شعب يعيش على بقعة أرض لا أعلم أي أسم من أسمائها قد يعجبك أنت أيها القارئ، فهذه الأرض لها عدة أسماء، هنالك من يطلق عليها عربستان، وهناك من يطلق عليها الأحواز أو حتى الأهواز، كل هذه الأسماء وغيرها أيضاً تطلق لبركة تحمل على عاتقها تاريخ عريق يمتد إلى آلاف السنين منذ زمن السريانية ولربما أقدم بكثير، غير أنها تحتوي على مخزون ثروات خيالي تعترف إيران على أنه يشكل اكثر 80% من ثرواتها الفعلية.
لا أطيل عليكم أكثر فهذه نبذة لربما يعلم بها الكثيرون لكن كتبتها لمن ليس لديه علم بهذه التفاصيل، ونعود إلى ما عزمنا من أجله في البداية أنقل إليكم نبذة بخصوص الثورات التحررية التي شهدتها الساحة الأحوازية في عهد النظام البهلوي:
1. ثورة الغلمان، لم يمضي إلا أيام على أسر الأمير خزعل حتى قام غلمانه وحراسه بثورة ضد المحتل ولكن قد اخمد تلك الثورة جيش رضا شاه البهلوي آنذاك عام 1925م.
2. حرب الحجاب (حرب الهوية)، هاجمت قوات رضا شاه قبيلة بني كعب والتي كانت مستقرة في شمال غربي مدينة السوس شمال الأحواز تحديداً لنزع الحجاب والزي العربي لكن كان التصدي بمستوى الشرف، كذلك هاجم الجيش البهلوي العديد من المدن الأخرى منها منطقة الخفاجية وغيرها من المدن الأحوازية وكان جنود الإحتلال يهاجمون النساء ويسحبون الأقنعة والعبي عنهن، وكانت هذه الخطوط الحمراء التي يتحسس منها أبناء العشائر والقبائل.
وعندما كثرت مظالم الشاه وعماله من أجل إخضاع الشعب العربي الأحوازي وإذلالهم، اجتمع رؤساء العشائر على المقاومة واقتحموا العديد من المعسكرات التابعة لرضا شاه لكنه أرسل قواته وقضى عليهم بطائراته ومدافعه، ومن جهة أخرى استخدم سياسة “فرق تسد”، ففرق بين القبائل وحصد إخماد الثورة.
3. ثورة محيي الزئبق، وقد عرفت بثورة الحويزة، بقيادة محيي ابن زئبق عام 1928م وقد شارك فيها النساء أيضاً.
4. ثورة الشيخ حيدر بن طلال، زعيم كعب الدبيس عام 1940م، والتي انتهت بإعدامه هو وجمع من رجال الثورة.
5. ثورة بني طرف بقيادة يونس بن عاصي عام 1943م التي أربكت النظام البهلوي فاتجه لإلقاء الفتن ما بين العشائر لإفشال الثورة.
6. ثورة الشيخ چاسب (كاسب)، ابن الأمير خزعل، والتي عرفت بالثورة (الفجرية) عام 1943م.
7. ثورة الشيخ عبد الله ابن الشيخ خزعل عام 1944م، والتي افشلتها خيانة أخيه الشيخ عبد المجيد.
وأيضاً هنالك العديد من الثورات التي بدأت تمردية ومن ثم اخذت طابع المقاومة ضد ذلك النظام ومنها:
أ. حركة ادعير بن بستان، الشرهاني الذي قتل جماعة من الجندرمة (الشرطة) الملكية، ثم اغتالته الحكومة بيد عمالها المحلليين.
ب. حركة نعمة بن لوج، ضد النظام الملكي وقد قتل جماعة من العسكر الملكي الشاهنشاهي (البهلوي)
ج. حركة ارحيم ( رحيم ) بن لازم، المتزامنة مع حركة نعمة بن لوج والمشابهة لها.
د. حركة شايع بن حسن الهلالي، الشاعر الشعبي المعروف.
ه . حركة زامل (ازويمل) في المنطقة المعروفة بـ (كارون).
إلا أن جل هذه الثورات فشل، لعدة أسباب، هذه بعضها:
1. عدم الرؤية السياسية الكافية لدى قادة هذه الحركات.
2. خيانة بعض المواطنين نتيجة تطميع الحكومة البهلوية الفاسدة لهم.
3. أنانيات بعض رؤساء العشائر واختلافاتهم و تنافساتهم على أشياء صغيرة ، نسبة لما كانت تطمح إليه تلك الحركات.
4. عدم التنسيق مع الدول العربية من جهة، وتخاذل تلك الدول، كما نراه اليوم أيضاً.
5. عنصرية النظام البهلوي وقمعيته، وإصراره على ضرب القوميات والقضاء عليها في سلسلة من السجن والتبعيد والتهجير والتقتيل والتنكيل في حق الآلاف من أبناء المنطقة.
6. وقوف الدولة البريطانية إلى جانب “عميلها المخلص لها رضاخان البهلوي”.
هذا ما قد حصل من ثورات ضد المحتل في تلك الفترة، وأما الآن أشير إلى البعض من السياسات والمخططات التي استخدمها الناشطون سواء في عهد البهلوي أو بعده.
