أصبح “الذكاء الاصطناعي” كثير الاستخدام مؤخرا، لدرجة أن البعض أصبح يتخوف من أنه قد يعني سيطرة الآلات واضمحلال دور البشر.
تخوفهم أصبح في محله.. فالفكرة الخيالية التي تهيمن على قصص الخيال العلمي بأن أجهزة الذكاء الاصطناعي ستتعلم وستطور ذاتها إلى درجة أنها ستصبح في مستويات تتجاوز الذكاء البشري، في طريقها إلى التحقق وليست إلا مسألة وقت فحسب.
ويعتبر الذكاء الاصطناعي قطاعا واعدا بالفرص والتحديات، فتعتقد غوغل أن البشر ابتكروا برمجيات غاية في الذكاء إلى درجة أنها قادرة على التعلم والقيام بأعمال البشر حتى تصميم برمجيات قادرة على ابتكار برمجيات.
المملكة المتحدة من الدول التي أعطت اهتمام كبير بهذا الموضوع، لذلك أطلقت مراجعة شاملة في عملية تنمية الذكاء الاصطناعي كجزء أساسي مما تطلق عليه “الاستراتيجية الرقمية” معتمدة على الخبرات الشابة في النهوض بهذا القطاع الواعد لدعم اقتصادها الوطني وريادته عالميا.
تعد تقنية “التعلم العميق” أبرز مظاهر الطفرة الزخيرة في الذكاء الاصطناعي،حيث ترتكز على تطوير شبكات عصبية صناعية تحاكي في طريقة عملها أسلوب الدماغ البشري لتكون قادرة على التجريب والتعلم وتطوير نفسها ذاتيا دون تدخل الإنسان
وستحدد هذه المراجعة التقنية مجالات الفرص التجارية لقطاع البحوث المتخصصة بالذكاء الاصطناعي في بريطانيا، ويأتي ذلك بعد شهور قليلة من قيام لجنة من النواب بالدعوة إلى تشكيل “مجموعة تقنية جديدة” لتستكشف الآثار الاجتماعية والقانونية والأخلاقية والاقتصادية للذكاء الاصطناعي. يتمثل الهدف المعلن لهذه المراجعة في “العمل معا لدعم هذه التقنية، التي يمكن أن تكشف فرصا اقتصادية كبيرة للبلاد”.
ونقل عن رئيس مجموعة المراجعة التقنية “ويندي هول” أن فرص التقدم التكنولوجي المستقبلي، تتوقف على تطوير مجال الذكاء الاصطناعي للقفز خطوة جديدة نحو الأمام. ففي عام 2014، دفعت غوغل 400 مليون دولار لشركة ديب-مايند التي مقرها لندن، والتي كانت عبارة عن شركة صغيرة تقف خلفها مجموعة من الشبان، أما الآن فينظر إليها على نطاق واسع كرائد عالمي في مجال الذكاء الاصطناعي مؤلف من فريق من أكثر من 250 خبيرا أكاديميا في هذا المجال.
ويعتبر العلماء والشركات البريطانية من أكثر الجهات المسؤولة عن التقدم الأخير في أبحاث الذكاء الاصطناعي، فقد أعدت شركة ديب-مايند ثلاث أوراق بحثية رفيعة المستوى في مجال الذكاء لدى الأجهزة والروبوتات ونشرتها في المجلة العلمية “ناتشر” في العامين الماضيين.
فناء الجنس البشري!
خلال السنوات الأخيرة، قفز التطور في تقنية الذكاء الاصطناعي قفزات كبيرة، وتعد تقنية “التعلم العميق” أبرز مظاهره، وهي ترتكز على تطوير شبكات عصبية صناعية تحاكي في طريقة عملها أسلوب الدماغ البشري، أي أنها قادرة على التجريب والتعلم وتطوير نفسها ذاتيا دون تدخل الإنسان.
وأثبتت تقنية “التعلم العميق” قدرتها على التعرف على الصور وفهم الكلام والترجمة من لغة إلى أخرى، وغير ذلك من القدرات التي أغرت الشركات الأميركية في وادي السليكون، وتحديدا فيسبوك وغوغل، على الاستثمار وتكثيف الأبحاث فيها، متجاهلين تحذيرات من أن تطور الذكاء الاصطناعي قد يهدد البشرية.
