اضطر رئيس حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي، ورئيس برلمان البلاد الذي حله قيس سعيد عقب انقلابه على السلطة ودستور البلاد، للدخول في إضراب عن الطعام من داخل سجنه، للتنديد بتراجع الديمقراطية في بلاده ومواصلة سعيد نهج حكمه الأحادي.
قرار الغنوشي الدخول في إضراب جوع وإن كان مسقفًا بفترة زمنية معينة، له أن يفضح ممارسات نظام الرئيس قيس سعيد ويورطه أيضًا، فضلًا عن تسليط الضوء مجددًا على قضية المعتقلين السياسيين في تونس والانتهاكات بحق التونسيين.
إضراب الغنوشي عن الطعام
حزب حركة النهضة قال، أمس الجمعة، إن الغنوشي (82 عامًا) بدأ إضرابًا عن الطعام لمدة 3 أيام متتالية، دفاعًا عن مطلب كل المعتقلين السياسيين بإطلاق سراحهم، وقبل ذلك كتب رياض الشعيبي المستشار السياسي للغنوشي، عبر حسابه على فيسبوك، قائلًا: “معركة الأمعاء الخاوية تتمدد وتتوسع: راشد الغنوشي يلتحق بجوهر بن مبارك”.
وقال الشعيبي إن الغنوشي يعبر بهذا الإضراب عن موقفه الرافض للتراجع الخطير عن المسار الديمقراطي في البلاد، وإن هذا الإضراب يأتي أيضًا للمطالبة بالكف عن ملاحقة النشطاء السياسيين وإطلاق سراح المعتقلين.
“خضت إضرابات الجوع في عهد بورقيبة وعهد بن علي وأنا على استعداد أن أبدأ إضرابا من الآن”.. شاهد: الشيخ راشد الغنوشي بعد أشهر قليلة من الانقلاب يعلن استعداده لخوض إضراب عن الطعام دعما للمناضل اليساري عز الدين الحزقي، الذي أضرب عن الطعام رفضا للقمع الممنهج للمعارضة#غنوشي_لست_وحدك… pic.twitter.com/dFgkZtNaa9
— غنوشي لست وحدك (@FreeGhannouchi) September 29, 2023
كانت قوات الأمن التونسي في أوقفت الغنوشي يوم17 أبريل/نيسان الماضي، بعد مداهمة منزله، قبل أن تأمر المحكمة الابتدائية في العاصمة تونس بإيداعه السجن على ذمة الأبحاث في قضية تتعلق بتصريحات أدلى بها في أثناء حضوره اجتماع دعت إليه جبهة الخلاص المعارضة وعدتها السلطة التنفيذية ذات طابع تحريضي.
وحذر الغنوشي في هذه التصريحات من “إعاقة فكرية وإيديولوجية في تونس تؤسّس للحرب الأهلية” حال القضاء على الأحزاب اليسارية أو تلك المنبثقة من التيار الإسلامي مثل حزب النهضة، وبعد ذلك تم الحكم بسجن زعيم النهضة في القضية التي عرفت بملف “الطواغيت”، لمدة عام واحد، مع غرامة قيمتها ألف دينار (328 دولارًا).
كانت المرة الأولى التي عرف فيها زعيم النهضة السجن في 18 يوليو/تموز 1981 وهو في سن الأربعين
تعود هذه القضية إلى فبراير/شباط 2022، عندما تقدم أحد عناصر النقابات الأمنية بشكوى ضد الغنوشي، متهمًا إياه بوصف الأمنيين بالطواغيت في أثناء كلمة تأبين لأحد قيادات حركة النهضة، إذ قال رئيس حركة النهضة: “الفقيد كان شخصًا مناضلًا من أجل الحرية دون خوف من الفقر أو الحاكم أو طاغوت”.
وفق الأمني الذي تقدم بالشكاية، فإن الغنوشي كان يقصد بكلمة “طاغوت”، القوات الأمنية والعسكرية، لكن هيئة محاميي زعيم النهضة أكدت أن “كلمة الغنوشي في التأبين لم تتعرض بتاتًا لذكر الأمنيين لا تصريحًا ولا تلميحًا”.
