على الرغم من أن الأمر برمته من الخارج يبدو دعمًا لقضايا حقوق الإنسان عالميًا، وبالأخص في البلاد التي تعاني من غيابها في الوطن العربي و على وجه التحديد بعد الأزمات السياسية والاقتصادية الأخيرة التي تبعت الربيع العربي، لينتهي الأمر ببعض الدول في حالة مستمرة من الحرب الأهلية والدمار شبه الكامل للبنية التحتية، ويعيش بعضها الآن في حالة أسوأ من الفقر وانعدام حريات التعبير والعدالة الاجتماعية التي خرجوا بالملايين يطالبون بتغييرها في الأعوام الستة الماضية، إلا أنه من ناحية أخرى يبدو شديد التناقض مع استمرار تلقي تلك الأنظمة الديكتاتورية الدعم الكلي من مختلف الأنظمة الغربية على اختلاف مصالحها.
يأتي مهرجان “حقوق الإنسان” للأفلام في جنيف في دورته الخامسة عشر بالتزامن مع انعقاد دورة مجلس حقوق الإنسان في مكتب الأمم المتحدة في المدينة، ليقوما الإثنين بتسليط الضوء على قضايا انتهاك حقوق الإنسان في مختلف دول العالم، ليأتي المهرجان مسلطًا الضوء عليها من ناحية فنية، وعلى الأقل أقرب ما يكون للواقع، بعرضه لكثير من الأفلام الوثائقية والدرامية العربية منها والعالمية.
يأتي المهرجان كساحة مهمة للتعبير الفني الحر، ذلك مع غياب التمثيل العربي ذو الاستقلالية أو الموضوعية في المحافل الدولية كالمنتدى الدولي لحقوق الإنسان في جينيف، إلا أن الأفلام تعوّض هذا النقص بعرضها لوثائقيات قصيرة قام المواطنون العاديون بالفعل بتصويرها أثناء ثورات الربيع العربي على سبيل المثال، فلا يُشترط على كل فيلم أن يكون درامي وعلى درجة عالية من الاحترافية ما دام يوثق أحداثًا حقيقية.
فاز الفيلم السوري الدينماركي “عرض الحرب” أو “The War Show” بجائزة أفضل فيلم وثائقي في المهرجان
القسم الوثائقي
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
فاز الفيلم السوري الدينماركي “عرض الحرب” أو “The War Show” بجائزة أفضل فيلم وثائقي في المهرجان، حيث كان الفيلم يوثق أحداث الثورة السورية منذ بداياتها في عام 2011، ذلك من خلال كاميرا إحدى المواطنات السوريات التي وثقت الأحداث منذ 2011 وحتى 2013 قبل خروجها من سوريا.
على الرغم من تزايد عدد الوثائقيات المختلفة الخاصة بالثورة السورية منذ بدايتها وحتى يومنا هذا، إلا أن فيلم “عرض الحرب” يعد مختلفًا بعض الشيء، ذلك لأنه يعرض الأحداث على المستوى الشخصي البحت، بعيدًا عن قرارات الدبلوماسيين وتحليل الساسة والخبراء، حيث يعرض الفيلم الأحداث من عيون “زيتون” التي يسمع المشاهد صوتها من خلف الكاميرا طوال الفيلم وأصدقائها من طلاب ونشطاء وثوريين شباب.
“كان الخوف النظام الأول من مَن حملوا الكاميرا”، هكذا تقول “زيتون في الفيلم، مشيرة إلي القضية التي يتناولها الفيلم بالأخص وهي تحوّلات الكاميرا و تصوير أو توثيق لحظات الثورة السورية عبر السنوات، وتعامل قناصي النظام مع كل من كان يحمل كاميرا بين صفوف الثوار، ولكن يعرضها الفيلم هذه المرة من ناحية شخصية تمامًا وليس من زاوية وكالات الإعلام.
لا يبدو أن تأثير دونالد ترامب يقتصر فقط علي خطابات الدبلوماسيين لبعضهم البعض، بل رأيناه بوضوح في حفل الأوسكار الماضي وسط خطابات سياسة من الفنانين المهاجرين أنفسهم أو من أصول مهجرة لتوصيل رسالة للعالم وقبله دونالد ترامب عن أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن من قبل مقتصرة على العرق الأبيض، وأن للمهاجرين فيها مكانًا كما كان لهم منذ نشوء تلك البلد، ليأتي مهرجان حقوق الإنسان بفيلم قوي كذلك عن عدم المساواة المتعمقة الجذور في المجتمع الأمريكي بين العرق الأبيض والعرق الأسود.
