لا تزال طقوس الاحتفال بالأعياد العبرية مستمرة في الداخل المحتل، حيث المزيد من اقتحامات المستوطنين اليومية للمسجد الأقصى، ومحاولاتهم لتهريب أدوات تستخدَم عند ممارسة طقوسهم الدينية، بهدف فرض التقسيم الزماني والمكاني.
خلال فترة الأعياد، خاصة في العامَين الأخيرَين، كان واضحًا أن الاقتحامات تجري تحت حراسة مشددة من الشرطة الإسرائيلية، التي تدّعي دومًا محاولاتها منع دخولهم خشية الاحتكاك مع المقدسيين، ووقوع المواجهات التي تفضي في كثير من الأحيان إلى انتفاضة جديدة حتى لو بقيت لعدة أسابيع.
ولأن الجهات الرسمية الإسرائيلية تريد الهروب كعادتها ولا تريد محاسبتها دوليًّا، انبثقت في فترة الأعياد الجارية منذ 19 سبتمبر/ أيلول وحتى 7 أكتوبر/ تشرين الأول، حركة جديدة تُدعى “أبناء جبل الموريا”، ويأتي عملها استكمالًا لتهويد المسجد الأقصى، ونزع قدسيته الإسلامية وتحويلها إلى قدسية مشتركة، وهي حركة يهودية متطرفة جديدة أعلنت جماعات الهيكل المزعوم عن تأسيسها، بهدف الاحتجاج والتظاهر ضد شرطة الاحتلال الإسرائيلي، لتمكين المستوطنين من أداء كامل الطقوس في المسجد الأقصى المبارك بحرّية.
كيف تأسّست حركة أبناء جبل الموريا؟
رغم أن الشرطة الإسرائيلية تحمي المقتحمين للمسجد الأقصى، إلا أن نشطاء من جماعات الهيكل التي انبثقت عنها أبناء جبل الموريا، يعتبرون إجراءات شرطة الاحتلال مع المقتحمين معاداة للسامية وتمييزًا ضد اليهود في أقدس مقدساتهم، وأنه قد حان الوقت لإنهاء 2000 عام من التمييز.
ما يثبت تطرف هذه الجماعة الناشئة ونيّتها ضد المسجد الأقصى والمرابطين، هو أن باكورة نشاطها انطلقت عبر تظاهرة من أمام منزل المتطرف إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الصهيوني، والكائن في مستوطنة كريات أربع شرق مدينة الخليل، وتذرّعت بمطالبته السماح للمقتحمين بأداء كامل الطقوس العلنية في الأقصى، والإعلان عن انطلاق هذه الحركة المتطرفة بشكل رسمي.
ومع انطلاقة هذه الحركة، يُرفع عدد المؤسسات والحركات المتطرفة التي تعمل من أجل تهويد المسجد الأقصى، وإزالته بكامل مساحته من الوجود، تمهيدًا لتأسيس الهيكل المزعوم مكانه؛ إلى 47 مؤسسة تنضوي تحت مظلة ما يسمّى “اتحاد منظمات الهيكل”، بعدما كان عددها عام 2013 يبلغ 24 مؤسسة فقط.
ومع تشكيل الحكومة اليمينية المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو، اتّسع نطاق نفوذها وعضويتها ليصل إلى 16 وزيرًا متطرفًا من أصل 31، يتبنّون أجندتها ومشاريعها ويعملون على تحقيقها، بهدف تغيير الوضع القائم في الأقصى وإقامة الهيكل. كما توجد جماعات متطرفة أخرى تريد تحقيق الهدف ذاته، منها حراس الهيكل، عائدون لأجل الجبل، طلاب لأجل المعبد، ونساء من أجل الهيكل.
ماذا يعني جبل الموريا لليهود تاريخيًّا؟
يزعم اليهود أن موقع الحرم الشريف هو في الحقيقة جبل موريا أو مريا، الذي صعد إليه النبي إبراهيم لذبح ابنه إسحاق وفق المعتقد اليهودي، ومحل وجود هيكل سليمان الذي يوجد تحته والذي دُمّر نهائيًّا عام 70مـ.
لذا يطلق اليهود على الحرم الشريف اسم “جبل الهيكل”، وهو الموقع الأكثر قدسية بالنسبة إليهم، كما أن للقدس 70 اسمًا في التقاليد اليهودية، من بينها صهيون ومدينة داود وأرييل وموريا.