ويحاكم رئيس البرلمان السابق في 6 قضايا أخرى، منها قضية البرلمان، وتتمثل تفاصيلها في عقد البرلمان التونسي جلسة على الإنترنت لمناقشة انقلاب سعيد، وخلال هذه الجلسة صوت النواب من مختلف الكتل النيابية بالإجماع على إلغاء المراسيم الرئاسية وإنهاء الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها سعيد بموجب البند 80 من الدستور.
تسليط الضوء على معاناة المعتقلين
قرار الغنوشي الدخول في إضراب عن الطعام – وإن كان مسقفًا بفترة زمنية معينة – له أن يلقي الضوء على معاناة المعتقلين السياسيين في بلاده ومعركة الأمعاء الخاوية التي قرر بعضهم خوضها، فإضراب زعيم النهضة يأتي تضامنًا مع القيادي بجبهة الخلاص جوهر بن مبارك، الذي بدأ الثلاثاء إضرابه المفتوح عن الطعام احتجاجًا على اعتقاله مع سجناء آخرين من المعارضة.
يأمل الغنوشي في استغلال رمزيته لتسليط الضوء على معاناة المعتقلين السياسيين ووضع حقوق الإنسان في بلاده، فقرار الإضراب تداولته كبرى المؤسسات الإعلامية في العالم وأعادت مسألة انتهاكات نظام سعيد إلى الواجهة مجددًا.
ويحظى زعيم النهضة بتقدير كبير خارج البلاد، إذ كان يُستقبل رسميًا من زعماء الدول ورؤسائها وكبار المسؤولين الرسميين في العالم وصناع القرار الدولي، كما تم منحه العديد من الجوائز العالمية، منها جائزة غاندي لنشر قيم السلام، حتى قبل أن يرأس برلمان البلاد.
📌راشد الغنوشي ينضم لمعركة الأمعاء الخاوية احتجاجاً على سياسات قيس سعيّد التعسفية بحق المعارضين ورفضاً لتراجع المسار الديمقراطي في البلاد. pic.twitter.com/eAYbdjoi1w
— نون بوست (@NoonPost) September 29, 2023
يعد الغنوشي أبرز معارضي سعيد، ويُحسب له على عكس هذا الأخير دوره الكبير في إنجاح التجربة الديمقراطية في تونس، قبل أن يُنقلب عليها في صيف 2021، ولمع نجم الغنوشي بعد ثورة الياسمين التي أطاحت بنظام بن علي الديكتاتوري، وما فتئ اسمه يحقق صعودًا متواصلًا، لدوره الكبير في الحياة السياسية الداخلية لبلاده ومشاركته وحزبه القوية في صنع القرار السياسي وفي الحكم.
لفترة طويلة، كان الغنوشي صمام أمان للتوافق الوطني في بلاده، وقد عمل على حشد التضامن الدولي مع تجربة تونس الديمقراطية، وساهم وحركته في تحقيق الاستقرار السياسي التونسي ونجاح تجربة الانتقال الديمقراطي التي شهدت العديد من الأزمات خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
سجل الغنوشي
قرر الغنوشي تسقيف إضرابه عن الطعام بثلاثة أيام فقط، نظرًا لسنه، فهو يبلغ 82 سنة، وحالته الصحية فهو يعاني من بعض الأمراض حتى قبل إيداعه السجن، ومع ذلك تبقى حياته في خطر، فرجل في مثل عمره يتطلب متابعة صحية كبيرة.
يُعرض الغنوشي حياته للخطر، مقابل حرية باقي السجناء السياسيين وأن تنعم بلاده بالديمقراطية والحكم الرشيد، فمنذ انقلاب الرئيس قيس سعيد على مؤسسات الدولة ودستور البلاد في يوليو/تموز 2021، دخلت البلاد في دوامة من الاستبداد.
هذه ليست المرة الأولى التي يضحي فيها الغنوشي بحياته وحريته مقابل حرية باقي التونسيين، فمنذ ستينيات القرن الماضي، برز اسم الغنوشي كمعارض للرئيس الحبيب بورقيبة ومن بعده زين العابدين بن علي، رغبةً منه في إرساء نظام ديمقراطي في بلاده بعيدًا عن الأنظمة الاستبدادية.
