ترجمة وتحرير نون بوست
سيخلف جنبلاط الابن، جنبلاط الأب. فقد تولّى وليد جنبلاط قيادة الطائفة الدرزية في لبنان مدة 40 سنة كاملة، قبل أن يعيّن نجله، تيمور جنبلاط ليحلّ محلّه. وقد نظمت مراسم تولي تيمور مكان والده في قصر المختارة، معقل آل جنبلاط، الواقع في الجبل اللبناني.
وقد تزامنت مراسم تنصيب تيمور مع ذكرى مقتل جده كمال جنبلاط، الذي اخترقته الأعيرة النارية وهو في سيارته سنة 1977 في كمين رُجّح أنه يعود لأعوان تابعين للمخابرات السورية. وبالعودة لمراسم تنصيب تيمور، ظهر وليد جنبلاط، الذي خلف أباه مباشرة بعد مقتله، وهو يرتدي كوفية فلسطينية قائلا لنجله: “أنصت إلي يا تيمور… حافظ على موروث جدك كمال جنبلاط، وارتد كوفية فلسطين العربية المحتلة وكوفية لبنان، فهي رمز للرجال الأحرار والثوار المقاومين لإسرائيل في أي مكان على وجه الأرض… كما أن الكوفية رمز المصالحة والحوار ورمز المختارة“.
من جانب آخر، مرت مراسم “انتقال السلطة” بين وليد ونجله بحضور سعد الحريري، الذي خلف بدوره والده المغدور، رفيق الحريري، إضافة إلى ثلة من المحسوبين على الطائفة الدرزية.
ولد تيمور جنبلاط سنة 1982 أي في خضم الحرب الأهلية اللبنانية. وقد درس في الجامعة الأمريكية ببيروت، أحد أكبر جامعات الشرق الأوسط، التي درس في مقاعدها عدد هائل من الوجوه السياسية في المنطقة
وتجدر الإشارة إلى أن تيمور جنبلاط، البالغ من العمر 35 سنة، لم يستلم فحسب زمام قيادة أكبر عشيرة درزية في لبنان، بل ترأس أيضا الحزب الذي أسسه جده، وهو الحزب التقدمي الاشتراكي، خلال مراسم كلاسيكية شبيهة بتلك التي كانت تطبق خلال العصور الوسطى. وسيتولى تيمور كذلك كرسيّ والده في البرلمان اللبناني بعد انتهاء الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها خلال شهر أيار/مايو القادم.
وبغض النظر عن هذه الألقاب، فإن تيمور أصبح أيضا “زعيما” وقائد عشيرة مندرجة بقوة ضمن نظام الطوائف السياسي في لبنان، الذي يدخل في حسابات اللعبة السياسية الخطرة في الشرق الأوسط، إذ يجب على الأقليات عدم ارتكاب أية أخطاء.
من جهة أخرى، قال وليد جنبلاط لنجله “من النادر أن يموت أحد أفراد آل جنبلاط وهو في فراشه”. فوليد يعلم جيدا مدى ثقل العبء الذي ألقاه على عاتق نجله، حيث ذكّر تيمور بالظروف الدراماتيكية التي مر بها عندما خلف كمال جنبلاط عشية مقتله. وفي هذا السياق، قال لنجله “إن مصيري حتّم عليّ، منذ 40 سنة، ارتداء عباءة مختلطة بدماء جدك كمال جنبلاط”. وقد كان وليد، خلال تلك الفترة، يبلغ من العمر 28 سنة ويعيش حياة شبابية مستهترة. وبعد مقتل والده، تخلّى وليد عن حياة اللهو المتمردة على القوانين، ليجد نفسه قائدا للطائفة الدرزية في خضم الحرب الأهلية.
ورغم صغر سنه وعدم جهوزيّته، خلف وليد بشكل مشرّف أباه، وكان مناورا محنّكا خلال الحرب الأهلية، كما قاد “معركة الشوف” سنة 1983 وهي عبارة عن عملية تطهير طائفي بلا رحمة ضد المسيحيين. وقد تمكن بعد ذلك من التقرب من النظام السوري. والجدير بالذكر أن الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد، خاطب وليد جنبلاط عندما زاره في القصر الرئاسي بدمشق، قائلا: “كم تشبه والدك كمال”، ثم استعمل معه لغة أكثر حدّة، حيث واصل حديثه قائلا: “لقد كان والدك يجلس في نفس المكان الذي تجلس عليه الآن”.
