لُقّبت بملكة كرة القدم وأسطورة كرة القدم النسائيّة، وقورنت بالعديد من أساطين كرة القدم الرجال في الماضي والحاضر، كأبناء بلدها رونالدينيو وروماريو والظاهرة رونالدو، والأرجنتيني ليو ميسّي ومواطنها نيمار، ولكنّ أشهر من شُبّهت به كان أسطورة كرة القدم البرازيليّ بيليه، الذي اختار لها بنفسه تسميةً غريبةً ذاع صيتها، عندما نعتها قائلًا: “هي بيليه يرتدي التنّورة!”
إنّها لاعبة كرة القدم البرازيليّة الشهيرة مارتا، التي أثبتت من خلال مسيرتها المدهشة في ملاعب الساحرة المستديرة، بأنّ النجوميّة والإبهار في عالم الكرة لم يعد حكرًا على اللاعبين الرجال، وبأن الفتيات يمكن أن يظهرن من المهارات والفنون الكرويّة، ما يوازي أو يفوق ما يقدّمه الرجال.
مارتا لُقبت بـ: بيليه يرتدي التنّورة!
طفولة “مارتا فييرا دي سيلفا” لم تكن مثاليّة، فقد وُلدت يوم 19 من فبراير من عام 1986، في أحد الأحياء الفقيرة ببلدة دوس رياشوس التابعة لولاية ألماغواس شمال شرقي البرازيل، وعانت مرارة الحرمان مبكّرًا، عندما هجر والدها “ألداريو” العائلة وهي لاتزال رضيعةً، تاركًا مسؤوليّة رعاية 4 أطفالٍ لأمّهم “تيريزا”، التي كانت تعمل طاهيةً في البلدة من أجل تأمين قوت عيالها، الذين كان أكبرهم “خوسيه” مولعًا بلعب كرة القدم، جريًا على نهج معظم الفتيان البرازيليين، ومثله كان الأخ الثاني “فالدير”، بعكس أختهم الثالثة “أنجيلا” التي لم تكن مهتمّةً باللعبة، على اعتبار أنّ ممارستها كانت مقتصرةً على الفتيان دون الفتيات في البلدة، وهي الحقيقة التي لم تعترف بها الأخت الصغرى مارتا، والتي اعتادت منذ كانت في السابعة من عمرها على لعب الكرة في أزقّة بلدتها، إلى جانب إخوتها وأبناء عمّها وبعض جيرانها الفتيان، الذين كانوا يسخرون من كونها الفتاة الوحيدة التي تمارس كرة القدم في البلدة!
بدايات مارتا كانت مع نادي فاسكو دي غاما البرازيلي
ورغم ظروف الفقر المدقع الذي أجبر مارتا على اللعب حافية القدمين من ناحية، والسخرية التي كانت تتعرّض لها كفتاةٍ وحيدةٍ بين الصبيان من ناحيةٍ أخرى، استطاعت مارتا فرض نفسها كعضوٍ دائمٍ في فريق مدرستها، عبر سرعتها ومهاراتها وحيلها المذهلة، التي كانت تمكّنها من مجاراة أقرانها من الذكور، بل والتفوّق عليهم، ممّا لفت إليها أنظار أحد كشّافة نادي فاسكو دي غاما، الذي كان من الأندية البرازيليّة النادرة التي تمتلك فريقًا للسيّدات، فعرض عليها المجيء إلى مدينة ريو دي جانيرو من أجل إجراء بعض التجارب في النادي، فلم تضيّع مارتا الفرصة الذهبيّة، رغم أنّ المدينة الساحليّة تبعد عن بلدتها أكثر من 1500 كم، حيث استقلت الباص لمدّة 12 ساعة لتكون في الموعد، وهناك أظهرت الساحرة الصغيرة مهاراتها أمام مدرّبة الفتيات الشهيرة هيلينا باشيكو، التي انبهرت بقدراتها وسارعت بالتعاقد معها للعب في صفوف سيّدات النادي، لتبدأ مسيرتها الاحترافيّة مبكّرًا جدًّا وهي في سنّ ال14!
حققت دوري أبطال أوروبا مع نادي أوميا السويدي عام 2004
يمكن اختصار مسيرة مارتا الاحترافيّة مع الأندية ب3 محطّات، أوّلها في البرازيل حيث لعبت لنادي فاسكو دي غاما لمدّة عامين بين 2000 و2002، ثم قضت عامين آخرين في صفوف نادٍ مغمورٍ يُدعى سانتا كروز، قبل أن تنتقل إلى محطّتها الثانية في السويد مطلع عام 2004، حيث لعبت في صفوف نادي أوميا مدّة 4 سنوات، حقّقت خلالها لقب بطولة الدّوري السويدي 4 مرّات، ولقب كأس السويد مرّةً، إضافةً للقب كأس أوروبّا للأندية الذي أحرزته صيف عام 2004.
وشهد مطلع عام 2009 انتقال مارتا إلى محطّتها الاحترافيّة الثالثة، والتي كانت في الولايات المتّحدة، حيث قضت 3 سنواتٍ، أوّلها مع نادي لوس أنجلوس سول، الذي لعبت معه عامًا واحدًا تخلّلته إعارةٌ قصيرةٌ مدّتها 3 أشهر، عادت خلالها إلى بلدها البرازيل، واستطاعت تحقيق لقبين مع نادي سانتوس هما كأس البرازيل المحلّي وكأس ليبرتادوريس القارّي، قبل أن تعود إلى الولايات المتّحدة للعب في صفوف نادي غولد برايد، الذي مكثت معه عامًا واحدًا، أحرزت خلاله لقب بطولة الدّوري الأمريكي لعام 2010، قبل أن يُلعن النادي إفلاسه، وتضطر مارتا للانتقال إلى ثالث نادٍ أمريكيٍّ خلال عامين، وهو نادي ويسترن نيويورك فلاش، الذي لعبت له عامًا واحدًا، قادته خلاله للتتويج بلقب الدّوري الأمريكيّ لعام 2011.