ظهرت موجة القوميين وعلى رأسها فترة جمال عبد الناصر وبما أننا خلقنا عرب قد تحركت مشاعرنا نحو القومية علماً أن من سار على هذه الخطى في تلك الفترة قد تمت محاربته
بين ستينات القرن الماضي وسبعينياته، ظهرت موجة القوميين، وعلى رأسها المد الناصري، التي ترافقت مع فترة حكم الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وبما أننا خلقنا عرب فقد تحركت مشاعرنا نحو القومية علماً أن من سار على هذه الخطى في تلك الفترة قد تمت محاربته، فهذا أمر طبيعي في مجتمعنا -بين من يعتبر نفسه نخبة المجتمع- لأننا تعودنا على محاربة من يختلف معنا في الأفكار، سار العديد من الناشطين آنذك متوقعين من المعنيين في الأمر مساندة قضيتهم ولكن باتت تلك المحاولة كغيرها بالفشل.
ازدهرت مرة أخرى هذه المرحلة بعد وصول البعثيين إلى الحكم في العراق يمثلهم صدام حسين، وقد شد عزيمته من كان يرى المجموعة التي ظهرت في فترة عبد الناصر قد أخذت مكانة بين مجتمعه وأيضاً بين القوميين آنذاك، لكن هذه المرة مجموعة كبيرة بدائت تحلم بالقومية التي ليست نابعة من اختيارهم العلمي أو السياسي، وإنما خلقوا من قومية أو فئة ما، نشروا هذا الفكر بين أطياف المجتمع فاصبح الناخبين وحتى الاطياف العامة في المجتمع تتمنى أن يطلق عليها مفردة القوميين، وكان يمتاز بهذا المصطلح كما استمرت هذه المرحلة حتى سقوط العراق أو ربما بعد انتهاء الحرب الايرانية العراقية، والتي ما زال أثرها باق حتى هذه اللحظة في مجتمعنا.
بعد ما فشلت مرة أخرى المرحلة التي خاضها العديد من أطياف مجتمعنا، ظهرت موجة جديدة مختلفة عن ما سبقتها، هذه المرة المرحلة أوسع من قبلها وأيضاً كانت اختيارية وليست وراثية، فسار العديد من أبناء هذا المجتمع على هذه الخطى، لعله يجد طريقة لنصرة شعبه واحقاق حقوقه، اختيار مذهب ما مختلف على ما هو الحال في تلك البقعة، حيث بدى الكثير بترويج هذا الفكر لأنه مختلف عن ديانة السلطة المحتلة أو الديانة التي تزعم بها، وأصبح يتباها من سار بهذا الخطى أن يطلق عليه اسم ذلك المذهب وتحولت عند الكثير من أبناء ذلك المجتمع فكرة الوطنية إلى طائفية أو مذهبية، في بادء الأمر يرى قضيته مذهبية وليست وطنية (هذه السياسة استخدمها المحتل ليستمر بسلطته، لكن الشعب قد تعب من هذه الافكار والقيود المريضة).
بعض الأحوازيين طرقوا باباً يعتبر فريد من نوعه منذ فترة ليست ببعيدة، وهو الفدرالية، نظراً لصعوبة الوصول لتحرير تلك الأرض بهذه الفترة
هناك في الجهة الأخرى البعض طرق باباً يعتبر فريدًا من نوعه، منذ فترة ليست ببعيدة، وهو الفدرالية، نظراً لصعوبة الوصول لتحرير تلك الارض حاليًا. لكن هذا الباب ما زال مغلقًا ولم ينتج عنه ما ينتظره الشعب، علماً أن السلطلت الايرانية الحالية والسابقة، وأيضاً المعارضة في الخارج تعتبر إيران قومية واحدة (وطن واحد، قومية واحدة)، ومن ينطق بلغة غير الفارسية يعتبر تعلمها بحكم جواره للبلدان المجاورة وليست لغته الأم.
في هذه الدوامة التي طرق بها أبناءُ هذا المجتمع العديد من الابواب لأجلها، لا نستطيع أن نغفل هنا عن معاناة أناسه، فأغلب من يعيشون في هذه البقعة ما زالوا يقاومون الفقر، وهم ما زالوا تحت خطه.
ترى أطفال هناك يبيعون أكياس أو خبز يابس (عيش يابس) حتى يشترون به كتاب أو قلم يتناوبون عليه، أحدهم يذهب الصبح إلى المدرسة يحمله معه وينتظره الآخر فياخذه من بعد رجوعه، فيداوم في المدرسة بنفس القلم أو الكتاب أو ذلك الشاب الذي يدرس في إحدى الجامعات وحتى لا ينقطع عن دراسته، ويوفر تكلفة دراسته. والبعض يذهب أخيه لفصل دراسي جامعي، ويطلب الاستراحة في الفصل الثاني حتى يذهب إلى جانب عمال المياومة، ( شاغول يومية ) ويوفر مبلغاً من هذا العمل لجامعتهما هو واخيه. العمل اليومي في تلك البقعة من أكثر الأعمال صعوبة وأقلها دخلاً.
من بين كل ما شرحته بهذا الخطوط والنقاط، أرجوا أن تبحثوا معنا عن أنفسنا، من نحن، وماذا نريد؟ هل نسعى لملئ فراغ بداخلنا مادياً كان أو معنوياً؟ عاطفياً كان أو غيره، أين نحن من هذه التطورات السياسية وغيرها في العالم، هل نستطيع ولو لمرة واحدة التخلي عن تلك الافكار الخرافية واللجوء ألى مخطط جديد من أجل شعبنا وليس من أجل فرض أنفسنا عليه، من أجل انقاذ المرأة التي تطالب بحقوقها، الطفل الذي يتمنى أن يكون كما لو كان أقرانه من أبناء جيله في العالم، أو حتى من اجل ما نطمح إليه نحن باعتبارنا نطمح لاحقاق حقوق المجتمع (الأهوازي، الأحوازي، العربستاني…الخ ).