في ظل انعدام التوازن في العلاقات بين دول حوضي البحر الأبيض المتوسط الجنوبي والشمالي، والأوضاع الاقتصادية التي تشهدها المنطقة، تتجه بلدان المغرب العربي (تونس، الجزائر، المغرب) إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء لنيل نصيبها من هذه السوق الاقتصادية الواعدة، حسب عديد التقارير الاقتصادية.
المغرب يطمح للزعامة
على الرغم أن الدول الأوروبية تبقى الشريك التجاري الأول للمملكة المغربية، فإنّ المبادلات التجارية للمملكة مع إفريقيا شهدت تطورا كبيرا خلال السنوات الأخيرة. وبعد استعادة عضويّتها في الاتحاد الأفريقي، يناير الماضي، بدأ المغرب في الاقتراب من الدخول في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا المعروفة باسم “سيداو”، والتي تضم 15 دولة. كما تأمل الرباط في أن تحصل على عضوية كاملة في هذا التكتل، باعتبار أن هذه المنطقة تمثل سوقاً مليئة بالفرص تضم حوالي 200 مليون مستهلك.
وقّع العاهل المغربي عشرات الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية مع زعماء الدول التي زارها ضمن جولاته الإفريقية الأخيرة
وتعرّف هذه المجموعة نفسها بكونها التجمع الإقليمي الاقتصادي الوحيد الذي يعمل من أجل الاندماج الاقتصادي وتحقيق أهداف اقتصادية للتجمع الاقتصادي الإفريقي، ويأتي الطلب المغربي في إطار توجه رسمي جديد من المملكة بالاتجاه أكثر نحو بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، خاصة عودتها للاتحاد الإفريقي بعد غياب دام تقريبا 33 عاما.
ويركّز المغرب على الشراكة مع دول جنوب الصحراء التي تشكّل بالنسبة إلى المملكة حافزًا اقتصاديًا مهمًا، وفي هذا السياق وقع العاهل المغربي عشرات الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية مع زعماء الدول التي زارها ضمن جولاته الإفريقية الأخيرة.
تطور العلاقات بين المغرب وباقي دول القارة الإفريقية، حمل معه تطورا في حجم المبادلات بينهما، إذ بلغت خلال الفترة الممتدة ما بين 2014 و2016، ما يربو عن 11 مليار دولار، مسجلا نموا لافتا مقارنة مع بداية العقد الحالي، حسب صحيفة هسبريس المغربية، وإجمالاً سجل المغرب حضورا اقتصاديا في العمق الأفريقي داخل 21 دولة.
اتفاقيات اقتصادية كثيرة حملتها جولات الملك المغربي إلى إفريقيا
وتنوعت الاستثمارات المغربية لتشمل الاتصالات والمصارف والتأمين والعقار والبناء والنقل الجوي والمعادن والكهرباء والصحة والصيدلة والتجارة والصناعة والأسمنت، ويستورد المغرب من إفريقيا حوالي نصف حاجياته من الغاز وباقي المشتقات النفطية، ويصدر إليها سلعا صناعية أو نصف مصنعة، مكونة أساسا من “مصبرات” السمك والأسمدة الطبيعة والكيميائية وما شابه.
ويسعى المغرب للعب دور استراتيجي في إفريقيا، كبوابة لمشاريع دول أوروبا وأمريكا في القارة السمراء، إذ لا يمكن للمملكة أن تلج دولا وجهات بإفريقيا أو أن تتحرك بدبلوماسيتها وفاعليها الاقتصاديين والماليين في مناطق هي حكر على فرنسا أو بريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية.
الجزائر تسعى إلى التدارك
أدركت الجزائر، مؤخرا، أن الرهان الاقتصادي على إفريقيا رابح على المدى المتوسط والبعيد، فالقارة مرشّحة لأن تتحول إلى إحدى أكبر الأسواق العالمية؛ أزيد من ملياري نسمة في أفق 2050. لذا، أضحت استراتيجية التعاون الاقتصادي (جنوب – جنوب) تحظى بالأولوية في الأجندة الاقتصادية الجزائرية.
وذكر تقرير لوكالة “إيكوفين” للدراسات الاقتصادية في القارة الإفريقية، أن المؤسسات الاقتصادية الجزائرية، تتجه حاليا نحو القارة الأفريقية من أجل البحث عن الفرص والاستثمار، وأن المسؤولين الجزائريين اكتشفوا مؤخراً أهمية هذا البعد الأفريقي بعد فوات الأوان.
تدرس الجزائر إمكانية التقرب من السوق المشتركة لإفريقيا الشرقية والجنوبية، التي تمثل أكبر تكتل إقليمي في القارة
في هذا السياق، احتضنت الجزائر، نهاية ديسمبر الماضي، أعمال المنتدى الإفريقي الأول للاستثمار والأعمال، ولا يرى المسؤولون الجزائريون أي مبرر لغياب بلادهم عن الاستثمار والتمدد في إفريقيا واستغلال الفرص التي تتيحها أسواقها، حيث لا تمثل مبادلات الجزائر مع دول القارة الإفريقية سوى 1.5% من مجموع المبادلات التجارية الخارجية.
