ضجيج أصوات الكاميرات يعلو أثناء جلسة بين زعيمي دولتين قويتين الولايات المتحدة وألمانيا، يطلب الصحفيون من ترامب وميركل، “مصافحة..مصافحة..” إلا أن ترامب أصر على عدم المصافحة، وبالأخص بعدما قالت له ميركل الصحفيون يريدون منا أن نتصافح! بقي صامتًا ثم قال “احرصوا أن ترسلوا صورة جيدة إلى ألمانيا من فضلكم!”.
ترامب أرسل صورة غير جيدة إلى ألمانيا
لم تكن الصورة التي أرسلها ترامب إلى ألمانيا أثناء لقاء ميركل جيدة! كما طلب من الصحفيين، وبغض النظر عن التحليل المبدأي للموقف والذي يفيد أن ترامب ومن خلال سلوكه الغير دبلوماسي في عدم مصافحته لميركل، دلل على ضعفه من خلال طريقة مبتذلة ليظهر بأنه قوي، فقد سجل ترامب موقفًا جديدًا من شأنه أن تفقد إدارته الاحترام في المحافل الخارجية.
عادت ميركل إلى بلادها بخفي حُنين، بعدما كانت تأمل أن تأطر لعلاقة ودية مع الإدارة الأمريكية الجديدة، ليس لألمانيا وحدها بل للاتحاد الأوروبي الذي تمثله في رحلتها إلى أمريكا، وقالت عقب المؤتمر الصحافي في البيت الأبيض أنها “لم تجد الوقت لمناقشة تفاصيل السياسات الاقتصادية مع ترامب” وذكرت أن “اللقاء بالمجمل اتسم بعدم الدفء”.
تشكل السوق الأمريكية أقوى سوق لصادرات الشركات الألمانية بنسبة 10% من مجموع الصادرات الألمانية
الحقيقة تكمن أن ترامب تجاهل النقاش مع ميركل بخصوص السياسات الاقتصادية والاتفاقيات التجارية، لا لشيء إلا ليوفر الوقت عليها بأنه لا يزال مُصِر على اتباع سياسات انعزالية لحماية المصالح الأمريكية، ليهدد بهذا استقرار التجارة بين البلدين وبين بلدان العالم أجمع أو كما قالت صحيفة دير شبيغل الألمانية بأن “سياسة ترامب تعد أكبر مهدد للاقتصاد العالمي منذ أزمة المال العالمية في 2007 وأن ألمانيا تقف على خط النار”.
تدرك ميركل أنه لا يمكن أن تُغضب ترامب، إذ تعلم أن بلادها تعتمد على الولايات المتحدة بشكل كبير فالاقتصاد الألماني يعتمد بـ50% من وظائفه على التصدير ويعد السوق الأمريكي أكبر سوق لبضائعها، ونمو الاقتصاد الألماني يعتمد على الصادرات حيث تشير أرقام مكتب الإحصاءات الألماني أن الشركات الألمانية صدرت ما قيمته 115 مليار دولار إلى الولايات المتحدة خلال العام الماضي، وهو ضعف ما استوردته ألمانيا من الولايات المتحدة، فالميزان التجاري مائل لصالح ألمانيا، وتشكل السوق الأمريكية أقوى سوق لصادرات الشركات الألمانية بنسبة 10% من مجموع الصادرات الألمانية.
ترامب قال أنه ليس انعزالي ولكنه يريد صفقات تجارية عادلة لبلاده
ترامب قال أنه ليس انعزالي ولكنه يريد صفقات تجارية عادلة لبلاده، وبحكم أن الميزان التجاري بين بلاده وألمانيا مائل لصالح الأخيرة، لذا فإنه سيعمد إلى فرض رسوم جمركية وتعرفات على البضائع الألمانية القادمة إلى الولايات المتحدة، وهذا سيؤدي إلى إشكاليات تلحق بالشركات الألمانية ونمو الاقتصاد الألماني بالمحصلة، ففرض رسوم جمركية سيرفع من أسعار البضائع ويقلل من تنافسيتها ويرفع من التكاليف، ما قد يؤدي إلى انخفاض الصادرات وإذا لم تجد تلك البضائع أسواق أخرى ستتكدس البضائع وتتكبد الشركات خسائر مالية ترغمها على اتباع إجراءات تقشفية كتقليص العمالة.. وربما هذا يفسر توجه ألمانيا إلى أفريقيا في الفترة القريبة الماضية وتعميق علاقاتها مع الدول الأفريقية ودول أخرى تحسبًا من سياسات ترامب التي قد تؤذي الاقتصاد الألماني بشكل كبير.
