عادت قضية جماجم المقاومين الجزائريين المحفوظة في متحف “الإنسان” في باريس إلى الواجهة، بعد قول وزير المجاهدين في الجزائر، الطيب زيتوني، إن بلاده لن تتخلى عن حقها في استرجاع جماجم الثوار الجزائريين الموجودة لدى السلطات الفرنسية.
تجميد المفاوضات إلى حين انتهاء الانتخابات الفرنسية
الوزير الجزائري قال، في ندوة صحفية عشية احتفالات الجزائريين بعيد النصر الذي يوافق 19 مارس من كل سنة، إنّ بلاده قرّرت تجميد مفاوضات استعادة هذه الجماجم إلى حين انتهاء الانتخابات الرئاسية الفرنسية “حتى لا يتلاعب السياسيون الفرنسيون بالملف“. وتعود أغلب الجماجم الصلبة، لقادة المقاومة الشعبية، الذين قتلوا خلال الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830/1954).
من بين القادة المحفوظة جماجمهم في فرنسا والذين تم التعرف عليهم، شريف بوبغلة الذي تزعم القتال ضد المستعمر في منطقة القبائل
وأكّد زيتوني، الذي يترأس الوزارة المشرفة على شؤون الثوار والمقاتلين الجزائريين الذين حاربوا الاستعمار الفرنسي، أن الجزائر لن تتقاعس في الحصول على مطالبها من الجانب الفرنسي، لافتًا إلى تشكيل لجان مشتركة بين الطرفين الفرنسي والجزائري لأجل مناقشة كل ما يخصّ تبعات الاستعمار الفرنسي، ومن ذلك حصول الجزائر على أرشيفها واسترجاع جماجم الثوار الجزائريين.
الصناديق التي تحتفظ فيها الجماجم
ومن بين القادة المحفوظة جماجمهم في فرنسا والذين تم التعرف عليهم، شريف بوبغلة الذي تزعم القتال ضد المستعمر في منطقة القبائل “وسط الجزائر” في مطلع عام 1850، والشيخ بوزيان زعيم ثورة الزعاطشة “جنوب شرق” في عام 1949، وموسى الدرقاوي، وسي مختار بن قديودر الطيطراوي، والرأس المحنطة لعيسى الحمادي الذي كان ضابطاً لدى شريف بوبغلة، وكذلك رأس الضابط محمد بن علال بن مبارك، الذراع اليمنى للأمير عبد القادر.
اكتشاف الجماجم
في أكتوبر الماضي، بثّت قناة “فرنسا 24” الفرنسية، تقريراً كشفت فيه عن 18 ألف جمجمة محفوظة بمتحف “الإنسان” في باريس؛ منها 500 فقط جرى التعرف على هويات أصحابها، من ضمنهم 36 قائداً من المقاومة الجزائرية قُتلوا ثم قُطعت رؤوسهم من قبل قوات الاستعمار الفرنسي أواسط القرن الـ 19، ثم نقلت إلى العاصمة الفرنسية لدوافع سياسية وأنتروبولوجية.
وحفظت هذه الجماجم في علب من الورق المقوّى موضوعة في خزانات حديدية داخل قاعة منعزلة في المتحف بعيدا عن مرأى العموم، خوفا من أن يثير وجودها جدلا جديدا بين الجزائر وفرنسا حول حقبة الاستعمار والأرشيف المتعلق بها، ولم يكشف سر وجود تلك الجماجم حتى شهر مارس 2011 بعد تحركات للباحث الجزائري “علي فريد بالقاضي” المقيم في فرنسا.
تحنيط الجماجم للحفاظ عليها
وفي العام نفسه، صدرت عريضة تطالب باسترجاعها؛ غير أنها لم تلق رواجاً كبيراً. وفي ماي الماضي، تمكن إبراهيم سنوسي، الأستاذ الجزائري في جامعة “سيرجي بونتواز” الفرنسية، من جمع قرابة 30 ألف توقيع لاسترجاع بلاده لهذه الجماجم. ووصلت هذه الجماجم إلى متحف باريس على شكل هدية من الدكتور “كايو” بين سنتي 1880 و1881، وقد جرى تحنيطها وحفظها بمادة مسحوق الفحم لتفادي تعفنها.
مطالب باسترجاعهم
يطالب الجزائريون من السلطات الفرنسية إعادة الجماجم إلى الجزائر من أجل دفنها في أرضهم طبقاً لاتفاقية إيفيان (بين الجزائر وفرنسا والتي انتهت بالاستفتاء على تقرير المصير واستقلال الجزائر في 5 يوليوز 1962). وجندت الجزائر، خلال الحربين العالمية الأولى والثانية، عشرات الآلاف من الجزائريين ودفعت بهم في الصفوف الأمامية لجبهات القتال، حيث قتل منهم الآلاف في المعارك ضد الألمان.
إلى غاية أكتوبر الماضي، لم تتلقى الخارجية الفرنسية، أي طلب رسمي من الجزائر بشأن جماجم المقاومين
وسبق لوزير المجاهدين الطيب زيتوني أن قال في يوليو الماضي، إجراءات استرجاع جماجم الشهداء الجزائريين من فرنسا من أجل دفنها في الجزائر تشهد تقدما، ومع ذلك لم تسترجع الجزائر بعد هذه الجماجم. وكشفت جريدة الشروق الجزائرية في وقت سابق رفض مدير متحف الإنسان بباريس، برونو دافيد، في شهر فبراير 2016، مقترحا لحركة المواطنين الجزائريين بفرنسا لإعادة الجماجم، على اعتبار أن محتويات المتحف ملك للدولة الفرنسية.
مخزن الجماجم
وإلى غاية أكتوبر الماضي، لم تتلقى الخارجية الفرنسية، أي طلب رسمي من الجزائر بشأن جماجم المقاومين، حسب رومان نادال، المتحدّث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، في تصريح لوكالة الأناضول.
جدير بالذكر أنه في مايو 2010، صادق البرلمان الفرنسي على قانون يسمح بإعادة جماجم محاربي “الماوري” الذين جرى الاحتفاظ بهم بفرنسا إلى موطنهم الأصلي نيوزيلندا، ما يعني أنه في حال حدوث اتفاق بين الجزائر وفرنسا حول الجماجم، فإن الأمر سيحتاج إلى قانون جديد تصدره الجمعية الوطنية (البرلمان).