“سرة القاهرة” “رملة بولاق” “مثلث ماسبيرو” .. مسميات عدة لمنطقة واحدة، كانت شاهدة على وقائع الثورة المصرية 2011، خصوصا موقعة الجمل، التي حاول فيها عناصر بلطجية تابعين للرئيس الأسبق حسني مبارك، دخول ميدان التحرير، كما شهدت أول صدام بين الأقباط والجيش المصري في مذبحة ماسبيرو في أكتوبر 2011، خلفت بين ما يقرب من 35 قتيلاً من الأقباط، وعدداً من مجندي الجيش.
بركان جديد
اليوم تعيش المنطقة على فوهة بركان جديد يهدد باشتعالها مجددا، بعد قرار الحكومة تهجير الأهالي، وتمليك المنطقة للشركات العقارية وكبار المستثمرين، على الرغم من رفض الأهالي مغادرتها، وتهديدهم بحرقها.
رسم توضيحي لخطة تطوير ماسبيرو
موقع مغر
جغرافيا تربط المنطقة بحكم موقعها الفريد بين أهم المحاور والشوارع المرورية الرئيسة في القاهرة، وبينها جسرا 6 أكتوبر، و15 مايو، بالإضافة إلى شوارع الجلاء وكورنيش النيل و26 يوليو، وهو ما يزيد من طمع المستثمرين فيها.
هدف الحكومة من إخلاء 815 وحدة سكنية يقطنها 5400 أسرة ، و33 محلاً تجارياً، بواقع 18 ألف ساكن، ومساحة 47 فدانًا، هو تحويلها إلى مناطق ترفيهية وإدارية وتجارية وفندقية ومسطحات خضراء، وإنشاء عدد من الخدمات الإضافية لخدمة المنطقة من صالات عرض سينمائي ومتاحف، ومكاتب إدارية وخدمية، وكراجات وأماكن انتظار للسيارات، تمثل دخلا كبيرا من جهة.
اليوم تعيش المنطقة على فوهة بركان جديد يهدد باشتعالها مجددا، بعد قرار الحكومة تهجير الأهالي، وتمليك المنطقة للشركات العقارية وكبار المستثمرين، على الرغم من رفض الأهالي مغادرتها، وتهديدهم بحرقها
هذا بالإضافة لتخفيف التوتر بين سكان المنطقة “العشوائية الحرفية” وبين رجال الأعمال وأصحاب الأبراج الاستثمارية الكبيرة بكورنيش النيل، وتفادي هجمة جديدة لأهالي المنطقة على “الكبار” مثلما حدث إبان ثورة يناير حينما اقتحم أهالي المنطقة “أركيديا مول” الأكبر في العاصمة، وسرقة كل محتوياته وإحراقه بالكامل، حتى أنه لم يعود للعمل حتى الآن رغم مرور أكثر من 5 سنوات على الثورة.
خارطة المثلث ونقاط التماس مع مبان وأماكن هامة
نقاط التماس
أزمة المنطقة التي تشكلها للكبار هو أنها تقع على نقاط تماس مع كورنيش النيل، والعديد من المباني الإدارية والحكومية والاستثمارية الفاخرة، كمبنى وزارة الخارجية المصرية، ومبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وبرجي البنك الأهلي الحكومي، والعديد من فروع شبكات الفنادق العالمية، والمولات التجارية.
استمارة رغبات وزعتها الحكومة على الأهالي
جرافيتي الثورة يعود
رد الأهالي على قرار الحكومة بالتهجير جاء عفويا، ليعبر عن بساطة قاطني المنطقة، وانتشرت على جدران المنازل المتهالكة والآيلة للسقوط – بعد رفض حكومة محلب السابقة تنكيس المنطقة – ، جمل مثل “تطوير البشر قبل الحجر”، “لا للتهجير نعم للتطوير”، “السكن حق لا مكرمة”، “أين التطوير إحنا مش ماشيين”، حتى أن المؤتمر الشعبي الذي عقد بأرض “وابور التلج”، لعرض ممثلي الحكومة على أهالي المنطقة، البدائل المقدمة من الحكومة إلى الأهالي لإخلاء المنطقة، فشل فشلا ذريعا، بعد رفض الأهالي للأطروحات التي تقدم بها مسئولي الحكومة والقاضية بعرض 5 بدائل على السكان للاختيار بينها.
هدف الحكومة من إخلاء 815 وحدة سكنية يقطنها 5400 أسرة ، و33 محلاً تجارياً، بواقع 18 ألف ساكن، ومساحة 47 فدانًا، هو تحويلها إلى مناطق ترفيهية وإدارية وتجارية وفندقية ومسطحات خضراء
يأتي في مقدمتها التعويض بوحدة إيجار في المنطقة بعد التطوير، يدفع الساكن إيجارها الذي يتراوح بين ألف إلى ألفي جنيه شهريا بعقد يورث مرة واحدة فقط، أو التعويض بوحدة إيجار تملكي في المنطقة بعد تطويرها لمدة 30 سنة، ويتراوح سعر الشقة فيها بين 300 و390 ألف جنيه، أو قد تكون بقسط شهري يبلغ 2700 جنيه، أو التعويض بوحدة إيجار تمليكي في مدينة الأسمرات، بقسط يبلغ 300جنيه لمدة 30 سنة بزيادة 5% سنويًا، وأخيرًا التعويض النقدي الذي يحدد وفقًا لمساحة الوحدة المتروكة، قدرته الحكومة بمبلغ 100 ألف جنيه للغرفة الواحدة، ويقل المبلغ كلما زاد عدد الغرف، ليصبح 280 ألف جنيه، للسكن المؤلف من 4 غرف.
