“المجاعة بالصومال تقتل الأطفال قبل تسميتهم” أحد عناوين كثيرة موجودة في الصحافة الأجنبية؛ التي تعبر عن سوء الأوضاع الإنسانية في قرى جنوب وشمال الصومال، إذ تعد الصومال إحدى الدول الأربع التي حذرت الأمم المتحدة أنها تعيش أسوأ أزمة إنسانية، والأكثر جدية منذ العام 1945 أي منذ الحرب العالمية الثانية.
أرض الصومال أو صوماليا لاند
في مدينة “هرجيسا” عاصمة “أرض الصومال”، توجد كهوف لـ”اسغيل” تحتفظ صخورها برسومات تمثل حياة الرعي قبل آلاف السنين، ذكرت في الكتب التاريخية القديمة وكانت مقرًا لممالك إسلامية زارها الرحالة العرب. حضارة وتاريخ عاشت على أرض الإقليم يعود إلى 9 آلاف عام قبل الميلاد، واليوم لا يتذكر الناس عن ذلك الجزء من البلاد سوى مصطلح “الصوملة” والذي صار يدل على أي كارثة في العالم.
أرض الصومال؛ الذي يعد جزءًا من القرن الإفريقي أحد البلدان التي دخلت مبكرًا في الإسلام إذ يدين سكان الإقليم بالإسلام وعلى المذهب السني، ويقدر عددهم بـ3.5 حسب إحصائيات العام 2008. رجوعًا إلى القرن التاسع عشر عندما جاءت الدول الاستعمارية الغربية كفرنسا وبرطانيا وإيطاليا إلى المنطقة العربية وأفريقيا، أدت القسمة في الصومال لتستولي بريطانيا على “أرض الصومال” وإيطاليا على جنوب الصومال.
عدد سكان صوماليالاند 3.5 مليون نسمة
انتزعت أرض الصومال حريتها في العام 1960مع بدء حركات التحرر في القرن العشرين ضد المستعمرين حيث لاقت بريطانيا مقاومة شرسة من المقاومة الوطنية في الصومال بقيادة محمد عبد الله الذي لقبه البريطانيون بـ”الملا المجنون”. وتحقيقًا لحلم “الصومال الكبير” بأجزائه الخمسة، آثر الصوماليون في الشمال (أرض الصومال) الانضمام إلى الجنوب (عاصمته مقديشو) بشكل طوعي علمًا أنه استقل في نفس العام الذي استقل به الإقليم الشمالي، في يوليو/تموز 1960، وحدثت الوحدة في الصومال في 1 يوليو/تموز من العام 1960.
ولكن الوحدة لم تكن مجدية لأصحاب المبادرة إذ تم تهميشهم سياسيًا واقتصاديًا، بحيث تركزت الثورة والسلطة في الجنوب، فكان العام 1980 عامًا مفصليًا في حياة الصوماليين في أرض الصومال خاصة والصومال كلها عامة، تعمق الهوة بين الشمال والجنوب، إذ ثار سكان أرض الصومال في ذلك العام في تمرد مسلح قادته “الحركة الوطنية الصومالية” وردت عليه الحكومة التي كانت مرؤسة من قبل محمد سياد بري، الموصوف بأنه مستبد انقلب على جمهورية ما بعد الاستقلال بارتكاب مجازر ضد شعب أرض الصومال.
تركيبة سكان أرض الصومال هي 55% يسكنون في البادية وهم من البدو الرحل و45% يسكنون في الأماكن الحضرية
قابل محمد سياد حركة التمرد من أرض الصومال بعنف مفرط، أدى لتهجير وقتل الآلاف من السكان وتدمير المدن، ويُذكر أن تلك المجازر تعد من جملة المسببات التي أدت إلى الحرب الأهلية في الصومال وأدت إلى انهيار البنية التحتية والاقتصاد الصومالي والمجاعة والأهم هو استقلال الأقاليم عن بعضها البعض.
فعلى إثر النزاع انهارت الحكومة المركزية في العام 1991 وأعلنت أرض الصومال من جانبها استقلالها في 18 مايو/أيار من العام نفسه، وقررت عزل نفسها عن كل ما يدور حولها من قتال وأزمات، باعتبارها أصبحت دولة منفصلة ذات حكم ذاتي، تقدر مساحتها بـ 3 مليون و 376 ألف كيلو متر مربع تحدها من الجنوب والغرب إثيوبيا ومن الشمال جيبوتي وخليج عدن ومن الشرق إقليم بوتيلاند الصومالي، ويبلغ عدد سكانها قرابة 3.5 مليون يدينون بدين الإسلام ومعظم السكان المحليين ينتمون إلى العرق الصومالي، ويتكلم السكان هناك 3 لغات هي اللغة الصومالية والعربية والإنجليزية.
