ترجمة حفصة جودة
أولًا؛ أود أن أخبركم أن هذا الأمر هو آخر ما توقعت أن أكتب عنه يومًا ما، فخلال سنوات عديدة فكرت في الانضمام إلى الشرطة والانتقال إلى كندا وممارسة رمي السهام، لكن حتى في أشد لحظاتي جنونًا لم أتوقع أبدًا أن أقوم بهذا الأمر، فحاجتي لأن أشعر بإخلاء مسؤوليتي تماما كان أمرًا محيرًا، والهدف الوحيد من هذا الأمر كان إرضاء غروري، والذي جعلني مندهشة من اكتشاف أن أكبر مخاوفي هو أن أصبح نباتية.
لقد مضى 6 أسابيع فقط؛ ما زال الوقت مبكرًا وربما أكون مخطئة، لكنني لا أعتقد أن أسوأ ما في النباتية هو توديع الأطعمة الجميلة التي اعتدت تناولها، إنني بالطبع أحب الضأن المشوي والبيض المخفوق والآيس كريم، لكن الحقيقة هي أنك تستطيع الاعتياد على أي شيء، مشكلتي مع النباتية لم تكن بسبب النظام الغذائي؛ لكنها كانت بشأن الهوية.
كانت النباتية أمرًا نادرًا؛ فقد وصلت للعشرينيات من عمري قبل أن ألتقي بأول شخص نباتي، أما هذه الأيام فقد أصبحت النباتية قمة الموضة وإذا كنت مشهورًا فمن الضروري أن تكون نباتيًا، هناك الكثير من المشاهير النباتيين مثل بيونسيه وجي-زي وجنيفير لوبيز وبراد بيت، وخلافًا لخيارات نمط الحياة عند معظم المشاهير، فأي أحمق يقرأ كتاب الطبخ “Deliciously Ella” سوف يشعر بروعة التخلي عن المنتجات الحيوانية؛ الأمر الذي يفسر تضاعف عدد النباتيين في بريطانيا أربعة مرات في العقد الماضي ليصل عددهم إلى أكثر من نصف مليون، عند الحياة في لندن؛ لا يسعك إلا أن تلاحظ أن موضة النباتية تفترض مظهرًا واثقًا جديدًا.
هذه الأيام أصبحت النباتية قمة الموضة وإذا كنت مشهورًا فمن الضروري أن تكون نباتيًا
في آخر مرة تواجدت في شارع هاكني؛ كانت الحشود على الرصيف تعني أن العراك في أحد الحانات قد خرج للشارع، أما الآن فهذه الجموع التي تقف في الطابور بصبر تحت المطر مثل متسوقي الاتحاد السوفيتي القديم؛ تنتظر خارج مطعم “Temple of Seitan” وهو أول مطعم في العالم يبيع الدجاج المقلي النباتي.
لذا لم أكن قلقة من أن يبدو شكلي غريبا، كنت قلقة من أن أكون الشخص الذي يعتقد أن ما يضعه في فمه مهم بما فيه الكفاية ليقتطع جزءا كبيرا من وقته وطاقته كل يوم، كنت أتسائل من الشخص الذي يرغب في البحث عن الموتزاريلا النباتية أيام الإجازات أو يزعج نفسه بقراءة ملصق مكونات جميع المنتجات أو يتسبب في إزعاج نفسه في حفلات العشاء؟ بالنسبة لي؛ كنت أعتقد أن هذا الشخص يشعر أنه ثمين جدا – إن لم يكن نرجسيا يضع الكثير من الحدود- ليمنح كل هذا الاهتمام لنقاء جهازه الهضمي.
غالبا ما يجبرنا الوصول إلى منتصف العمر على إعادة تقييم أنفسنا وحياتنا، في العشرينيات من عمري كان كافيا أن تتناول الكولا الدايت كدليل على انشغالك بشدة في الحياة لدرجة أنك لا تهتم بالملهيات التافهة مثل وجبات الطعام الفعلية، في الـ45 من عمري؛ بدا الأمر وكأنه إساءة ذاتية، وبعد أن تم تشخيص إصابتي بالسرطان منذ 18 شهرا لم يعد الأمر اختيارا، ولأول مرة في حياتي منحت بعض الاهتمام الجاد للاعتناء بنفسي، ليس فقط لأن أطباء الأورام والجراحون والممرضات قد فعلوا ما بوسعهم لإنقاذ حياتي؛ لكن كان هناك شعورًا بأنني ملزمة بالقيام بشيء ما، وعندما أصبحت أمور التغذية ليست مجرد خيارا حياتيا لكنها ضرورة طبية؛ أصبح تناول الطعام الذي قد يقتلك حقًا تصرفًا أحمقًا بكل وضوح، ولذا قضيت معظم العام الماضي في محاولة تبني نظام غذائي صحي.
