يوم الخميس الفارط، قدمت الإدارة الأمريكية الجديدة مشروع ميزانية سنة 2018، الذي يعتبر مشروعها الأول منذ تولي دونالد ترامب لرئاسة البيت الأبيض، والذي يهدف أساسا لاستعادة “عظمة الولايات المتحدة”. وقد ثمن الرئيس الأمريكي تطلعاته في صلب مشروع الميزانية، التي تعكس إيمانه وتشبثه بما صرح به عشية مراسم تنصيبه بصفة رسمية في البيت الأبيض، يوم 20 كانون الثاني/ينار، حيث أكد على مبدأ أن “الولايات المتحدة أولا”. وفي هذا الصدد، أعطى الملياردير أهمية كبرى لوزارة الدفاع، التي ستنتعش ميزانيتها السنوية لتصل إلى نحو 52 مليار دولار، أي ما يعادل 50 مليار أورو. في المقابل، سيقع التخفيض بشكل كبير في ميزانية كل من قطاع البيئة والثقافة والقطاع الدبلوماسي.
من جانب آخر، تظل حظوظ الموافقة على هذه الميزانية من قبل الكونغرس ضعيفة للغاية، نظرا لأن بعض نواب الحزب الجمهوري الذين يحضون بأغلبية المقاعد في كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ، سارعوا بدحض مقترحات ترامب . فبالنسبة للسيناتور ليندسي غراهام فإن هذا المشروع قد “ولد ميتا”، خاصة وأنه قد تم تخفيض ميزانية وزارة الخارجية الأمريكية بصفة تعسفية. وفي هذا الإطار، نشر سيناتور ولاية فلوريدا، ماركو روبيو، على حسابه في تويتر “تقديم وزارة الخارجية للعديد من المساعدات خارج الحدود الأمريكية، ليس إحسانا”.
1/ دلو وزارة الدفاع ممتلئ بالكامل
من جهته، يعتبر ترامب هذه الخطوة بمثابة “زيادة تاريخية” في النفقات العسكرية، إذ من المتوقع أن تتلقى وزارة الدفاع مخصصات إضافية تقدر بنحو 52 مليار دولار، أي بنسبة ارتفاع تقدر بما لا يقل عن 9 بالمائة، وبذلك ستنال نصيب الأسد من ميزانية 2018. في المقابل، أقر بعض المراقبين أن هذه الزيادة المكثفة في ميزانية وزارة الدفاع لم تحقق بعد المعدلات المرجوة التي وعد بها ترامب خلال حملته الانتخابية.
تعود الزيادة الجديدة في ميزانية وزارة الدفاع، بالنفع أيضا على قسم شؤون المحاربين القدامى، حيث سيتلقون مساعدات مالية هامة وسيتمتعون بخدمات طبية فضلا عن خدمات الدعم
في الحقيقة، أعلن باراك أوباما عن قرار تخفيض النفقات العسكرية عشية انسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان سنة 2010. ولكن، لم يؤثر ذلك على مركز الولايات المتحدة كأكثر دول العالم إنفاقا على القطاع العسكري بميزانية جملية قدرت بحوالي 600 مليار دولار، أي ما يعادل 3.3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وفي الأثناء، من المنتظر أن تعود الزيادة الجديدة في ميزانية وزارة الدفاع، بالنفع أيضا على قسم شؤون المحاربين القدامى، حيث سيتلقون مساعدات مالية هامة وسيتمتعون بخدمات طبية فضلا عن خدمات الدعم.
من جهة أخرى، اقترح الرئيس الأمريكي أيضا إدراج تعيينات جديدة في صلب وزارة الدفاع. فمن المقرر تعيين أحد قادة شركة بوينغ، باتريك شاناهان، في منصب نائب وزير الدفاع. ومن المرجح أيضا أن يتم تعيين ديفيد نوركويست، أحد المساهمين في شركة “كيرني أند كومباني”، التي تعنى بالتدقيق في الحسابات العامة، في منصب وكيل وزارة الدفاع.
2/ الولايات المتحدة أولا!
وذلك يعني بكل بساطة أن الإدارة الجديدة ستولي أهمية قصوى لأمن البلاد. ومن هذا المنطلق، سترتفع ميزانية وزارة الداخلية هي الأخرى بنسبة 7 بالمائة لتصل لمبلغ 44.1 مليار دولار. وترتبط هذه الزيادة أساسا بأمن الحدود، وخصوصا بمشروع بناء الجدار الفاصل على الحدود المكسيكية الذي قدرت تكلفته بحوالي 2.6 مليار دولار. علاوة على ذلك، سيتم توظيف ما لا يقل عن 500 عون حرس حدود، إضافة إلى ألف موظف آخر في مراكز الهجرة والجمارك.