وتدرس الجزائر إمكانية التقرب من السوق المشتركة لإفريقيا الشرقية والجنوبية، التي تمثل أكبر تكتل إقليمي في القارة، والانضمام للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، مع إمكانية فتح منطقة حرة للتبادل التجاري مع افريقيا. وتشجع الجزائر –التي تأثرت بانخفاض عائدات النفط وتسعى لتنويع اقتصادها- شركاتها على التوجه إلى العمق الأفريقي، حيث كسبت منافساتها المغربية تقدما.
تراجع أسعار النفط ساهم في تدهور الاقتصاد الجزائري
ويشهد الاقتصاد الجزائري تراجعا كبيرا في السنوات الأخيرة نتيجة انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية التي بدأت صيف عام 2014.، حيث تظهر الأرقام الرسمية المتتابعة تآكلاً متسارعاً لاحتياطي النقد الأجنبي في الجزائر، التي كان يحوز مصرفها المركزي ثاني أكبر كتلة عملة صعبة في المنطقة بعد السعودية، قبل عامين ونصف العام.
وتراجع احتياطي النقد الأجنبي بالجزائر من 192 مليار دولار بالنصف الأول من عام 2014 (قبل أزمة النفط) إلى قرابة 143 مليار دولار بنهاية 2015، فيما تتوقع الحكومة أن ينتهي العام الجاري 2017 باحتياطي نقد أجنبي عند مستوى 113.3 مليار دولار، وفق ما جاء بأرقام الموازنة العامة الجديدة، وأن يقل الاحتياطي إلى 107.6 مليار دولار بنهاية العام المقبل 2018.
تونس تعوّل على الاقتصاد الرقمي
تسعى تونس إلى استغلال تفوقها في المجال الاقتصادي الرقمي لدخول إفريقيا ونيل حصتها من هذه السوق الواعدة، حسب تقرير وكالة “إيكوفين”، الذي أوضح أيضا أن تونس تراهن على تطوير الأسواق الداخلية الأفريقية في مجال الخدمات، وتريد أيضاً الاندماج في أسرع وقت في التكتل الاقتصادي لبلدان إفريقيا الشرقية والجنوبية، من أجل تسويق منتجاتها الغذائية ومواد البناء والخدمات الإعلامية.
وتتجه تونس إلى الانضمام رسميا إلى السوق المشتركة لدول شرق وجنوب إفريقيا، المعروفة اختصارا بـ “كوميسا”، وفق ما أكده رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، في السابع من الشهر الحالي، خلال استقباله وفدا من هذه المنظمة التي تعدّ أكبر تجمع إقليمي اقتصادي في إفريقيا.
تربعت تونس على قائمة الدول العربية والإفريقية ضمن مؤشر الاقتصادات الأكثر ابتكارا للعام 2017 الذي أعدته وكالة “بلومبرغ” الأميركية
وسبق لتونس أن رّشحت نفسها لدخول هذه المنظمة عام 2005، غير أنها لم تكمل الإجراءات، حسب معلومات “كوميسا”، ثم عادت شهر فبراير/شباط 2016 لأجل طلب العضوية من جديد. وتتيح “كوميسا” في مادتها الرابعة لهيئتها التنفيذية، المكونة من رؤساء دول وحكومات المنظمة، إمكانية قبول دولة جار لعدد من الدول الأعضاء، شرط الالتزام بشروط وأهداف المنظمة.
وتربعت تونس على قائمة الدول العربية والإفريقية ضمن مؤشر الاقتصادات الأكثر ابتكارا للعام 2017 الذي أعدته وكالة “بلومبرغ” الأميركية، وهو تصنيف يعكس مستوى النجاحات التي تحققت بفضل مهارة المهندسين التونسيين في قطاع التكنولوجيا. ويأتي هذا التصنيف عقب سلسلة من الجوائز العالمية التي حصدها مخترعون تونسيون كثر في شتى المجالات خلال السنوات الماضية، مما جعل كبرى الشركات العالمية المتخصصة في تكنولوجيات الاتصال أو صناعة مكونات الطائرات أو غيرها تسعى لاستقطابهم أو التعاون معهم.
الاقتصاد الرقمي يعزز حضوره في تونس
ضمن مسعاها للعودة إلى الحاضنة الإفريقية، أعلنت مؤخرًا الخارجية التونسية فتحها سفارتين جديدتين في كل من كينيا وبوركينا فاسو، علاوة على فتح 5 مكاتب تجارية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. كما أعلنت الخطوط الجوية التونسية عن تخطيطها لفتح 12 خطًا جويًا جديدًا بين 2016 و2017 نحو عواصم إفريقية من بينها الخرطوم ولاغوس ونجامينا. كما تأسّس مجلس الأعمال التونسي الإفريقي لمتابعة المشاريع الاقتصادية بين رجال الأعمال التونسيين والأفارقة.