بديل الأسمرات
تجاهل الأهالي
اللافت أن كل هذه البدائل لم تضع في حسبانها أن سعر المتر بالمنطقة – بمجرد إخلائها -، لن يقل بأي حال من الأحوال عن مائة ألف جنيه، وبالتالي من حق الأهالي التمسك بالمنطقة، أو على الأقل الحصول على تعويض مناسب، لن تتحمله الدولة، طالما أن هناك من المستثمرين من يسعى وراء المنطقة منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، ناهيك عن أن المبالغ المالية التي وضعتها الحكومة في مشروعها الجديد، ويتحملها الأهالي سواء فيما يخص التأجير أو التمليك، تتخطى القدرة المالية لسكان ماسبيرو.
أزمة المنطقة أنها تقع على نقاط تماس مع كورنيش النيل، والعديد من المباني الإدارية والحكومية والاستثمارية الفاخرة، كمبنى وزارة الخارجية المصرية، ومبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون
فمعظم سكان المنطقة يقل إجمالي دخلهم بالنظر لامتهانهم حرفاً وأعمالاً يدوية بسيطة عن المبالغ التي حددها المشروع كقيم إيجارية، كما أن البديل الآخر، وهو الانتقال لمدينة الأسمرات، يبدو أشد صعوبة عليهم، بالنظر إلى موقع الأسمرات النائي على أطراف العاصمة، وصعوبة توفير مصادر الرزق المتوفرة لهم حالياً في ماسبيرو، بالإضافة إلى تكلفة المواصلات العالية في حال الانتقال اليومي من وإلى الأسمرات، التي تعتبر منطقة شبه معزولة.
إحدى بدائل الحكومة
منطقة عصرية
وكانت صحيفة الجارديان كشفت النقاب عن التصور الأساسى الذى وضعته شركة التصميم المعمارى البريطانية الشهرية “فوستر آند بارتنرز” لتطوير منطقة مثلث ماسبيرو.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن الشركة القول إن المشروع يستهدف تحويل هذه المنطقة التى تضم مئات المنازل القديمة والمتهالكة، إلى منطقة عصرية تشمل ناطحات سحاب كمقار إدارية للشركات العالمية، وكذلك فنادق ومطاعم ومتاجر، إلى جانب مناطق سكنية عصرية لسكان المنطقة من الطبقة الفقيرة وهو بديل وضعته الحكومة للأهالي بالفعل لكن بشروط مجحفة كما أسلفنا.
غياب الثقة
لكن طالما أن الحكومة أعلنت ضمن بدائلها عودة الأهالي، لماذا رفض السكان هذا الاقتراح، بعيدا عن فكرة القيمة المادية التي تقبل بالطبع التفاوض حولها؟
الإجابة هنا تأتي في طيات بيان المؤتمر الجماهيري الذي عقده الدكتور أحمد عادل درويش، نائب وزير الإسكان للتطوير الحضري، حول البدائل، والذي أكد خلاله أن التطوير لن يتم إلا بالإخلاء الكلي للمنطقة، وأن إعادة السكان الراغبين في الإقامة بالمثلث بعد التطوير، تكون بعد 4 سنوات، وهي مدة كبيرة لا يضمن الأهالي عودتهم بعدها؛ لغياب الثقة بين المواطن والدولة، بينما يطالب الأهالي بالإخلاء الجزئي، وتسكينهم في منطقة جراج “على بابا” خلف وزارة الخارجية، وهي منطقة فارغة يمكن استغلالها في البناء، كما أن الأهالي اقترحوا سابقا فكرة مساحة الـ 47 فدانا “إجمالي مساحة المثلث” إلى ثلاث مناطق، الأولى المميزة على النيل، لبناء المنشآت السياحية والمولات التجارية، والثانية لبناء المكاتب والشركات، والثالثة التي تقع بمحاذاة الإسعاف وشارع 26 يوليو على مساحة 5 أفدنة تخصص لأهالي المثلث، وهو اقتراح تجاهلته الحكومة أيضا.
كانت صحيفة الجارديان كشفت النقاب عن التصور الأساسى الذى وضعته شركة التصميم المعمارى البريطانية الشهرية “فوستر آند بارتنرز” لتطوير منطقة مثلث ماسبيرو
الخلاصة
خلاصة الأمر أن الحكومة لا تفكر في فكرة تطوير العشوائيات كما تدعي بياناتها، كما أن إصرارها على نقل أهالي ماسبيرو، وتخييرهم بين خيارات أحلاها مر، سواء بالتهجير الذاتي، أو التعويضات المادية غير المجزية للمتضررين من المشروع الجديد، يؤكد أن الحكومة الحالية عازمة على المضي قدماً بتنفيذ مخططها، وإخلاء المنطقة وتسليمها لكبار المستثمرين، لإخلاء قلب القاهرة من سكانه الفقراء، فالدولة استحدثت وزارة الدولة للتطوير الحضري ثم ألغتها، دون سبب، وتم استبدال الوزارة بمنصب الدكتور أحمد درويش، مساعد وزير الإسكان لتطوير المناطق العشوائية، الذي لا يملك أي خطة في هذا الملف، فضلًا عن ضعف إمكانيات صندوق تطوير العشوائيات فنيًّا وبشريًّا؛ حيث يعمل به 27 موظفًا وفنيًّا، مطلوب منهم تغطية عشوائيات 27 محافظة، ورسم خريطة جديدة للتخطيط العمراني لهم، وهو ما يعني استحالة حدوث أي تطوير يمس الأهالي، ما يطرح سؤالا جدليا مفاده.. هل تستمر الحكومة في تنفيذ خطتها لإفراغ القاهرة من الفقراء؟!