وبالطبع اتباع هذه السياسة لا يعني أن الاقتصاد الأمريكي لن يناله شيء، فمعاقبة ألمانيا في نقطة الميزان التجاري تعني أن ألمانيا ستتبع نفس الأمر مع البضائع الأمريكية القادمة إلى ألمانيا وهذا سيؤدي إلى نتائج وخيمة أيضًا على الشركات الأمريكية والاقتصاد الأمريكي.
لقاء ترامب وميركل بالمجمل اتسم بعدم الدفء
كما لا يجب نسيان أن ما يحصل بين ألمانيا وأمريكا سينعكس على العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وبالتالي المسألة تتعدى الشركات الألمانية والاقتصاد الألماني إلى الاقتصاد الأوروبي عمومًا.
وفي الوقت الذي عبرت فيه ميركل عن أهمية الاتفاقيات التجارية للاقتصادات العالمية ومنافعها قال ترامب إنها مضرة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي وأنه سيعمل لحماية صمالح الصناعة الأمريكية والقوى العاملة في بلاده.
وفي إجابته على سؤال وُجه له في المؤتمر الصحفي الذي عقد بينهما في البيت الأبيض، حول كيف يخطط لبناء صفقات تجارية جديدة مع ألمانيا، قال ترامب “الصفقات السابقة كانت مفيدة كثيرًا لألمانيا مقارنة بالولايات المتحدة وأنا أهنئهم على ذلك” وأضاف “أنظر إلى اتفاقياتنا التجارية مع الصين وأنظر إلى اتفاقية افتا في الواقع كانت هذه الاتفاقيات كارثة بالنسبة لعمالنا”.
تمكنت ميركل خلال لقاءها بترامب وفي المؤتمر الصحفي أن تخفي توترها وقتامة المشهد الذي وضعها فيه ترامب، وقالت إن الصناعة الألمانية وقعت مجموعة من الاتفاقات التجارية من بينها اتفاق تجاري مع كوريا الجنوبية واستفدنا من هذه الاتفاقات التي جلبت وظائف للاقتصاد الألماني”.
انتهى اجتماع مجموعة العشرين بعدم التوصل إلى حل وسط بشأن المصادقة على التجارة الحرة، ورفض إجراءات الحماية التجارية
وحاولت أن تبدو إيجابية وتتصرف بإيجابية غير آبهة بكلام ترامب، وأرسلت رسالة مفادها أن ألمانيا تسير على درب النظام المعمول به في الاقتصاد العالمي والمتفق عليه في مجموعة العشرين الدولية كحرية التجارة وعقد الاتفاقات التجارية مع بلدان العالم التي تسهل مرور البضائع وتقلل من التنافسية وتخلق الوظائف في الاقتصاد.
مجموعة العشرين في خطر
انتهى أمس السبت اجتماع مجموعة العشرين الدولية لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في دول مجموعة العشرين، ويبدو أن أفكار ترامب وقراراته مؤخرًا لم تترك مجموعة العشرين تسير على مايرام، فالاجتماع انتهى بعدم التوصل إلى حل وسط بشأن المصادقة على التجارة الحرة، ورفض إجراءات الحماية التجارية.
وهو ما يتماهى مع خطاب ترامب الداعي للانسحاب من اتفاقات التجارة الحرة مع بلدان العالم وإعادة التفاوض معها من جديد واقتراح فرض ضرائب جديدة على الواردات، بما يضمن مصلحة الولايات المتحدة وتصبح أكثر عدالة بحق العمال الأمريكيين.
وعلى وقع وصف الرئيس ترامب تمويل مكافحة التغير المناخي بأنه “خدعة”، أبدت إدارته مقاومة للقضايا الرئيسية كالتجارة الحرة والتغير المناخي أدت إلى تراجع وزراء المالية في المجموعة عن التعهد بمساندة تمويل مكافحة التغير المناخي في العالم.