كثيرون يجهلون المعرفة عن الوجود الفلسطيني في تشيلي، وما حققه أبناء الجالية هناك من إنجازات ونفوذ. ونتيجة لهذا الانتشار والدور، أصبح شائعاً في تلك البلاد المثل القائل: “أينما ذهبت في تشيلي، ستجد راهباً وصياداً وفلسطينياً”، يردده التشيليون باستمرار، وكذلك الفلسطينيون الذين يفتخرون بأنفسهم وإنجازاتهم في تلك الدولة الواقعة أقصى جنوب القارة اللاتينية.
في تشيلي التي تتحدث اللاتينية، لن تشعر كفلسطيني زائر بالغربة، سُتشاهد العلم الفلسطيني مرفرفاً جنباً إلى جنب مع العلم التشيلي في كثير من المواقع، بل ستسمع كثيرا عن نادي بالستينو الاجتماعي والرياضي، المفاجأة أنك ستتعرف على أحياء ارتبطت بالوجود الفلسطيني، مثل حي باتروناتو وسط العاصمة سنتياغو.
سيُشعرك التجول فيه كما لو أنك في فلسطين، أينما وليت وجهك سترى الكوفية والعلم يزينان جدران المحال، كما ستجذبك روائح الخبز الفلسطيني والحمص والفلافل المتسربة من المطاعم والمخابز هناك.
في مقهى “فلسطين” يعمل الشاب أمير، يتحدث العربية بتلعثم، تلتف حول عنقه سلسلة فضية، تتعلق بها خريطة فلسطين التاريخية، يشير إليها ويقول لـ “قدس الإخبارية“: “فلسطين بلدي، مش تشيلي”. لكن أمير لن يعود لفلسطين الآن كما يقول، بسبب واقع الاحتلال فيها.
كان باتروناتو من أوائل الأحياء التشيلية التي استقبلت الفلسطينيين الذين خرجوا من بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور، ورام الله في ظروف صعبة ومعقدة، قطعوا الجبال على ظهور الحمير، قبل أن يكملوا الرحلة بالبحر لشهرين.
كان ذلك في نهاية القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، بعد أن هرب المئات من المسيحيين من الفقر وتردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية أيام العثمانيين ومن ثم الانتداب البريطاني، واستمرت الهجرة لاحقاً بعد مجيء الاحتلال الإسرائيلي.
جورج “أبو أنطون” ينتمي لواحدة من أوائل العائلات المهاجرة لتشيلي، يعلق على رحلة هجرتهم بالقول لـ “قدس الإخبارية“: “كانت رحلة اللجوء شاقة للغاية، عمل جدي بداية في مصنع للمنسوجات، لكنه حرص على التعلم وتعليم أبنائه وأحفاده في الجامعات، وكان هذا أمراً مهما للعائلة”.
سريعا، تأقلم الفلسطينيون في هذه تشيلي، وتحولوا من باعة متجولين في الشوارع الى أصحاب نفوذ في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.
وللحفاظ على الهوية والتراث الفلسطينيين، أسس المهاجرون الأوائل نوادي ثقافية واجتماعية، منها نادي بالستينو الاجتماعي، يجتمع فيه أبناء الجالية أسبوعياً، يناقشون قضاياهم في تشيلي، ولا تغيب عنهم قضية الوطن الأم.
بفخر، يتحدث خميس موريس رئيس النادي عن انتمائه لوطنه لـ “قدس الإخبارية“: “فلسطين حاضرة هنا في قلوبنا”، يشير بيده إلى صدره، ثم يتابع: “نفتخر بحمل اسم فلسطين في تشيلي، حتى أننا طبعنا خريطتها على قمصاننا”، ويقصد بذلك الزي الرسمي لنادي بالستينو الرياضي، المزدان بألوان العلم الفلسطين، وخريطة فلسطين من الخلف، وهذا الفريق أصبح من أهم الأندية الرياضية في تشيلي والقارة اللاتينية.
في مدينة فال براييسو الساحلية، ستلتقي بوجه آخر من وجوه التأثير الفلسطيني، حيث يقع البرلمان التشيلي، وبداخله 14 عضواً من أصول فلسطينية. هناك التقيت النائب في مجلس الشيوخ فرانشيسكو شهوان، الذي يُعد من أبرز الوجوه السياسية في البلاد، سيخوض شهوان غمار الانتخابات الرئاسية نهاية العام، ويعتبر الأمر نجاحاً لفلسطين وفلسطيني تشيلي: “في البرلمان نحن تشيليون لكنَ دماءنا فلسطينية، نسعى باستمرار لمناصرة القضية الفلسطينية من خلال الضغط على الحكومة لاتخاذ مواقف داعمة لفلسطين، وكانت تشيلي من أوائل الدول اللاتينية التي اعترفت بدولة فلسطين عام 2012”.
في داخل البرلمان تنشط مجموعة أصدقاء فلسطين التي تمثل 50% من أعضاء البرلمان، وتناصر فلسطين علناً، أطلقت هذه المجموعة مؤخراً حملة في القارة اللاتينية لمطالبة بريطانيا بالاعتذار عن وعد بلفور.
رغم أن فلسطينيي تشيلي يمثلون أكبر جالية فلسطينية في العالم الغربي، حيث تُقدر أعدادهم بـ 400 ألف مهاجر، وينشطون في خدمة فلسطين مالياً وسياسياً وثقافياً، إلا أن قضيتهم غائبة، ويعود ذلك الى تهميش الإعلام الفلسطيني لهم بالدرجة الأولى، لكن ذلك لا يُلغي تقصير فلسطينيي تشيلي في تأسيس مدارس عربية لتعليم أبنائهم لغة الأجداد بدلاً من الحديث باللاتينية فقط، فضلاً عن إنشاء قنوات إعلامية ناطقة بالعربية، تحاكي الفلسطينيين في كل مكان.
المصدر: قدس الإخبارية