رغم كبر سنه اضطر الغنوشي للدخول في إضراب عن النظام علّه يفضح ممارسات نظام قيس سعيد الديكتاتورية
نتيجة معارضة الأنظمة الديكتاتورية، عرف الغنوشي سجون تونس، وكانت المرة الأولى التي عرف فيها زعيم النهضة السجن في 18 يوليو/تموز 1981 وهو في سن الأربعين، عندما ألقت السلطات التونسية القبض عليه وعلى 107 من قيادات الحركة ليقدموا في شهر سبتمبر/أيلول من نفس السنة للمحاكمة بتهم الانتماء إلى جمعية غير مرخص لها والنيل من كرامة رئيس الجمهورية ونشر أنباء كاذبة وتوزيع منشورات معادية.
وخلال عهد بن علي خبر الغنوشي المنفى، فقد قاد المعارضة من الخارج، رغبةً منه في إرساء الديمقراطية في بلاده وضمان علوية القانون ودولة المؤسسات، وكان معارضًا قويًا لنظام بن علي، أقلقه في الداخل والخارج.
فضح نظام سعيد
رغم كبر سنه اضطر الغنوشي للدخول في إضراب عن الطعام علّه يفضح ممارسات نظام قيس سعيد الديكتاتورية، فبعد أن رفض في وقت سابق المثول أمام المحكمة، اختار الغنوشي اليوم إلى جانب بعض السياسيين الدخول في إضراب جوع، كسلاح أخير لمواجهة آلة حكم سعيد.
سبق أن أعلن العديد من السياسيين التونسيين الدخول في إضراب عن الطعام احتجاجًا على ما اعتبروه “ملاحقات قضائية عل خلفيات سياسية”، ومن هؤلاء: المحامي مهدي زقروبة والقيادي في حركة النهضة، النائب السابق الصحبي عتيق.
لهذا الإضراب أن يورط نظام سعيد الساعي للحصول على تمويلات خارجية لموازنة الدولة، فالعديد من المؤسسات المالية والدول الأجنبية ترفض منح تونس قروض ومساعدات إلى حين تحسن وضع الحريات في البلاد، لكن هذا الإضراب يؤكد أن واقع الحريات في تونس قاتم.
يدخل والدي، الشيخ #راشد_الغنوشي، اليوم إضرابا عن الطعام دفاعا عن المعتقلين السياسيين في سجون الانقلاب الغاشم #يسقط_الانقلاب #غنوشي_لست_وحدك pic.twitter.com/y3MVbbkXQJ
— Soumaya Ghannoushi سمية الغنوشي (@SMGhannoushi) September 29, 2023
تشن السلطات التونسية منذ فبراير/شباط 2023، حملة اعتقالات شملت سياسيين وإعلاميين ونشطاء ومحامين وقضاة ورجال أعمال، وبرر سعيد الاعتقالات، بأنها تأتي ضمن “محاربته كل من أجرم بحق البلاد ونهب مستحقات الشعب التونسي وتآمر على أمن البلاد الداخلي والخارجي”، وفق قوله.
تضم قائمة المعتقلين في السجون التونسية، نائبي رئيس حركة النهضة: نور الدين البحيري وعلي العريض، ورئيس الحزب الجمهوري عصام الشابي، إضافة إلى الناشطين السياسيين: عبد الحميد الجلاصي وخيام التركي، فضلًا عن العديد من القيادات الحزبية الأخرى، وأغلبها من حركة النهضة.
وندّدت العديد من الدول والمنظمات الدولية والإقليمية بحملة الاعتقالات التي بدأها سعيد بعد أن أحكم سيطرته على كل المؤسسات في البلاد بما في ذلك القضاء الذي طوعه لخدمته وخدمة مشروعه الأحادي، في ظل المعارضة الكبيرة التي يواجهها من أغلب الأطراف السياسية والحكومية في البلاد.
يفضح إضراب الغنوشي عن الطعام ممارسات سعيد القمعية بحق السياسيين وعموم الشعب التونسي وما وصلت له البلاد من تراجع كبير في مجال حقوق الإنسان، مع ذلك يصرّ سعيد على عدم انتهاكه للحريات ويرى في هذه الإجراءات ضرورة لفرض رؤيته لنظام الحكم في بلاده.