تضاعف عدد النباتيين في بريطانيا أربعة مرات في العقد الماضي ليصل عددهم إلى أكثر من نصف مليون
المشكلة كانت -كما يعلم أي شخص قد حاول من قبل- أنه من المستحيل أن تعرف إذا كان ما تقوم به صحيحا، فهناك إجماع عالمي على كيفية حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أكبر من معرفة ما الذي ينبغي تناوله، وكلما ازدادت علمك كلما قل إحساسك بالمعرفة، هل اتباع النظام الغذائي منخفض الكربوهيدرات هو الحل؟ هل اللحوم جيدة طالما أنها عضوية؟ هل الالتزام 5 أيام يفي بالغرض؟ هل القيام بشيء أقل تطرفا من النظام الغذائي الصارم مضيعة للوقت؟ من الصعب الحفاظ على قوة إرداتك حتى لو كنت تعلم أن الأمر يستحق ذلك، كانت احتمالية أن يكون الأمر لا طائل منه؛ سببا في عدم التزامي بأي نظام غذائي حربته من قبل.
في النهاية؛ لم أجد سوى طريقة واحدة للتأكد من أن جميع ما أتناوله شيئًا جيدًا، كانت بساطة الحل لا تُقاوم، المشكلة كانت؛ أن أي شيء آخر سوى النباتية كان بعيدًا عن البساطة، فتسائلت؛ هل سأجد الوقت لأتسوق في المتاجر المتخصصة للأطعمة الكاملة؟ جميع من أعرفهم من النباتيين وعدوا بأنه بعد شهر سوف ابدأ في الاحساس بشعور رائع؛ يبدو التملق بجواره ثمنًا زهيدًا، ربما كانوا على صواب؛ لكنني كنت قلقة من أن إضاعة الوقت مع البقوليات سوف يهزمني قبل أن تبدأ اسطورة العشب في العمل.
كنت أتسائل هل هناك طريقة أسهل للقيام بذلك؟ بالطبع هناك، فقد وجدت في لندن شركة تُسمى “Detox Fit” للنباتيين الكسولين، تقوم بتقديم وجبات نباتية جاهزة إسبوعيًا، يقوم بإدارة الشركة زوجان نباتيان، كما تقدم الشركة أيضًا خدمة هاتفية؛ فعندما تكون في الخارج وتشعر بالجوع ما عليك سوى الاتصال بهم ليدلوك على أقرب مكان يوفر لك طعامًا نباتيًا.
عندما لم أجد أي سبب آخر لعدم القيام بذلك، بدأت الأمر وخططت لتجربة النباتية لثلاثة أشهر، كان التزاما محدودا أكثر من كونه وعد مدى الحياة، لكن التحديات المتواضعة جدا أصابتني بالقلق، ومع عدم وجود أي عذر للسقوط تسائلت: ماذا لو استمر الأمر؟
هناك الكثير من الأسباب لتصبح نباتيًا، حتى أنه من الصعب أن تعرف أيها سيعمل بشكل جيد لتتجاوز أزمة قوة الإرادة، صحتك هي حياتك؛ لكن عندما تكون في مزاج متقلب ربما تقرر ألا تهتم بها، هل سيقويني التفكير بالانبعاثات الكربونية التي تأتي من الماشية؟ ربما يساعدك أن تحتفظ في عقلك بصور لمزارع الحيوانات لتسترجعها عند الحاجة، مرة أخرى؛ ماذا لو أصبحت المجاعة العالمية أمرًا حتميًا؟ ربما من الجيد أن نحتفظ في ذاكرتنا بالاحصاءات التي توضح مساحة الأفدنة التي ينبغي الرعي فيها لنصنع شطيرة “Big Mac”؛ ونقارنها بعدد الأشخاص الذين يستطيعون الحصول على غذائهم إذا زرعنا هذه المساحة ببعض المحاصيل، يمكنك أن تعتمد على أكثر من طريقة للتأكد من قدرتك على مواصلة الأمر.
ما أثار دهشتي أنني بنهاية الشهر لم أكن بحاجة للخط الساخن من ” Detox Fit”، ولم أكن بحاجة لأدوات التحصين النفسية التي وضعتها لنفسي، لا يهم ما كان يقلقني؛ فكل شيء كان سهلا بطريقة مذهلة.
المصدر: الغارديان