3 ملايين شخص في أرض الصومال يواجهون خطر الموت جوعًا
يسكن 55% من السكان في البادية وهم من البدو الرحل أو شبه الرحل، بينما يعيش 45% من السكان في المراكز الحضارية أو المدن، والتي تشمل العاصمة “هرجيسا” التي يقدر عدد سكانها بحوالي 650 ألف نسمة. وقد اعتمدت نظامًا سياسيًا بحكم جمهوري من رئيس برلمان ومجلس أعيان وأجهزة أمنية، ورئيس الصومال يجمع بين منصبي رئيس الدولة ورئيس الحكومة، أحمد محمد محمود سيلانيو.
عند كتابة أرض الصومال أو صوماليالاند في موقع ويكيبيديا، ستظهر معلومات كاملة كأي بلد حول العالم، لديها علم، ونشيد وطني، ونظام حكم، وتاريخ تأسيس وعملة هي “الشلن الصومالي”، ودستور أقر في عام 2001 عبر استفتاء عام، ينص على انتخاب رئيس الجمهورية ونائبه معًا في انتخابات عامة على أساس الأكثرية العددية للقواعد الانتخابية لنظام اللائحة الحزبية.
نفوق المواشي بسبب الجفاف
ولكن سرعان ما سيكتشف الملاحظ مباشرة، أن هذه الدولة أو ما يطلق عليها “منطقة حكم ذاتي” هي أشبه بجزيرة في وسط البحر لم يسمع بها أحد في العالم، إذ لم تحظى الدولة الجديدة باعتراف دولي ولا من منظمات المجتمع الدولي، وفشلت الحكومات المتعاقبة هناك في إقناع العالم بالاعتراف، مع بقاء احتفاظ الحكومة بعلاقات غير رسمية مع بعض الحكومات الأجنبية التي أرسلت وفودًا بروتوكولية إلى العاصمة هرجيسا.
موجة الجفاف التي اجتاحت مناطق شاسعة في الصومال في العام 2011 أدت لمقتل نحو ربع مليون شخص
العزلة الدولية تهدد بفناء صوماليالاند
بسبب حالة العزلة الدولية التي تعيشها صوماليالاند، فإن المجتمع الدولي والمنظمات الإغاثية امتنعت عن تقديم المساعدات المالية والإغاثية والإنسانية للمنطقة هناك، وهو ما زاد من الصعوبات على الحكومة، وخصوصًا بعد موجة الجفاف التي اجتاحت مناطق شاسعة في الصومال في العام 2011 أدت لمقتل نحو ربع مليون شخص. مع ذكر جهود بعض الدول والمنظمات القليلية بشكل غير مباشر تقدم معونات لتلك المنطقة ولكنها لا ترقى بحجم الأزمة.
اعتبرت المجاعة بأنها الأسوأ منذ عقود وأدت إلى نفوق المواشي ونزوح السكان من قراهم بسبب تأخر هطول الأمطار الموسمية لـ4 سنوات، والمصيبة أن موجة الجفاف لا تزال مستمرة في ظل عجز حكومي عن السيطرة على الأوضاع، وقد ناشدت السلطات المحلية هناك المجتمع الدولي والعرب، للتدخل وإنقاذ السكان. الجدير بالذكر أن مناخ أرض الصومال هو استوائي، يمثل خليطًا من الظروف الرطبة والجافة وهذا يعد أحد أبرز عوامل الجفاف وتشير تقارير عديدة أن الصومال تأثر بالتغير المناخي الحاصل في العالم، وتصل متوسط درجات حرارة يومية ما بين 25C إلى 35C.
مناخ أرض الصومال هو استوائي، يمثل خليطًا من الظروف الرطبة والجافة
على الرغم من الأهمية الاستراتيجية لموقع أرض الصومال، وإطلالتها البحرية على خليج عدن وقربها من المضيق، إلا أنها غابت عن المحافل الدولية والاعتراف الدولي بها، في الوقت الذي يوجد في العالم دول أصغر مساحة وأقل أهمية تحظى باعتراف دولي. اليوم لم يعد هناك مجال للانتظار إذ بلغ مسوى الأزمة اللون الأحمر أي أنها بلغت المستوى الرابع من الخطورة وأصبحت تمثل حالة طارئة، وحسب ما ورد على لسان الأمم المتحدة، فإن 3 ملايين شخص في أرض الصومال يواجهون خطر الموت جوعًا.