تلعب حاليًّا لنادي روزينغارد السويدي
وعبس القدر مجدّدًا في وجه مارتا، عندما أُعلن رسميًّا عن توقّف منافسات الدّوري الأمريكي للسيّدات عام 2012، لتقرّر الفتاة البرازيليّة العودة إلى محطّتها الثانية في السويد، فوقّعت عقدًا انتقلت بموجبه إلى نادي تيريزو المغمور لمدّة عامين، ساعدته خلالهما على تحقيق بطولة الدّوري السويدي للمرّة الأولى في تاريخه عام 2012، إضافةً إلى التأهّل إلى نهائيّ بطولة دوري أبطال أوروبّا للسيّدات عام 2014، قبل أن تنتقل تحطّ رحالها أخيرًا في نادٍ سويديٍّ آخر يُدعى روزينغارد، الذي انتقلت إليه صيف عام 2014، وأحرزت معه لقب الدّوري السويدي في الموسمين الماضيين، ولاتزال ناشطةً فيه حتّى الآن.
أفضل لاعبة وهدّافة في كأس العالم 2007 مع منتخب البرازيل
أمّا مسيرتها مع منتخب البرازيل، فقد بدأت مبكّرًا جدًا، حيث كانت في ال16 من عمرها عندما تمّ استدعاؤها للمنتخب الأوّل عام 2002، وشاركت في بطولة كأس العالم للسيّدات 4 مرّاتٍ بين عامي 2003 و2015، حققت خلالها أفضل نتائجها في نسخة عام 2007 ببلوغها المباراة النهائيّة، حيث خسرت البرازيليّات أمام ألمانيا، كما تُوّجت بلقب بطولة أمريكا والكونكاكاف مع منتخبها عاميّ: 2003 و2010، إضافةً لمساهمتها في إحراز ميداليّتين ذهبيّتين لبلادها خلال نسختين من دورة ألعاب الأمريكيّتين، عامي: 2003 و2007.
فشلت في تحقيق الحلم الأولمبي لبلادها بأولمبياد ريو 2016
وتبقى الغصّة الكبرى لمارتا مع السامبا، فشلها في قيادة منتخب بلادها للفوز بذهبيّة الألعاب الأولمبيّة، رغم اقترابها من تحقيق ذلك عدّة مرّات، وخاصّةً خلال دورتي أثينا 2004 وبكين 2008، حيث بلغت المباراة النهائيّة في الدورتين وخسرت أمام الولايات المتّحدة، أمّا في الدّورة الأخيرة التي استضافتها ريو دي جانيرو صيف العام الماضي، فقد كانت الضربة أقسى، لأنها جاءت في أرضها ووسط جماهيرها، التي بقيت تشجّعها وتهتف باسمها، رغم السقوط المفاجئ أمام السويد في نصف النهائي، والذي جعل مارتا تنهار باكيةً على عشب ملعب ماراكانا، معتبرةً ذلك أتعس لحظات مسيرتها.
اختيرت كأفضل لاعبة في العالم 5 مرّاتٍ متتالية
بالنّظر إلى الجوائز الفرديّة والأرقام القياسيّة التي حقّقتها الملكة مارتا، نجد أنّها تحمل الرقم القياسي في عدد مرّات التتويج بجائزة أفضل لاعبةٍ في العالم، حيث حققت الجائزة 5 مرّاتٍ متتاليةٍ بين عامي 2006 و2010، كما حققت المركز الثاني 4 مرّاتٍ، وحلّت في المركز الثالث 3 مرّاتٍ آخرها عام 2016، كما تنفرد مارتا بلقب هدّافة بطولات كأس العالم عبر تاريخها، بإحرازها 15 هدفًا خلال البطولات ال4 التي شاركت فيها، كما أنّها تحمل لقب أفضل هدّافةٍ في تاريخ منتخب البرازيل برصيد 106 أهدافٍ سجّلتها خلال 103 مباريات!
مارتا… ملكة المهارات المذهلة
وفضلًا عن ذلك، أحرزت مارتا لقب هدّافة مونديال 2007 وأفضل لاعبةٍ فيه، وهدّافة الدّوري السويديّ 3 مرّات، وهدّافة الدّوري الأمريكيّ مرّتين، كما اختيرت عام 2009 كواحدةٍ من أفضل 20 رياضيّةٍ في القرن الحالي، واختيرت مطلع عام 2016 ضمن منتخب الفيفا المثالي عبر التاريخ، وتمّ تكريمها في بلادها بإنشاء نصبٍ تذكاريٍّ لها، في ولاية ألاغوس التي تنحدر منها، فضلًا عن اختيارها ضمن حاملي شعلة أولمبياد ريو الأخير.
ونختتم حديثنا بمقطع فيديو، يظهر جانبًا من مهارات الملكة مارتا، التي دعت النقّاد لنعتها بأسطورة كرة القدم النسائيّة عبر العصور