منافس لحزب الله
أصبح وليد جنبلاط حليفا لا غنى عنه لسوريا خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وجزءا لا يتجزأ من برنامج دمشق لاحتلال بلاد الأرز قبل أن ترضخ لاتفاق الطائف. وخلال هذه السنوات، انتظر وليد جنبلاط أن يتقلد مراسم الحكم في لبنان قبل أن يلقي بتحالفه مع دمشق عرض الحائط. وقد ظهر ذلك، عندما قطع علاقته ببشار الأسد، خليفة حافظ الأسد، سنة 2004، حيث يعود ذلك لتأثر وليد بكل من انسحاب القوات السورية من لبنان و”بثورة الأرز”.
تجدر الإشارة إلى أن تيمور جنبلاط، البالغ من العمر 35 سنة، لم يستلم فحسب زمام قيادة أكبر عشيرة درزية في لبنان، بل ترأس أيضا الحزب الذي أسسه جده، وهو الحزب التقدمي الاشتراكي
وتحول وليد بعد ذلك إلى أحد أهم رموز حركة 14 آذار المناوئة لسوريا مسجلا نفسه منافسا لحزب الله الشيعي، الموالي لسوريا. وخلال سنة 2008، تحديدا مع الانقلاب الذي شنه حزب الله بالقوة، حُوصر وليد جنبلاط في منزله قبل أن يُجبر على إلقاء أسلحته.
وفي السنة الموالية، غادر وليد حركة 14 آذار ليلتحق بأفضل موقع سياسي تحبذه الأقليات في لبنان وهو؛ الحياد. ومع حلول الثورة السورية سنة 2011، تحمّس وليد للدفاع عن المعارضة المسلحة ضد بشار، على الرغم من أنه لا يزال في نفس الوقت يخوض لعبة خطرة على الصعيد الداخلي اللبناني. أما الآن، فقد قرر الرحيل وقام بتجهيز نجله لخلافته.
ولد تيمور جنبلاط سنة 1982 أي في خضم الحرب الأهلية اللبنانية. وقد درس في الجامعة الأمريكية ببيروت، أحد أكبر جامعات الشرق الأوسط، التي درس في مقاعدها عدد هائل من الوجوه السياسية في المنطقة. وداخل أسوار هذه الجامعة، تعرّف تيمور على زوجته ديانا زعيتر، وهي شيعية أصيلة منطقة سهل البقاع، ولديه منها طفلين، سابين وفؤاد.
بعد ذلك، تم إرسال تيمور لمواصلة تعليمه في فرنسا بعد اغتيال رفيق الحريري سنة 2005، قبل أن يعود للبنان سنة 2010 ويلازم جوار أبيه ليتعلم قيادة العشيرة. وقد شارك في عدة جلسات استماع خلال يوم السبت الفارط في قصر المختارة، أي قبيل يوم على تنصيبه، لعشرات الأشخاص الذين قدموا إما لدعم أو تنبيه الزعيم الجديد. كذلك، قضى تيمور ساعات طويلة في القصر جالسا خلف طاولته وأمامه فنجان قهوة بالهيل، وهو ينصت للمزارعين الدروز أصحاب الشوارب الكثيفة والبناطيل السوداء الفضفاضة وهم يتحدثون بصوت منخفض ويطلبون منه إما الحكم أو التدخل في عدة قضايا مختلفة تخصهم.
أصبح وليد جنبلاط حليفا لا غنى عنه لسوريا خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وجزءا لا يتجزأ من برنامج دمشق لاحتلال بلاد الأرز قبل أن ترضخ لاتفاق الطائف
في المقابل، تعلّم تيمور من والده قبل كل شيء قواعد كواليس السياسة اللبنانية والتي لا زالت تشكل خطرا على حياة آل جنلاط. لكن، لا خوف على تيمور، فقد تتلمذ على يد والده، الذي له خبرة 40 سنة في المجال السياسي، والتي جعلت منه صاحب مخطّطا ذكيا داخل الساحة السياسية اللبنانية.
لا بدّ من الإلمام بجميع المخاطر حتّى تكون مستعدا للمواجهة. وبلا شك، لن يتوقف وليد عن نصح نجله بما أن الوضع لا يزال متوترا في الشرق الأوسط. وفي الحقيقة، سيظل خيال تيمور يجول في قصر المختارة لسنوات طويلة “كطائر رشيق” مرتديا بناطيل جينز قديمة وبرفقته كلبه “أوسكار”، الذي يتجول معه بين مجموعات البنادق القديمة ومعلقات الإتحاد السوفيتي والناووس والآثار الرومانية التي تزيّن قصر المختارة.
المصدر: لوفيغارو