها للحزب الوطني المنحل وولاءها التام لمبارك وعصره.
ويمكن الوقوف على خارطة إعلام مابعد 25 يناير من خلال محاور ثلاثة: المحور القديم والمتمثل في بقايا رجال أعمال مبارك، كمحمد الأمين، والسيد البدوي، وطارق نور، وعائلة الكحكي، المحور الثاني: رجال الأعمال الجدد المدعومون من المؤسسة الأمنية وأبرزهم: أحمد أبو هشيمة، رئيس مجلس إدارة شركة إعلام المصريين، ياسر سليم رئيس مجلس إدارة شركة بلاك أند وايت، وطارق إسماعيل صاحب شركة دي ميديا، بالإضافة إلى إيهاب طلعت صاحب الخبرة الواسعة في إدارة القنوات التلفزيونية، وفي التسويق.
أما المحور الثالث فيضم عدد من العسكريين ممن دخلوا إلى مجال الإعلام حديثًا وفي مقدمتهم: محمد سمير المتحدث العسكري الرسمي السابق باسم القوات المسلحة المصرية، مدير قناة العاصمة، وكاتب المقالات الرومانسية ببعض الصحف، وضابط الجيش السابق أحمد شعبان، وهو مدير مكتب اللواء عباس كامل الذي هو مدير مكتب السيسي.
مكرم محمد أحمد، المرشح لرئاسة المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام
رجال مبارك يسيطرون
بالرغم من مرور 6 سنوات على ثورة يناير إلا أن رجال مبارك لازالوا يسيطرون على أبرز المنصات الإعلامية، فضلا عن استحداث بعض المنصات الجديدة التي أثرت منظومة الإعلام – عددًا- بشكل كبير، في ظل ما تمتلكه من رؤس أموال ضخمة قادرة على بناء إمبراطورية إعلامية غير مسبوقة في تاريخ الإعلام المصري.
أ-محمد الأمين
أحد أبرز رجالات مبارك، إمبراطور الإعلام كما أطلق عليه عقب ثورة يناير، لم يظهر اسمه على الساحة الإعلامية إلا عقب سقوط الحزب الوطني المنحل، صاحب مجموعة قنوات ” “CBC ، ومالك جريدة الوطن، بجانب شرائه لوكالة الأخبار العربية ANA ، كما تتبع له شركة فور ميديا للإعلان.
أبرز المساهمين في قناتي النهار والنهار دراما، وكذلك مجموعة قنوات مودرن قبل إغلاقها، والنسبة الأكبر من جريدة الفجر، وقد كان صاحب نصيب في جريدة اليوم السابع قبل بيعه إياها في عام 2013.
ب-محمد أبو العينين
رجل أعمال مبارك المدلل، وأحد أبرز العازفين على كافة الأوتار، كان أول المهنئين للرئيس السابق محمد مرسي، وأحد الداعين إلى فتح قنوات اتصال مع الإخوان عقب الثورة، صاحب مجموعة شركات كليوباترا، والتي تضم شركة كليوباترا ميديا التي تتبع لها قنوات صدى البلد وموقع صدى البلد الإخباري.
أتهم رسميًا بالتحريض على قتل المتظاهرين في موقعة الجمل، فضلا عن اتهامه بالعديد من قضايا الفساد والكسب غير المشروع، ومع ذلك لم يتعرض له أحد، إضافة إلى كونه أبرز الرعاة الإعلاميين للرئيس السيسي ، حيث يتحمل كلفة الوفد الإعلامي والشعبي الذي يرافق السيسي في رحلاته الخارجية هنا وهناك.
محمد أبوالعينين.. كان أول المهنئين للرئيس السابق محمد مرسي، وأحد الداعين إلى فتح قنوات اتصال مع الإخوان عقب الثورة، صاحب قنوات صدى البلد وموقع صدى البلد الإخباري
ج-حسن راتب
أحد المقربين من السلطة في فترة مبارك، صاحب قناة المحور الفضائية، ورئيس مجلس إدارة جامعة سيناء، أتهم في عدد من قضايا الفساد عقب الثورة، كذا أتهم بالتحريض على قتل المتظاهرين في موقعة الجمل، إلا أنه كما أبوالعينين لم يتعرض له أحد، ولازال الرجل يمارس مهامه بأريحية كاملة.
هيمنة رجال أعمال مبارك على الإعلام بصورة كاملة
د- قناة العاصمة
من المنصات الإعلامية التي خرجت للنور مؤخرًا أيضًا قناة “العاصمة” والتي يملكها البرلماني سعيد حساسين، عضو الحزب الوطني المنحل، وأبرز المدافعين عن نظام مبارك، وتتردد الأنباء بأن القناة بتمويل من رجال الحزب الوطني، وتهدف إلى الترويج لبراءة مبارك ووطنية رجاله وكفاءة نظامه في إدارة شئون البلاد خلال السنوات التي سبقت الثورة.
لا يمكن الحديث عن عودة رجال مبارك من جديد عبر بوابة الإعلام دون التطرق إلى الظهور الملفت للنظر لوزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، من خلال إمبراطورية إعلامية تضم قناة فضائية وصحيفة ورقية
هـ-البوابة وشفيق
من الوسائل الإعلامية الداعمة لنظام مبارك التي فرضت نفسها في الأونة الأخيرة أيضًا موقع وصحيفة “البوابة” المملوكة – ظاهريًا- للبرلماني عبدالرحيم علي، والمدعومة والممولة من دولة الإمارات العربية المتحدة بمساعدة المرشح الرئاسي الخاسر الفريق أحمد شفيق.
وتعد “البوابة” من أكثر الوسائل الإعلامية الداعمة لنظام مبارك والتي تبكي عصره بصورة كبيرة كما أنها من المنصات المتميزة في محاولة إعادة رجال مبارك للساحة السياسية مرة أخرى عبر بوابة الإعلام، وذلك من خلال عدد من اللقاءات معهم ونشر الأخبار الإيجابية عنهم في محاولة لـ”غسيل سمعة” لهم من أجل تمهيد عودتهم للمشهد مجددًا.
ولا يمكن الحديث عن عودة رجال مبارك من جديد عبر بوابة الإعلام دون التطرق إلى الظهور الملفت للنظر لوزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلي، من خلال إمبراطورية إعلامية تضم قناة فضائية وصحيفة ورقية، وذلك برئاسة زوجته الكاتبة الصحفية إلهام شرشر، وبإشراف لمكرم محمد أحمد.
تشير مصادر إلى أن إمبراطورية العادلي خرجت للنور بدعم وتمويل عدد من أعضاء الحزب الوطني المنحل على رأسهم المهندس أحمد عز، والذي لا يخفي رغبته في العودة للمشهد مجددًا بعد محاولات إقصاءه المتعمدة خلال الفترة الماضية،كان آخرها استبعاده من خوض انتخابات مجلس النواب الأخيرة.
مما سبق يتضح أن الإعلام بكافة فصائلة (نقابة الصحفيين- الهيئة الوطنية للإعلام – المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام – الهيئة الوطنية للصحافة) فضلا عن القنوات الفضائية والمواقع الصحفية الأخرى باتت في قبضة رجال مبارك، سواء كانوا إعلاميين أو عسكريين، فهل تمهد هذه المنصات الإعلامية الطريق لعودتهم إلى المشهد السياسي مرة أخرى؟