وحقيقةً بُني المسجد الأقصى فوق هضبة تسمّى موريا، وهي كلمة كنعانية تعني المختار، وأعلى مكان في هذه الهضبة هو الصخرة المشرفة التي بُني فوقها مبنى قبة الصخرة.
ويعتبَر جبل موريا المقام عليه المسجد الأقصى أهم الأماكن التاريخية التي بناها العرب اليبوسيون في مدينة القدس، ويبلغ ارتفاع الجبل 770 مترًا، وتعتبر قبة الصخرة أعلى نقطة في الجبل.
خطورة أبناء جبل الموريا على الأقصى
بداية، ما يجري في القدس من محاولات للسيطرة على المقدسات الإسلامية، وتغيير ملامح ما يحيط في المسجد الأقصى، يأتي ضمن مساعي الاحتلال المستمرة لإعادة بناء الهيكل، حيث نشطت الجماعات المتطرفة فترة الثمانينيات.
مع ازدياد الجماعات المتطرفة التي يقودها أشخاص من أحزاب يمينية، إلا أنهم مرتبطون بفتاوى الحاخامات، حيث لا يجوز بناء الهيكل إلا بعد خروج المسيح المنتظر، وما يفعلونه اليوم على أرض الواقع من تقسيم زماني ومكاني ما هو إلا تهيئة الظروف في المسجد الأقصى، وفق مزاعمهم.
يقول المختص في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة، إن زيادة عدد الجماعات المتطرفة تشي بأن البيئة والأجواء مواتيان لتشكيلها دون وجود قيود كما في السابق، حيث كان تشكيل الجماعات المتطرفة يحتاج إلى خطوات وإجراءات بيروقراطية معقّدة، لأن النظام السياسي الإسرائيلي لم يكن يحكمه اليمين القومي المتطرف كما اليوم.
وأوضح هلسة لـ”نون بوست” أن الجماعات المتطرفة تسهّل عمل الحكومة اليمينية للوصول إلى مهامها النهائية الرسمية في تهويد المسجد الأقصى، مشيرًا إلى أن الاحتلال يترك الجماعات المتطرفة تنفّذ أجنداتها المختلفة، ويضغط كل منها وفق رؤيته حتى تحقيق الهدف.
وذكر أن تشكيل جماعة أبناء جبل الموريا يأتي في إطار استكمال الأدوار العامة من أجل بناء الهيكل، بعيدًا عن تصدر المستوى الرسمي للحدث، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة من الأعياد ستشهد ممارسة الطقوس بالأدوات التي يمنع المستوطنون استخدامها داخل الأقصى، حيث النفخ في البوق ووضع الدجاج على رؤوسهم على سبيل الطهارة داخل الأقصى.
وعن تسمية الحركة المتطرفة الجديدة بـ”أبناء جبل الموريا”، يؤكد هلسة أنهم يختارون تسميات ترتبط بالعقل لتحقيق الهدف النهائي حيث الحشد والتعبئة، عبر ربط الأسماء بعناوين ورموز دينية تحركهم وتثير عنفهم للمزيد من الانتهاكات بحقّ الأقصى، ما يشكّل خطرًا عليه.
ويقول إن حكومة الاحتلال اقتربت من تحقيق أهدافها في المسجد الأقصى عبر الجماعات المتطرفة، موضّحًا أن المستوطنين تمكّنوا من فرض التقسيم الزماني عبر مواعيد محددة يوميًّا لاقتحام المسجد، وستشهد السنوات المقبلة التقسيم المكاني لجعل المسجد مشتركًا وليس إسلاميًّا خالصًا.
ما يجري في القدس جريمة، فالجماعات المتطرفة التي تزداد يومًا بعد آخر، لم يعد المقدسي وحده قادرًا على مجابهتها بأدواته التقليدية، لذا هو بحاجة إلى تطويع الحالة العربية والإسلامية، فحالة الصمت التي يمارسونها لن تجدي سوى المزيد من الانتهاكات بحقّ الأقصى والمقدسيين، وتسريع في عملية التهويد لبدء بناء الهيكل المزعوم بحماية الجماعات المتطرفة.