“أنا لست الزنجي الخاص بك” ” I Am Not Your Nergo”
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
هو الفيلم المرشح لجائزة أفضل فيلم وثائقي للأوسكار، انطلاقًا من نص رواية “I Am Not Your Negro” غير الكامل، للكاتب الأمريكي جيمس بلادوين، في مسيرته النضالية لحقوق الأفارقة الأمريكان التي تبعت “مارتن لوثر كينج” و “مالكوم إكس”، حيث يتميز الفيلم بعرضه لكلام “جيمس بلادوين” في الماضي مقارنة بما يحدث في الحاضر الآن من عنف الشرطة الأمريكية ضدهم.
“الحرب الصامتة”
يقوم الفيلم بالتركيز على استغلال جسد المرأة السورية في محاولة لقهرها و قهر عائلتها بأكملها، باعتبار جسد المرأة منطقة حرب هو الآخر
تأتي السينما السورية من جديد و تتألق في قسم مسابقة (OMTC)، وهي مسابقة تدعمها المنظمة العالمية ضد التعذيب، من خلال فيلم “الحرب الصامتة” “Silent War”، وهو يروي قصة فتاة سورية تم اعتقالها وسجنها في سجون الأسد وتعذيبها واغتصابها، حيث يصور الفيلم معاناة الالاف من النساء السوريات ضحايا التعذيب والاغتصاب في سجون الأسد، بل ومعاقبتهم مجتمعيًا في حالة خروجهم من السجن، ليشعروا بالذنب كونهم ضحايا طوال حياتهم.
يقوم الفيلم بالتركيز على استغلال جسد المرأة السورية في محاولة لقهرها و قهر عائلتها بأكملها، باعتبار جسد المرأة منطقة حرب هو الآخر، حيث أعطى الفيلم الفرصة لعرض شهادات نساء سوريات كانوا في سجون الأسد، ليعرضوا في الفيلم روايات يندي لها الجبين.
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
“لا مكان للاختباء”
كان للعراق نصيبًا من المشاركة في المهرجان كذلك، من خلال الفيلم الوثائقي “لا مكان للاختباء” ” No where to Hide”، الذي يوثق بشكل شخصي على مستوى إحدى العائلات العراقية في إحدى المدن الصغيرة “جلولاء” أثناء استيلاء ” داعش” عليها، حيث يقول الراوي في الفيلم أنه على المرء أن يقوم بتشخيص المرض تشخيصًا صحيحًا فور ظهور أعراضه، إلا أن في العراق، نرى حمامات الدم مستمرة في النزيف، ونرى القتل والتشريد والتهجير القسري، ولا نجد تشخيصًا سليمًا واحدًا لما يحدث!
“دغدغة العمالقة”
الشعب له الحق في مسائلة من يتولى الحكم بحسب رأي “باسم يوسف” في الفيلم الذي عرض مسيرة برنامجه حتى تم وقفه ومنعه من العرض.
[[{“attributes”:{},”fields”:{}}]]
يعود “باسم يوسف” من جديد، مقدم برنامج “البرنامج” الساخر الذي تم عرضه من قبل على القنوات الفضائية المصرية الخاصة في عهد الرئيس السابق محمد مرسي بفيلم وثائقي في قسم “انتهاك حرية التعبير” في مصر، وذلك من خلال فيلمه “دغدغة العمالقة” أو “Tickling Giants”، حيث يعرض في بداية الفيلم لحظات موثقة للثورة المصرية عام 2011، وكيف نجح برنامجه منذ ظهوره على يوتيوب وحتى انتقاله على شاشات التلفزيون أن يجمع ملايين من المشاهدات بشكل سريع، وذلك لمهاجمة “باسم يوسف” رؤوس النظام والتهكم منها على طريقة الأمريكي الساخر “جون ستيوارت”، بدون اعتبار لمن يكون في السلطة، فالشعب له الحق في مسائلة من يتولى الحكم بحسب رأي “باسم يوسف” في الفيلم الذي عرض مسيرة برنامجه حتى تم وقفه ومنعه من العرض.
ربما يبدو مهرجان كذلك نقطة بيضاء بالنسبة للتمثيل الموضوعي والاستقلالي للشعوب المضطهدة على مستوى الحرية والديموقراطية، فعلى الرغم من أن السياسات الخارجية لا تبدو شديدة الدعم لهم على أرض الواقع، باستمرارها في سياسات التهميش والإقصاء سواء كانت ضد المسلمين في أمريكا في عهد ترامب، أو للمهاجرين أو اللاجئين في أوروبا أو حتى لمواطنين كل دولة كان قدرهم فيها أن يعيشوا تحت حكم أنظمة ديكتاتورية مدعومة بأجندات دولية، إلا أنه وفي النهاية يجد الفن طريقه للتعبير عن الحقيقة، ويوثق ما يمكنه توثيقه بقدر الإمكان، فأبطال تلك الأفلام هم واقع الشعوب الحقيقي، وهم أبطاله.