يرى بعض الخبراء أن تقنيات الذكاء الاصطناعي لن تتسبب في أي مخاطر على الجنس البشري، فهي تحتاج لسنوات كثيرة من التطور البطيء والتدريجي قبل أن تصل إلى المدى الذي يخشاه المحللون
ففي ديسمبر 2014 أشار عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينغ إلى أن تطوير ذكاء اصطناعي كامل قد يمهد لفناء الجنس البشري، محذرًا من قدرة الآلات على إعادة تصميم نفسها ذاتيا. كما أعلن المؤسس والرئيس السابق لشركة مايكروسوفت بيل غيتس العام الماضي عن رغبته في بقاء الروبوتات غبية إلى حد ما، وقال “أنا في معسكر من يشعر بالقلق إزاء الذكاء الخارق”.
وفي أكتوبر 2015 وصف المخترع والمستثمر الأميركي إلون موسك الذكاء الاصطناعي بأنه من أعظم المخاطر التي تهدد الوجود البشري، كما شبه تطوير الآلات الذكية “باستحضار الشيطان”.
ويستثمر موسك – مؤسس مشروع صواريخ الفضاء التجارية سبيس إكس، وسيارات تسلا الكهربائية- وغيره ملايين الدولارات في أبحاث لاكتشاف المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي وكيفية التعامل معها.
في المقابل، يرى بعض الخبراء أن تقنيات الذكاء الاصطناعي لن تتسبب في أي مخاطر على الجنس البشري، ومن هؤلاء أستاذ علم الحاسوب بجامعة مونتريال الكندي يوشوا بينغيو، الذي يرى أنه لا ينبغي القلق من التقنيات الذكية، فهي تحتاج لسنوات كثيرة من التطور البطيء والتدريجي قبل أن تصل إلى المدى الذي يخشاه المحللون، لأنها تستند في تطورها إلى علوم وأفكار ما تزال في بداياتها الأولى حاليا.
ويؤكد بينغيو أن الوصول إلى الذكاء الاصطناعي بشكله المنتظر لن يكون مفاجئا، أي ليس كما يشبهه البعض باكتشاف وصفة سحرية خارقة على حد تعبيره، فما زال إنتاج أنظمة الذكاء الاصطناعي المتكاملة بحاجة إلى تطور علوم حالية وابتكار علوم جديدة، أي -بتعبير آخر- لن يخرج أحد العلماء بتقنية ذكية من شأنها تغيير العالم بين ليلة وضحاها، كما في أفلام الخيال العلمي.
في ديسمبر 2014 أشار عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينغ إلى أن تطوير ذكاء اصطناعي كامل قد يمهد لفناء الجنس البشري، محذرًا من قدرة الآلات على إعادة تصميم نفسها ذاتيا
من ناحية أخرى، فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي تتطور بسرعة كبيرة، وتصبح أكثر تعقيدا كل عام، ويرى الباحث المتخصص في مجال الذكاء الاصطناعي لدى شركة غوغل وجامعة تورنتو جيوفري هينتون أن “الآلات ستوازي الإنسان ذكاءً خلال خمسة أعوام من الآن”.
أما بالنسبة لفيسبوك، فيسمح “التعلم العميق” للشبكة الاجتماعية بالتعرف على الوجوه في الصور، واختيار المحتوى المناسب وعرضه للمستخدم على صفحة آخر الأخبار، ودعم المساعد الشخصي الرقمي التابع لفيسبوك (إم)، وغير ذلك من الوظائف.
الأمر لم يقف عند ” التعليم العميق” فحسب، بل تطور الأمر إلى سعي العلماء إلى ابتكار حياة تكنولوجية بديلة عن طريق إدخال تعديلات تقنية قادرة على إنقاذ كل الكائنات من الموت، فالتكنولوجيا تتقدم يوما بعد يوم بسرعة صاروخية حولت الخيال العلمي شياً فشىء إلى واقع.