ينص مقترح ترامب على تخفيض كبير في ميزانية وزارة الخارجية، التي تعنى بالشؤون الدبلوماسية، وذلك بنسبة 29 بالمائة
في المقابل، ينص مقترح ترامب على تخفيض كبير في ميزانية وزارة الخارجية، التي تعنى بالشؤون الدبلوماسية، وذلك بنسبة 29 بالمائة. ومن المرجح أن يلقي ذلك بظلاله على برنامج الحفاظ على السلم الذي ترأسه الأمم المتحدة، فضلا عن أن ذلك سيحد من قيمة المساعدات الخارجية التي تقدم للبنوك التنموية، على غرار البنك الدولي.
3/ التعليم؛ مساعدة للمدارس الخاصة
بالنسبة للقطاع التربوي، فعلى وزيرة التعليم، بيتسي ديفوس أن تبتهج. في الواقع، لطالما دافعت ديفوس وبقوة عن المدارس المستقلة التي تتلقى تمويلا من قبل الحكومة، وبرنامج نظام “القسيمة”، وهو عبارة عن شيكات مالية توزع من قبل الدولة على الأولياء بهدف حثهم على إدراج أطفالهم في مدارس خاصة. ومع إعلان ترامب عن دعمه للمدارس الخاصة، فإن برنامج ديفوس لنظام “القسيمة” سيرى النور أخيرا.
يشمل قرار التخفيض في الميزانية الذي اقترحه ترامب وزارة التربية، التي سيتم رفع الدعم عنها. وسيندرج تحت مظلة هذا التخفيض على وجه الخصوص برامج تكوين الأساتذة
من ناحية أخرى، يشمل قرار التخفيض في الميزانية الذي اقترحه ترامب وزارة التربية، التي سيتم رفع الدعم عنها. وسيندرج تحت مظلة هذا التخفيض على وجه الخصوص برامج تكوين الأساتذة، بالإضافة إلى إلغاء الدعم بالنسبة للطلبة أصحاب الدخل الضعيف، علما وأن قسما كبيرا من هؤلاء الطلبة ينتمون للأقليات في الولايات المتحدة. وفي الوقت ذاته ، تعتزم الدولة القيام باستثمار تاريخي يقدر تقريبا بحوالي 1.4 مليار دولار في قطاع “المدارس المستأجرة”.
4/ ضربة موجعة للبيئة
لم يخف ترامب أبدا نفوره من قضايا البيئة. فخلال حملته الانتخابية، ادعى بأن التغير المناخي مجرد “خدعة”، ووعد بالانسحاب من اتفاق باريس للمناخ وإلغاء وكالة حماية البيئة. وفي هذا الصدد، ستشهد هذه الوكالة تخفيضا في ميزانيتها بنسبة 31 بالمائة وهو أسوأ تخفيض ضمن ميزانية ترامب. فضلا عن ذلك، سيتم التخفيض في عدد العاملين بالوكالة، إذ ينوي ترامب تسريح قرابة 3200 عامل بالوكالة.
لن تسلم وكالة “النازا” من قرار التخفيض الذي أعرب عنه ترامب، حيث يعتزم قطع قرابة 102 مليون دولار من تمويل الدولة لعلوم الأرض. وبذلك، سيضع ترامب حدا للبرامج الأربعة التي وضعت خصيصا لمجابهة التغير المناخي
علاوة على ذلك، تنص الميزانية الجديدة على إلغاء 50 برنامج للوكالة، من بينها برنامج “نجمة الطاقة” الذي يعنى بتوفير الطاقة، وبرنامج الوكالة لتحفيز الدولة على دعم الولايات والمدن الأمريكية للحد من تلوث الجو. من جانب آخر، لن تسلم وكالة “النازا” من قرار التخفيض الذي أعرب عنه ترامب، حيث يعتزم قطع قرابة 102 مليون دولار من تمويل الدولة لعلوم الأرض. وبذلك، سيضع ترامب حدا للبرامج الأربعة التي وضعت خصيصا لمجابهة التغير المناخي، والتي تتطلع وزارة الخارجية لتطبيقها بالتعاون مع دول أخرى.
5/ رفع الدعم عن 19 وكالة
من المتوقع أن يتم تخفيض الموارد المالية لما لا يقل عن 19 وكالة صغيرة إلى حدود الصفر، أي أنه لن يكون لها مصادر تمويل بتاتا. وعلى رأسها، الصندوق الوطني للفنون والصندوق الوطني للآداب والعلوم الإنسانية، حيث كان كل منهما يتلقى دعما ماليا قدر بحوالي 148 مليون دولار. وفي الأثناء، ستتضرر مؤسسة البث العام، إذ ستخسر قرابة 445 مليون دولار، أي مصدر أرباحها الوحيد. والجدير بالذكر أن هذه الوكالات قد أنشأها الرئيس الديمقراطي، ليندون جونسون، في سنة 1965، وذلك في خطوة منه للتعبير عن احترامه لما ورد في الدستور الأمريكي، الذي يدعو إلى تثمين الفنون والعلوم الإنسانية والنشاط الثقافي.
المصدر: ليبيراسيون